
نبذة تاريخية
عفرين منطقة معروفة من مناطق حلب الشمالية، ويلاحظ أن ياقوت الحموي لم يكن على علم بها، إذ نقرأ عنده أن عفرين اسم نهر يخرج من نواحي أعمال حلب ( يقصد نهر عفرين)، وعند ابن قتيبة عفرين مثل قنسرين وهي بلد في الشام، وقد ذكر صاحب ديوان الحماسة عفرين على وزن فعلين، من العفر، والعفر هو التراب كما جاء عند الفراهيدي وأئمة اللغة العربية، وفِي ذات السياق يذكر المؤرخ القس جرجس شلحت بأنَّ عُفْرين تعني التراب والغبار بالسريانية أيضاً، و يرى عبد الله الحلو مأخوذة من اللفظ الآرامي الأقدم (عَفْرين)، ومن الثابت أنها صيغة الجمع المذكر الآرامي المطلق من كلمة عفرا أي غبار، كما أن إحدى قرى جبل سمعان غرب حلب تحمل اسم عفرين أيضا، وهذا دلالة على شيوع الاسم. ذكر ابن الأثير واقعة بين الامير إيلغازي صاحب حلب والفرنجة في موقع قرب الأثارب يقال له ( تَلُّ عِفْرين) كان تحت سيطرة الفرنجة، وهو موقع بين جبال ليس لها طريق إلا من ثلاث جهات وهناك أيضاً قتل شرف الدولة مُسلَّم بن قُرَيْش . وفي آواخر العهد العثماني بُني جسر خشبي على نهر عفرين في عهد السلطان عبد الحميد الثاني بتخطيط رئيس مهندسي ولاية حلب قسطنطين مادريديس أفندي. سيتم تأسيس نواة بلدة في عفرين في العهد الفرنسي إلى جانب النهر قبل أن تتحول إلى مركز قضاء ثم منطقة.
تأسيس البلدة
تأسست قصبة عفرين في حقبة الاحتلال الفرنسي، وذلك بعد إعادة استحداث قضاء كرد داغ بموجب القرار رقم 33 في أيلول/ سبتمبر 1922 وألحقت به آنذاك أربع نواح هي: ( راجو، بلبل، الحمام، قطمة). تجدر الإشارة إلى أن تسمية (كرد داغ) عثمانية، وكان القضاء تابعاً لولاية حلب في العهد العثماني، وتعريبه (جبل الأكراد). وقد أصدر الرئيس فوزي سلو في 22 كانون الأول / ديسمبر 1952م المرسوم التشريعي رقم (179) القاضي بإعادة تسمية بعض المحافظات والأقضية باسم مراكزها، ومنها قضاء جبل الأكراد الذي تم إعادة تسميته نسبة إلى المركز الجديد، فبات ( قضاء عفرين). وقد أنشأت الحكومة السورية أول مدرسة ابتدائية في عفرين مؤلفة من ثمان غرف سنة 1928م، وفي العام ذاته تم إنشاء مخفر وسجون فنية صحية. وانشئت سنة 1929م فيها بلدية وأصبح لها ميزانية من مالية القضاء.
التقسيم الإداري والتعداد
عفرین اليوم هي مركز منطقة يتبع إدارياً لمحافظة حلب، تبلغ مساحة المنطقة 1,840.85 كم مربع، ويرتبط بها ست نواح هي ( بلبل، جنديرس، راجو، شران، الشيخ حديد، معبطلي)، وقد بلغ إجمالي عدد سكان عفرين ونواحيها 172.095 نسمة وفق تعداد سنة 2004، يشكل هذا الرقم 0.9 % من إجمالي سكان سورية. وغالبية سكان المنطقة من الأكراد، ويتوزع السكان في منطقة عفرين وفق النسب الآتية:
مركز عفرين والقرى المرتبطة به ( 37.6%) ، ناحية بلبل والقرى المرتبطة بها ( 7.3%)، ناحية جنديرس والقرى المرتبطة بها ( 19.1%) ، ناحية راجو والقرى المرتبطة بها ( 12.8%)، ناحية شران والقرى المرتبطة بها ( 7.9%)، ناحية الشيخ حديد ( 8.1%)، ناحية معبطلي والقرى التابعة لها (7.2%).
التعداد الحالي يمكن تقديره بالاعتماد على متوسط معدلات النمو السكاني مقارنة بتعداد سنة 2004، وبإهمال وجود هجرات خارجية باعتبار جميع السكان متواجدين في المنطقة، سيكون تعداد سكان منطقة عفرين جميعهم في كافة النواحي والقرى والمدن نحو 225 ألف نسمة، يضاف إليهم نحو 20 ألف نازح وفق تقارير الأمم المتحدة، فيكون العدد نحو 245 ألف نسمة اليوم، ونكرر مجدداً بأن ذلك بإهمال وجود هجرات حدثت خلال هذه الفترة والتي بلغت حداً كبيراً لا يمكن التكهن بحجمه منذ بدء الثورة السورية.
