icon
التغطية الحية

عفرين.. جيش الإسلام والجبهة الشامية صراع على النفوذ

2021.02.16 | 04:24 دمشق

708384.jpg.jpg
صورة أرشيفية لعناصر من "الجيش الوطني السوري" في مدينة عفرين - الإنترنت
ريف حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

ما يزال التوتر سيد الموقف في مدينة عفرين شمالي حلب بسبب المواجهات التي حصلت مؤخراً بين فصيلي "جيش الإسلام" و"الجبهة الشامية" التابعين للجيش الوطني السوري والتي راح ضحيتها مقاتلان من جيش الإسلام، حيث يسود القلق بين الأهالي في المدينة والذين يخشون من تجدد الاشتباكات في أي لحظة بسبب حالة الاحتقان والتحريض المتبادل.

في حين تتواصل مساعي الصلح بين الطرفين وبخطوات متباطئة، وهذا ما يؤشر إلى أن اتفاق المصالحة المفترض عقده سيكون مختلفاً من ناحية النتائج عن جلسات الصلح السابقة التي كانت تجري بعد كل صدام مسلح بين الفصائل، وبالتالي يمكن القول بأن عفرين مقبلة على توزيع جديد في خريطة القوى المسيطرة، وهي غالباً ستكون في صالح "جيش الإسلام" الذي يتطلع إلى التحول من الوجود الخجول والحالة الثانوية التي يعيشها منذ وصل إلى الشمال قبل عامين إلى قوة صاحبة نفوذ وجغرافية سيطرة.

نائب المسؤول السياسي في "لواء السلام" التابع للجيش الوطني، هشام سكيف، قال لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "ظاهرة الاقتتال الداخلي أصبحت مزمنة وتحتاج الى أكثر من مجرد إجراءات تقليدية تتخذها المؤسسة الوليدة والتي تضم تشكيلات الجيش الوطني، الوضع غير مقبول لا على الصعيد الثوري ولا على الصعيد الشعبي ولا على صعيد طريق بناء المؤسسة العسكرية التي مازالت تحتاج إلى الكثير والكثير من البذل والعطاء، ووجود التشكيلات العسكرية داخل المدن أصبح فعلا خارجا عن كل معقول، والإجراء الأكثر صرامة هو معاقبة الخارجين على القانون بشكل حازم وإعادة انتشار القطع العسكرية خارج المدن وتفعيل قرارات وزارة الدفاع".

حشد الشارع

شيّع "جيش الإسلام" مقاتليه اللذين سقطا في الاشتباك مع "الجبهة الشامية" في مدينة عفرين، وتبع الجنازة أعداد كبيرة من أنصار الجيش ومن مهجري الغوطة الشرقية سكان مدينة عفرين وضواحيها القريبة وسط إجراءات أمنية مشددة فرضها مقاتلو الجيش الذين أطلقوا الرصاص بكثافة أثناء سير الموكب الجنائزي، والذي عطل حركة المرور وشل الحركة العامة في بعض أحياء المدينة.

وخطب زعيم الجيش، أبو همام البويضاني، في جمع كبير من أنصار ومقاتلي فصيله، وقال "نعزي أهلنا في الشام وسوريا باستشهاد هؤلاء الأبطال الذين تشهد لهم ساحات الوغى وكلنا نشهد أنهم قاتلوا قتال الرجال لنأتي إلى هنا ويقتلون على يد حثالة، والله لن يهدأ لنا بال حتى نأخذ حقهم جميعاً، وكلنا يد واحدة لنأخذ حق كل مظلوم من أي مكان، حتى لا يقولوا مناطقية"، وأضاف "من مورس عليه الظلم لا يظلم، لو كنا نريد أن نقتل لقتلنا العشرات، وما منعنا هو الدين والخوف من الله، وسنأخذ حقنا بالسبل المشروعة".

أنصار البويضاني الغاضبين قاطعوه أكثر من مرة، أحد الحاضرين طالب برد قاسٍ، وأن القضية تحولت إلى مسألة وجود "نكون أو لا نكون"، وطالب آخرون بالقصاص من القتلة ليرد عليهم البويضاني بأن "المتهمين بالقتل جرى توقيفهم في وقت مبكر".

بدت "الجبهة الشامية" مضطرة لاتباع سياسة "جيش الإسلام" في إرسال رسائل عبر مقاطع الفيديو وحشد الشارع، وظهر زعيمها، أبو أحمد نور في فيديو قصير خطيباً بين مقاتلي الجبهة، بدا أنه التقط في ثكنة عسكرية في عفرين وعلامات التوتر بادية على مقاتلي الجبهة، قال إن "عدونا واضح ومشروعنا واضح ولن ننجر لفتنة ومصيبة يريدها البعض، عدونا النظام بالدرجة الأولى وكل ثائر أخونا ودمه دمنا".

