althania

عفرين السورية "الجمهورية" الرابعة

2025.02.23 | 05:51 دمشق

آخر تحديث: 23.02.2025 | 05:51 دمشق

6
+A
حجم الخط
-A

دخلت قوات الأمن العام التابعة للإدارة السورية، إلى مدينة عفرين الكوردية السورية، وسط مشهد مهيب للقواعد الاجتماعية من حيث الاستقبال والعراضة والحشّد الجماهيري، ورفع علمي كوردستان والثورة السورية، وسط الأغاني الكوردية والسورية القومية والثورية. مع رفع لافتات حول إطلاق سراح المعتقلين لدى فصائل المعارضة السورية السابقة، والتي اندمجت بوزارة الدفاع السورية، والعودة الأمنة للأهالي، وسحب السلاح من المسلحين، مُختزلة معاناة المجتمع المحلي منذ عقود طويلة. تلاها زيارة رئيس المرحلة الانتقالية السيد أحمد الشرع ولقائه مع ممثلي المجلس الوطني الكوردي ووجهاء وأهالي عفرين، وتأكيده على وضع حد للمظالم والانتهاكات السابقة.

تعود تسمية المدينة لعهد الإغريق والتي سُميت بنهر "أفرينوس" أيّ رغوة الصابون، حيث منبع النهر. كما جاء في كتاب "ذكرياتي عن بلاد ألف ليلة وليلة" للملحق التجاري الفرنسي في حلب ما بين سنوات 1556-1548، إنه وبحكم "مهنتي في استيراد الحرير كنت أسافر إلى كلس وعنتاب واعزاز وجبل الأكراد وما إليها". أي أن تسمية الجبل "بالأكراد" كانت معروفة منذ ذلك التاريخ على الأقل. وسماها الكورد باسم "جيايي كورمينج" أي جبل الكورد، ككناية عن الشعب الذي قطنه وسكن تلك الجبال. وخلال العهد العثماني كان القضاء تابعاً لولاية حلب، حيث سُميت بــــ (كورد داغ) أيّ جبل الأكراد وفقاً للمصطلح العثماني، ثم ولاية كلس إدارياً، ومع الانتداب الفرنسي على شرق البحر المتوسط وسوريا، قُسمت إلى قسمين: الأول ظل تحت سلطة فرنسا في سوريا، في حين أُلحق الثاني بتركيا. يبلغ عرض المنطقة من الشرق إلى الغرب 55 كيلومترا، وطولها من الشمال إلى الجنوب 75 كيلومترا، وتساوي مساحتها حوالي 3850 كيلومترا مربعا، تعادل 2% من مساحة سوريا وكان يقطنها أكثر من 700 ألف نسمة حتى ما قبل 2011 وفق إحصائيات لدوائر النفوس السورية، لكن لا يمكن ذكر النسب السكانية الدقيقة حاليا بسبب الهجرة والتهجير. وخلال فترة رئاسة فوزي سلو أصدر في   22 كانون الأول/ديسمبر 1952 المرسوم التشريعي رقم (179) القاضي بإعادة تسمية بعض المحافظات والأقضية باسم مراكزها، ومنها قضاء جبل الكورد الذي تم إعادة تسميته نسبة إلى المركز الجديد، فبات (قضاء عفرين) مركزاً لمنطقة عفرين.

عفرين المدينة ذات الطبيعة البشرية المميزة بدماثة خلقها وعفويتها وكرمها، لم تنل الراحة والاستقرار منذ سيطرة البعثيين على البلاد وحتّى اليوم. عاشت عفرين كبقية المناطق السورية، تحت حُكم عنصري بغيض.

يتذكر كاتب الأسطر عفرين جيداً، فهي المدينة التي طالما احتضنت طلبة جامعة حلب، من أبناء المنطقة الكوردية خاصة، وشمال شرقي سوريا عموماً المفتقدة للمناطق السياحية والجمالية، بعكس عفرين وقراها وما تتميز بها من جمالية المشهد والمظهر والهواء النقيّ. وغالباً كانت الرحلات الجامعية أو الزيارات الشخصية هي مدماك الوصول إلى عفرين والبقاء فيها، خاصة شلالات ميدانكي، وراجو، وجندريسي وحمامات الشفاء الكبريتي، وباسوطة، وبرج عبدالو، إضافة إلى التلال الأثرية مثل قلعة سمعان، وتل عين دارا، ومزار النبي هوري، وجبل ليلون، عدا عن الغابات والأنهار والبحيرات، والتي حولت عفرين إلى مقصد سياحي للسوريين والأجانب ودول الجوار السوري.

