icon
التغطية الحية

عقارات الوقف بريف حلب الشمالي.. كيف تتم إدارتها واستثمارها؟

2021.06.09 | 06:37 دمشق

artboard_1.jpg
مديرية الأوقاف في مدينة مارع - (تلفزيون سوريا)
+A
حجم الخط
-A

يعتبر الوقف من المؤسسات المهمة والرائدة في ريف حلب الشمالي، لما له من أثر كبير في تنمية وتمويل المرافق التعليمية والثقافية، وتقديم الرعاية الصحية والاجتماعية التي تعود بخدماتها على المجتمعات السورية.

وكانت تستثمر الأوقاف في سوريا العقارات الموقوفة لديها من خلال تأجيرها لأشخاص بموجب عقود إيجار لمدة يتفق عليها، على أن يدفع المستأجر إيجارًا سنويًا محددًا لكل عقار يسمى "هبة" للوقف، بالإضافة إلى بدل سنوي يكون رمزيًا.

ما هو الوقف؟

يعرّف الوقف بأنه حبس العين "العقار"، ومنع التصرف به كالبيع أو الهبة أو التوريث، والاقتصار على الانتفاع به فقط.

 ويقسم الوقف إلى ثلاثة أقسام: الأول الوقف الخيري، الذي يشترط فيه الواقف صرف عائداته إلى جهة خيرية مستمرة الوجود، مثل (الفقراء والمساكين والمساجد والمدارس والمستشفيات) وغيرها، وهو الأكثر رواجاً، والثاني الوقف الأهلي أو الذري، الذي يخصص عائده للذرية في البداية ثم لاحقاً لجهة خيرية، والثالث الوقف المشترك، وهو ما اشترك في استحقاق عائده الذرية وجهات البر عامةً.

وبما أن الوقف الخيري هو الأكثر انتشارًا في ريف حلب الشمالي، فإن غالبية المؤسسات الحكومية بنيت على أراضٍ تعود ملكيتها للوقف، أي أنها ملزمة بتأدية الأجور والمستحقات عليها سنوياً، مثلها مثل باقي المستثمرين، لتعود بذلك للنفع على المجتمع والأوقاف بآن معاً.

تعرض عقارات الوقف للسطو

عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية وعقارات المنازل والمحال التجارية بريف حلب الشمالي، في السابق كانت تعود أجورها السنوية لوزارة الأوقاف في حكومة نظام الأسد، لكن بعد اندلاع الثورة السورية وتحرير ريف حلب وخروج مؤسسات النظام، أصبحت هذه العقارات محط أنظار الجميع، مستغلين ظرف غياب السلطة التنفيذية والقضائية، لمصالحهم الشخصية.

كل ذلك جعل أراضي الوقف عرضةً للنهب والسطو، من خلال البناء عليها، أو استخدامها لغرض تجاري، من دون مراعاة أي اعتبار للجهات المحلية التي كانت تدير ذلك الملف خلال تلك الآونة، الأمر الذي ساهم في استملاك عدد منهم لعقارات الوقف.

كما فُقد كثير من الوثائق التي تثبت ملكية عقارات الوقف الخيرية التي ترجع عائداتها للمساجد ودور العبادة، وخلال السنوات السابقة تم استرداد بعض أجور الاستثمار التي توقفت بسبب عدم الاستقرار في المنطقة وتعرض السكان للنزوح والتهجير المتكرر.

وقال علي الخطيب، الذي يعمل في إدارة الأوقاف والإفتاء والشؤون الدينية في مدينة مارع بريف حلب، لموقع "تلفزيون سوريا": "العديد من العقارات الوقفية تمت السيطرة عليها واغتصابها من قبل أفراد مدعومين من جهات عسكرية، وربما يدفعون أجوراً زهيدة مقابل ما استثمرت لأجله، ولا تستطيع السلطات المحلية إعادتها، وكذلك أيضاً المراكز والمؤسسات الحكومية والخدمية، هي مبنية أيضاً على أراض وقفية لا تتم تأدية أجورها بالشكل المطلوب".

وأضاف أن "هناك تسيباً في سداد أجور عقارات الوقف بريف حلب الشمالي بسبب غياب السلطة التنفيذية التي يجب أن تحاسب مستثمري عقارات الوقف، وتلزمهم  بتقديم مستحقات الأوقاف، التي يجب أن يعم نفعها على كامل المجتمع".

عقبات تمنع الاستثمار

وأوضح أن هناك بعض العثرات تقف أمام استثمار عقارات الوقف، منها تسلط جهات وأشخاص غير أكفاء على مهمة إدارة الوقف، ووقوع عدد من الأراضي الزراعية على خطوط النار، أو داخل مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مع غياب القدرات الاستثمارية لدى رؤوس الأموال بريف حلب الشمالي لاستثمارها كأبنية سكنية أو غير ذلك، مما جعل مردودها السنوي ضعيفاً جداً.