الصراع على النفوذ والممرات

أقصر طرق التهريب وأيسرها على الإطلاق هي تلك التي تنتشر في خط التماس بين عفرين ومنطقة نبل شمالي حلب والتي تتشارك فيها الميليشيات الإيرانية مع قوات سوريا الديموقراطية خط تماس طويل مع المعارضة، ويبدو أنها السبب الرئيسي الذي اندلعت لأجله المواجهات بين طرفي القتال في عفرين مؤخراً، فالشامية والتي تفضل أن يطلق عليها اسم "الفيلق الثالث" تعتبر نفسها القوة الأكبر والأكثر هيمنة في منطقة عفرين بالعموم ومركز المدينة على وجه الخصوص، وبالتالي تعتبر أن من مسؤوليتها ضبط خطوط التماس ومنع التهريب، أو ربما بدافع احتكار خطوط التهريب.

 يعتبر تهريب البشر، ومعظمهم فارون من التجنيد في جيش النظام، أو مقاتلون في جيش النظام والميليشيات ويرغبون بالهجرة إلى أوروبا مروراً بمناطق المعارضة وتركيا، من أكثر الأمور ربحاً وسلامة ولا تحتاج الكثير من الجهد والعناء من قبل المهربين وشركائهم من الفصائل.

لم يعد "جيش الإسلام" ذاك الفصيل الذي أتى إلى الشمال قبل عامين، منهكاً وخائرَ القوى، بات الجيش اليوم قوة لا يستهان بها، وأصبح لحاضنته الاجتماعية تركيز كبير في منطقة عفرين ومركزها، وفي مدينة الباب بريف حلب، وتتبع له عدة معسكرات تدريب، ويمتلك من الآليات والمركبات العسكرية ما يكفيه لأن يطمح لتغيير موقعه من تشكيل ثانوي وصاحب انتشار وتمركز خجول إلى تشكيل يحب الظهور مرة أخرى حاملاً معه مشروعه الذي أسس عليه، وبطبيعة الحال يتطلب الوصول إلى الحالة الطموح مصادر دعم وجغرافية سيطرة مميزة، وإشارة البويضاني في خطبته إلى تفادي المناطقية لم تكن صدفة، بل هي رد فعل على اتهامات بالتوجه للتكتل المناطقي في الآونة الأخيرة لقادة الجيش ومقاتليه وأنصاره من قبل الفصائل في المنطقة.

مصدر عسكري في الجيش الوطني قال لموقع "تلفزيون سوريا": "بات من السهل على جيش الإسلام منافسة غالبية الفصائل والتغلب عليها من الناحيتين العسكرية والتنظيمية، وإدارة الملف الأمني، ما عدا الجبهة الشامية التي تمنع حدوث السيناريو المفترض في عفرين أو الباب منطقتي الانتشار الأكبر للجيش، كما أن سيطرتها، أي الشامية على معظم الممرات والمعابر الداخلية والخارجية في ريف حلب وصولاً إلى تل أبيض شمالي الرقة يحرم الجيش من فرصة الاستحواذ على مصدر تمويل ذاتي يسمح له بالتوسع وزيادة عدد مقاتليه كما تفعل الشامية، وبالتالي تبدو الفرصة مواتية لاستغلال مواجهات عفرين الأخيرة لزيادة النفوذ والانتشار على حساب الشامية وإن لم يتحقق ذلك دفعة واحدة، يمكن أن يتحقق بالتدريج وعلى دفعات".

وأضاف المصدر، أن "الشامية هي التشكيل الوحيد الذي يمكن القول بأنه يملك مشروعاً مقابلاً لمشروع جيش الإسلام، ولديها مؤسسة عسكرية وإدارية جيدة تشكلت عبر مراحل باعتبارها الوريث الشرعي للواء التوحيد أكبر وأقدم فصائل حلب والشمال السوري، وبالتالي فإن المواجهة بين الطرفين في حال استمرت وتصاعدت ستكون خطيرة وعلى أحدهما أن ينهي الآخر".

تخشى الأوساط المعارضة في ريف حلب من تكرار سيناريو الغوطة الشرقية في ريف دمشق قبل سنوات، وتحول الاقتتال من تنافس على المعابر والنفوذ والسيطرة والمصالح، وربما المشاجرات الشخصية إلى قتال أيديولوجي تدخل فيه المشيخات التقليدية للتشكيلات الإسلامية التي نشأت في وقت مبكر من عمر الثورة والتي كثر ظهورها في كل مناسبة اقتتال خلال السنوات الماضية وكان لها الدور البارز في التحريض والتجييش".