لكن هذه المدينة ذات الطبيعة البشرية المميزة بدماثة خلقها وعفويتها وكرمها، لم تنل الراحة والاستقرار منذ سيطرة البعثيين على البلاد وحتّى اليوم. عاشت عفرين كبقية المناطق السورية، تحت حُكم عنصري بغيض، ارتكب أربع جرائم مركبة بحقهم، الأولى: شراكته في أرزاق الناس وخاصة أشجار ومعاصر الزيتون وزيته، والثانية: التجهيل ومنع اللغة الكوردية، والثالثة: حملات الاعتقالات للسياسيين والكتّاب، والرابعة: الفصل التام بينهم وبين عموم السوريون والكورد في باقي المناطق الحدودية، عبر دعم جيوب ومناطق مُستحدثة لفصلهم عن بقية الكورد، إضافة لإفقار الريف بشكل مُمنهج. في حين أسهمت البيئة والطبيعة في منحها تلك الجمالية، إضافة لغلبة طابع العمل والإنتاج على المجتمع المحلي، والتي يتجاوز مساحتها مساحة كُلا من محافظات اللاذقية 2300 كلم، درعا 3730كلم، القنيطرة1860كلم، طرطوس 1890كلم، ولم يكن يمنع من تحويلها إلى محافظة سوى النزعة العنصرية والإقصائية، حيث أُلحقت إدارياً بمحافظة حلب، وهو ما منع وفقاً للنسب والتناسب العددي، من وصول أهالي عفرين إلى مجلس الشعب، أو مجلس المحافظة، أو البلدية، وعموم الدوائر والمؤسسات الأخرى. وبذلك نجح النظام السوري في الحفاظ على عفرين بعيداً عن السياق السوري السياسي والمجتمعي والاقتصادي العام.

بقيت الأمور الى حالها إلى حين بدء الثورة السورية والتي التحقت عفرين بركبها ولبت نداء السوريين، بالتظاهرات ورفض النظام السوري، قبل أن ينسحب النظام منها ويُسيطر حزب "الاتحاد الديمقراطي" على المدينة في عام 2012، ويؤسس "الإدارة الذاتية" فيها عام 2015. ووفقاً لكثير من الشهادات والتقارير الإعلامية، فإن تلك الفترة لم تكن عصراً ذهبياً ولا تحولا ديمقراطياً في مسار الحياة السياسية والاجتماعية والمعيشية في عفرين، من حيث فرض التجنيد الإلزامي، ومناهج تعليمية مؤدلجة أدت لهجرة مُكثفة صوب الداخل السوري، أو خارج سوريا، ورغم تدريس اللغة الكوردية، بأهميتها كأرضية أساسية للهويّة الكوردية، لكنها لم تنل أيّ اعتراف أو شرعية للمناهج، إضافة للممارسات والضغوط وحملات الاعتقال والاختفاء وفقدان الأشخاص، وخنق الحياة السياسية والإعلامية للكتّل السياسية والإعلاميين غير المنخرطين مع "الإدارة الذاتية"، مع فرض لون ورتم سياسي وحزبي واحد، وشراكة الأهالي في أرزاقهم، وبذلك لم يختلف الوضع لدى الأهالي كثيراً، بل إن مشاعر الغُبن زادت لدى الأهالي، ولم يصل المجتمع المحلي للاستقرار الذي تأملوه من الثورة السورية.

يقول العفرينيون بصوتٍ واحد: نأمل خيراً في الحكومة الجديدة على قاعدة مشاركتنا في صناعة ورسم السياسات العامة و الخاصة ضمن مدينتنا وعموم سوريا، ونأمل أن نراها محافظة على غرار المحافظات التي تقل عن عفرين من حيث المساحة وعدد السكان.  