التنوع السكاني
شكل اليزيديون أحد أقدم مظاهر الوجود الكردي في منطقة كرداغ أو كلس، لا يعرف على وجه الدقة زمن وجودهم لكنه وفقاً لبعض المصادر الكردية يعود إلى آواخر العهد المملوكي وبداية العهد العثماني في ناحية القصير تحديداً، لكن الثابت هو أن الهجرات الكردية حدثت من عدة مناطق تقع حالياً ضمن جغرافية تركيا، وهي مناطق ديرسيم وملاطية وبحيرة وان ومنطقة بيره جك، وذلك في القرن الثامن عشر كما يشير إليه الباحث الفرنسي روجيه ليسكوت وأهم العشائر الكردية في المنطقة هي:
- عشيرة آمكان: وتعتبر أقدم قبيلة كردية في منطقة جبل الأكراد، هاجرت من جبال ديرسيم (محافظة تونجلي التركية حالياً)، واستقرت في القرن الثامن عشر بعد شتاء قاسٍ، وكانوا من طائفة (القزلباش) الشيعية قبل أن يتحولوا إلى المذهب السني. وكانت الزعامات الكبيرة في العشيرة متمثلة بعائلتي سهيرب أوغلو، وإيمر أوغلو. (اسم اوغلو يستخدمه الأتراك بكثرة).
- عشيرة شكاك: كانوا من أنصاف الرحل، لا يعرف تاريخ استيطانهم على وجه التحديد في المنطقة، وهم جزء من عشيرة شكاك الكبيرة التي كانت منتشرة حول بحيرة تمتد حتى بحيرة أرومية على حدود اذربيجان.
- عشيرة بيان: يقال إنها من عشائر الملان التي كانت مواطنها الأصلية في ديرسيم، ومعلومات أخرى تقول إنها جزء من قبيلة رشوان وهي قبيلة تمتد اأاضيها غرب مالاطيا.
- عشيرة الشيخان: وتمثل هجرة من العشيرة البدوية الأم التي تحمل الاسم نفسه في مرتفعات قراجه داغ بالقرب من ويرانشهر.
أما بالنسبة للعرب فإنهم ينتمون لعدة عشائر عربية ذكرتها وثائق السالنامه العثمانية ومنها:( العميرات، الحديديين، البطوشي، المجادمة، الدمالخة، العجيل، البو بنا، البوعاصي، الجيس، بني زيد)، لا يوجد تقدير رسمي لأعدادهم، لكن الكاتب الكردي محمد عبدو علي يقدر أعدادهم في مركز عفرين بنحو بـ 350 عائلة، في حين يذكر أنهم يتوزعون في 51 قرية أخرى، في حين يقدر وصفي زكريا سنة 1945 عدد عشيرة العميرات بنحو 1000 بيت، ويبدو أنه رقم تقديري، لكن بالمحصلة بمكن القول بأن المنطقة شهدت تنوعاً وتعايشاً سكانياً إثنياً ودينياً، فالعرب والأكراد إلى جانب أعداد من التركمان أيضاً، بالإضافة للوجود اليزيدي القديم أيضاً.
التطور العمراني والسكاني:
كانت القرى وما تزال في منطقة عفرين عبارة عن تجمعات صغيرة، تتراوح بين مزرعة يمكن أن تضم ما بين 1-10 منازل، أو قرى صغيرة 10- 100 بيت، على عكس القرى في ريف حوران ودمشق مثلاً، التي يبلغ عدد سكان القرى فيها بحد أدنة 3000 نسمة.
يذكر علي سيد كوراني في رحلته سنة 1939م، بأنَّ عدد سكان كرداغ يبلغ نحو 5000 نسمة يتوزعون على نحو 360 قرية. لكن القرى والنواحي بدأت تتطور على نحو كبير مع زيادة الاستقرار الزراعي. وكذلك الحال بالنسبة لعفرين، التي بدأت كقرية تضم بلدية، ثم مركز قضاء، ثم باتت منطقة تتبع لها عدة نواحٍ. توضح صور الأقمار الصناعية الملتقطة لمنطقة عفرين قبل 50 عام، بأن المساحة العمرانية للمدينة لم تتجاوز 0.5 كم مربع قبل خمسين عام، لكن مساحتها العمرانية ازدادت قرابة تسعة أضعاف خلال الخمسين سنة الماضية، لتصبح عام 2018 نحو 4.8 كم مربع اليوم، وهي أصغر من المساحة العمرانية لمدينة القامشلي مثلاً بخمس مرات.