الاقتتال الداخلي

المعارك بين الفصائل المعارضة ليست ظاهرة مستجدة، ولم تكن حكراً على فصائل الشمال، بل عمت الجغرافيا السورية التي يوجد فيها الجيش السوري الحر منذ العام 2012 وحتى الآن، وبعيداً عن الفرضيات والاحتمالات المتوقع حدوثها بعد الاقتتال الأخير في عفرين، كانت هناك دائماً تساؤلات مشروعة في الأوساط الشعبية المعارضة، لماذا لم تتوقف هذه الظاهرة برغم ضررها والتحول الجذري في البنية التنظيمية للفصائل؟ وما الأسباب الرئيسية التي تقف خلف كل اقتتال فصائلي؟

المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور، قال لموقع "تلفزيون سوريا": "عندما تم إنشاء الجيش الوطني كنا نتمنى أن يكون قد تم إنشاء هذا الجيش على أسس وطنية يندمج بها كل المقاتلين في جسم واحد وفق منهجية مدروسة وعلى أسس أكاديمية مثله مثل كل الجيوش، لكن القائمين على المشروع حافظوا على بنية الفصائل ضمن وحدات الجيش الوطني وبالتالي حافظ القادة الثوريون على ولاء العناصر للقائد وليس للجيش الأمر الذي جعل حالة التشرذم والتناحر الفصائلي تستمر وتقوى، الأمر الذي أوصل الأمور لما وصلت إليه البارحة في عفرين وقبلها في أماكن أخرى".

وأضاف العقيد بكور أن "المحافظة على بنية الفصائل العائلية والإقليمية والعشائرية وعدم دمج عناصر الفصائل مع بعضها على أسس علمية وعلى قاعدة الانتماء للثورة وليس الفصيل والقائد هو ما أوصل الأمور لحد المواجهات والقتل المتبادل".

الباحث في العلوم السياسية بلال صطوف، يرى أن "الاقتتال بين فصائل الجيش الحر يرجع إلى عدة أسباب منها آلية توزيع السلطة بين الفصائل والتي تسبب حالة فوضى دائمة، في ظل غياب سلطة جامعة قادرة على فرض سيطرتها على كل مناطق المحرر، فضلاً عن ضبط أنشطة الفصائل وأفرادها، وتشكل الفصائل على أساس هوياتي مناطقي ما دون الوطني، مما يجعل ولاء أفراد الفصائل يبنى على أسس غير سوية وطنياً، تجعل من منطقة الفصيل جامعة مانعة بحسب الولاء، كمان أن الكثير من الفصائل تشكلت على أساس عائلي أو عشائري قائم على درجة القربة، أيضاَ اختلاف المصالح الشخصية والاقتتال على مناطق النفوذ والسيطرة، والاقتتال على تحصيل أكبر قدر من موارد المناطق المحررة".

وأضاف صطوف لموقع "تلفزيون سوريا" أن "لعفرين حالة خاصة في الاقتتال لعدة أسباب، معظم سكان المنطقة مهجرون من مناطق مختلفة وهو أمر يمنع تشكل آليات تكامل اجتماعية، والصراع على الممتلكات، فدائما ما يتشكل الصراع بين أفراد على منزل أو محل ليتحول إلى اقتتال فصائل، وتشكل صراع نفوذ وسيطرة بين الفصائل في المدينة بسبب غياب فصيل محلي قوي من أبناء المدينة، وبرغم ذلك لا أعتقد بقدرة جيش الاسلام على بسط سيطرته في المدى القريب على المدينة، وذلك بسبب عدد الفصائل الكبير في المدينة، واحتمالية تشكل تحالفات مضادة لجيش الإسلام في حال حاول السيطرة على المدينة، فضلاً عن اعتبار متل هذه الخطوة ذات بعد مناطقي يجعل عناصر جيش الاسلام هدفاً لقوى الفصائل الأخرى".

من جهته قال الباحث في العلوم السياسية، محمد أديب "كلما زادت أعداد الفاعلين في منطقة ما سيزيد التنافس وكل ما قل العدد تزيد حالة الهيمنة، والصراع القديم الجديد بين الفصائل في ريف حلب يعكس هذه الحالة بوضوح، هناك مجموعة كبيرة من الفصائل التي تسعى إلى إثبات وجودها والحفاظ على بقائها حتى ولو تطلب ذلك خوض معركة ضد رفاق السلاح".

وأضاف أديب خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن "منطقة ريف حلب بالعموم وعفرين بشكل خاص استقبلت أعداداً كبيرةً من السوريين ومن ثقافات وبيئات اجتماعية مختلفة، ولديها من الإرث البعثي الكثير الذي أشبعت به عن طريق نظام الأسد عبر عقود من ناحية التمييز المناطقي بين ريف ومدينة ومحافظة وأخرى، وهذه التركيبة الديموغرافية المعقدة شكلت بالضرورة حالة اجتماعية غير متماسكة، التكتلات الاجتماعية بدت أكثر تماسكاً بشكلها المنفرد على حساب المجموع الديموغرافي العام، كل تكتل لديه آلياته ووسائله لحماية نفسه ومصالحه، ومن هنا بدأت مظاهر الصدام تكبر وتتسع".