بقي الأمر على حاله حتّى سيطرة فصائل المعارضة السورية في عام 2018، بدعم من تركيا على عفرين، في عملية "غصن الزيتون"، وخلال سيطرة تلك الفصائل حتى بدايات 2025، تميزت بأنها المرحلة الأكثر سواداً وعنفاً وقمعاً في تاريخ كورد سوريا عموماً وعفرين خصوصاً. من حيث الخطف وطلب الدية لأطلاق سراحهم، إلى تقليص عدد ساعات تدريس اللغة الكوردية لصالح مواد دينية غير داخلة في المناهج المدرسية، إلى النهب المنظم لأرزاق الناس وتزوير عقود الملكية ومصادرة الأراضي الزراعية وحقول الزيتون والآليات الزراعية، وإخراج الأهالي من منازلهم أو السيطرة على منازل الأهالي المُهجرين من بلداتهم، وسرقة المواشي والدواجن، إلى قطع الأشجار وبيعها وتجريف الآثار والسيطرة على مزارات الإيزيديين والعبث بها وبمراقدهم الدينية، وصولاً للقتل العام العمد على الهويّة كما حصل مع عائلة "بشمركة" خلال إشعالهم للنار عشية عيد النوروز في 20-3-2023 بجنديرس وعشرات الحالات الأخرى، عدا عن تحويل عفرين إلى مركز للإسلام السياسي الذي أنهى جميع مفاصل ومباهج وتجليات الحياة الطبيعية فيها. وباختصار فإن ما جرى في عفرين خلال العقد الأخير كان إسقاطاً وإنهاءً لكُل قيم الثورة والمساواة والعدالة الاجتماعية والحق.

وضمن التغيرات التي عصفت بسوريا بعد إسقاط النظام السوري، والإعلان عن إدارة سياسية جديدة في دمشق، والبدء بترتيبات المرحلة الانتقالية. حمل المشهد المهيب لاستقبال وصول قوات الأمن العام إلى عفرين، ثم السيد أحمد الشرع رسائل واضحة، هي مناجاة للبدء بالعيش بسلام وأمان. عُرف عن أهالي عفرين شغفهم بالعمل والإنتاج، لدرجة إن لهم دور واضح في تحريك عجلة الاقتصاد والأسواق في المناطق التي لجأوا إليها مثل القامشلي والحسكة وغيرها. الرسالة التي يوجهها المجتمع المحلي في عفرين إلى السيد أحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية هي: لو أن الأمن العام سيتولى الإشراف على عفرين، فإن المطلوب أولاً وفوراً إبعاد الفصائل التي "أزالت" الحياة المدنية في عفرين وريفها، وتقليل وصولها لحياة الناس المدنية وضبط سلوكياتها. ويطالبون بدور أكبر لهم ضمن جهاز الشرطة المدنية، فالمطلوب حالياً ضبط الأمن ومنع الفوضى ووضع حد للانتهاكات والنهب المنظم، وهذا ما لن يتم قبل حصر القرار بجهة منظمة، إضافة لمنع نقل ملكيات الخاصة لعقارات الأهالي ومحاضر البناء، التي ضربها زلزال شباط 2023، ومساعي بعض الجهات لإعادة إعمارها وقيد العقار بأسماء من سكنها عنوة. يقول الأهالي للإدارة في دمشق: هذه هي الحكومة الرابعة التي تتولى أمرنا وحيواتنا ومصائرنا، فهل ننجو عبرها من الموت، ونصل للاستقرار بواسطتها؟

تُنادي النساء الكورديات: سئمنا وماعاد لنا من قدرة وطاقة على فقدان أبنائنا وبناتنا، سواء عبر الخطف أو القتل أو التهجير، فهل سننام مُرتاحي البال؟ يقول الرجال للحكومة في دمشق: وكأن القدر فرض علينا أن نشتغل ونعمل ونطور الاقتصاد لصالح جيوب الحكومات التي حكمتنا، فهل سنجد ذلك اليوم الذي نتصرف بأملاكنا كما نشاء؟ يقول الشباب: خطفٌ وقتلُ وتغييب وتهجير وتجنيد إجباري، هل بأماكننا التجول في أحيائنا بأمان؟ ويقول الجميع معاً: نرغب أن نُبني بلدنا وقرانا، وأن نُطور من مناهجنا التعليمية، وأن لا تُصبح اللغة الكوردية عرضة للابتزاز والتفاوض. يقول العفرينيون بصوتٍ واحد: نأمل خيراً في الحكومة الجديدة على قاعدة مشاركتنا في صناعة ورسم السياسات العامة و الخاصة ضمن مدينتنا وعموم سوريا، ونأمل أن نراها محافظة على غرار المحافظات التي تقل عن عفرين من حيث المساحة وعدد السكان.