واستُثمر بعضٌ منها من خلال بناء أسواق شعبية أو "كازية" لبيع المحروقات، كما حصل في صوران، أو محال تجارية وصناعية وغيرها التي يجب أن تعود أجور استثمارها إلى الوقف الخيري.

وعملت عدة جهات مدنية بريف حلب الشمالي على الحفاظ على أراضي الوقف في المنطقة خشية تعرضها للسرقة أو التعدي، وعلى الرغم من ذلك فإن عائدات استثمار عقارات الوقف وأجورها السنوية، لا تراعي انهيار الليرتين السورية والتركية، وذلك بعد نقل الأجور بالليرة التركية المستقرة نوعاً ما.

وقال عبيدة بكور، صاحب منزل سكني في مدينة مارع مبني على أراضي الوقف، لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الأجور السنوية لأرض مبني عليها منزل تبلغ 75 ليرة تركية بينما أجور الأرض المبني عليها محل تجاري تصل إلى 100 ليرة تركية سنوياً، وكذلك الدونم الواحد من الأرض الزراعية"

وأضاف: "توضع الأجور السنوية بحسب الموقع الاستراتيجي للعقار والغرض منه مع مراعاة لأسعار العقارات المجاورة، بحيث من الممكن أن يختلف السعر بحسب مكان وموقع الأرض".

كيف تتم إدارتها واستثمارها؟

من جانبه ذكر معاون مدير الأوقاف والافتاء والشؤون الدينية في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، أديب بري: "يتم تأجير هذه العقارات بشكل سنوي من خلال مزادات علنية تقوم مديرية الأوقاف بطرحها ويتم تسليم العقار للفائز بالمزاد من قبل المديرية وأحد أعضاء اللجان الوقفية باستثناء عقارات وقفية كانت قد بيعت قبل عام 1980 بقرار من وزارة الأوقاف ورئاسة مجلس الوزراء آنذاك".

وأضاف: "لدينا لجان مخصصة للإدارة والإشراف على أملاك الوقف، هذه اللجان معروفة بنزاهتها وحسن أخلاقها، تعمل على اختيار المستثمرين لها بالتعاون مع مديرية الأوقاف في مدينة اعزاز".

وتابع: "يعود الريع لإدارة الأوقاف من أجل إنشاء عقارات جديدة وتنمية هذه العائدات بشكل رئيسي وإصلاح بعض العقارات المهمة، وترميم المساجد التي بحاجة ماسة مع انعدام وجود متبرعين ومحسنين يقومون بأعمال الترميم والإصلاح".

وتعامل العقارات الوقفية مثل العقارات الخاصة، مع مراعاة السعر المناسب للانتفاع بها دون البيع، وبحسب ما أشار بري فإن "النقطة الأساسية في أموال الوقف التي تجبى هي تنمية الوقف وبناء عقارات وقفية جديدة وطرحها للمواطن حتى تكون هناك مشاركة بحق الانتفاع".

وتُجبى الأجور السنوية عبر المبلّغين ولجان الوقف، وهذا المردود يتم صرفه لتوفير الخدمات والأعمال الخيرية التي تعود بالنفع على سكان المنطقة، كما تراعي الأجور السنوي أسعار العقارات المجاورة.

مسح ميداني جديد

وتعتبر مدينتا اعزاز ومارع بريف حلب الشمالي أكثر المناطق التي تتوافر فيهما عقارات تعود ملكيتها للأوقاف، من بين العقارات محال تجارية في الأسواق، وأراضٍ زراعية وشجرية ومنازل سكنية، منها ملحقة ببعض الجوامع مع مراعاة شرط الواقف فيها.

وحافظت بعض المدن والبلدات بريف حلب الشمالي، التي لم يسيطر عليها تنظيم الدولة أو النظام، على الوثائق الرسمية الخاصة بعقارات الوقف.

وقامت مديرية الأوقاف في مدينة اعزاز بمسح ميداني للعقارات الوقفية من خلال متابعة جميع العقارات بمساعدة اللجان الوقفية القديمة، وكبار السن المعروفين في كل مدينة وقرية لجمع هذه العقارات والكشف عليها لدى السجلات العقارية في مدينة اعزاز لتقييدها من جديد ومتابعة أعمال إجراء المزادات العلنية وفتح أضابير جديدة لها في السجل العقاري.

وتعتبر السجلات العقارية في مدينة اعزاز من أبرز المؤسسات الرسمية التي ساهمت في إثبات عقارات الوقف وإعادتها للأوقاف، والتي تعرضت للسطو المتكرر خلال السنوات الماضية، لا سيما عندما سيطر تنظيم الدولة على القرى والبلدات المحيطة بمدينة اعزاز، مع غياب المؤسسات الأخرى، ويبدو أن المؤسسات المحلية في ريف حلب بدأت تستعيد قدرتها في تنمية أراضي الوقف، وإيصال مردود استثمارها إلى ما أوقفت عليه، لكن لا بد من عثرات قد تزول مع الزمن، مما يجعلها تقدم خدماتها بشكل أفضل.