عشية القمة التركية الأوروبية

2020.03.14 | 23:18 دمشق

3202013194538313.jpg
+A
حجم الخط
-A

كانت تركيا تستعد هذا الأسبوع لقمة تجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في إسطنبول. وكانت مشاركة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون غير محسومة بعد قمة تصفها أنقرة بأنها تكملة لمحادثات بدأت في لندن باتجاه تفعيل آلية حوار رباعي لكن المشكلة قد تكون عدم مشاركة بريطانيا فيها.

لم يكن أحدا يراهن على مفاجأة إلغاء انعقادها كتدبير احترازي لمواجهة تفشي وباء كورونا رغم أن توقعاتنا كانت ثابتة في موضوع تطبيق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قاعدة عدم المصافحة مع الضيوف. فجاءت المفاجأة في استبدال اللقاء المباشر بلقاء ثلاثي متلفز كما يبدو.

أردوغان أعلن، في شباط الماضي، عن قمة رباعية أخرى تجمعه بماكرون وميركل، إضافة إلى الرئيس الروسي، في 5 من آذار الحالي عرقلها الرئيس الروسي كي لا يحاصر في مسألة تحريك النظام السوري للتصعيد في إدلب والتسبب بكارثة النزوح واللجوء على السواء. بوتين لن يكون حاضرا هذا الأسبوع أيضا لأن القمة هي تركية أوروبية لكنها قد تحمل الكثير من الرسائل الغاضبة له في حال نجاحها.

أنقرة كانت تتطلع نحو قمة أوسع بمشاركة أوروبية أميركية روسية تعطيها ما تريده في شمال سوريا. فتح الطريق أمام قمة جديدة بمشاركة أوسع، تشمل الروس والأميركيين والأتراك، وبعض العواصم الأوروبية والعربية، وتعد لتفاهمات سياسية وأمنية واجتماعية في تفعيل خريطة تسوياتٍ جديدةٍ في مسار الأزمة السورية لكنها لم تحصل على ما تريده.

أنقرة رفضت القمة التصالحية التي دعا إليها رئيس الوزراء البلغاري وتجمعها مع اليونان لكنها لم تتردد في قبول هذه القمة البديلة للحصول على قرار دعم أوروبي لخطة المنطقة الآمنة والتنسيق السياسي والتمويل الدولي الذي تحدث عنه أردوغان مجددا قبل أيام بتخصيص حصة من عائدات النفط السورية لتمويل مصاريف النازحين واللاجئين السوريين في الداخل وفي دول الجوار.

القمة تأتي بعد التوتر التركي الأوروبي بسبب التدابير المالية التي أقرها وزراء خارجية دول الاتحاد الأوربي في منتصف الصيف المنصرم لحث تركيا على سحب سفنها الثلاث التي أرسلتها قرب سواحل قبرص للتنقيب عن النفط والغاز.

والقمة تعقد لبحث تفاعلات ملف اللجوء والمشهد الكارثي في مناطق الحدود التركية اليونانية بعد قرار أنقرة فتح أبوابها أمام عشرات الآلاف من اللاجئين والمقيمين بصورة غير شرعية باتجاه

هدف القمة هذه المرة يختلف عن أهداف القمة الرباعية السابقة التي عقدت في إسطنبول والتي كانت توصف بأنها محاولة لكسر الجمود في الملف السوري

العواصم الأوروبية. لكن المؤكد هو أنه لو لم تتراجع مقومات الثقة بين أنقرة وواشنطن من جهة وأنقرة وموسكو من جهة أخرى لما أصر أردوغان على هذه القمة الثلاثية مع ماكرون وميركل ولما كانا هما قبلا بانعقادها لولا معرفتهما بإمكانية تحويلها إلى فرصة للتهدئة ومراجعة حقيقية في العلاقات التركية الأوروبية الدائمة التوتر.

هدف القمة هذه المرة يختلف عن أهداف القمة الرباعية السابقة التي عقدت في إسطنبول والتي كانت توصف بأنها محاولة لكسر الجمود في الملف السوري ففجرت روسيا كل الحسابات والمعادلات هناك تاركة أنقرة وبرلين وباريس أمام مأزق النزوح واللجوء إذا لم تحصل على ما تريده في إدلب.

الواضح أيضا أن بوتين غاضب وقرر عدم المشاركة في قمة إسطنبول كما يبدو لأنه قرب بين تركيا والاتحاد الأوروبي على عكس ما كان يخطط ويريد. القمة هذه المرة تعقد من دونه وتأخذ بعين الاعتبار المصالح التركية الأوروبية وقد تكون على حسابه إقليميا خصوصا في مسائل أراد الإمساك بها ولعبها ضد تركيا.

باختصار، القمة الرباعية التي عقدت في لندن قبل نهاية العام المنصرم بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون كانت قمة الرد على بوتين فسارع هو من خلال تفجير الوضع مجددا في إدلب لرد التحية. القمة تعتبرها موسكو ضدها مباشرة في أعقاب لقاء برلين الذي جمع قبل أيام المستشارة الألمانية بالمشير خليفة حفتر وحيث "أكدت المستشارة على أنه ما من حل عسكري لهذا الصراع وأن وقف إطلاق النار وإحراز تقدم في العملية السياسية ضروريان لهذا السبب"، وهو موقف لا يختلف كثيرا عن اللقاء الذي عقد قبل توجه حفتر إلى العاصمة الألمانية وجمعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. أنقرة تنتظر من برلين وباريس هدية ما في الملف الليبي وشرق المتوسط وإنهاء التدابير الأوروبية المتخذة ضدها بسبب قرار إرسال سفينة تنقيب جديدة إلى السواحل القبرصية التركية.

أوروبا تعرف أكثر من غيرها أنه لا يمكن الفصل بين مسألة توقيت إنطلاق عملية درع الربيع التركية في إدلب وقرار فتح الحدود أثناء اجتماع أمني سياسي تركي مطول بتاريخ 27 شباط المنصرم.

تحذيرات أردوغان المتكررة للعواصم الأوروبية أنه سيفتح الحدود مرتبطة بتفاهمات آذار 2016 التي لم ينفذ الطرف الآخر الكثير من بنودها كما يقول، وهم لم يكونوا ينتظرون من أنقرة أن تنفذ تهديداتها. أنقرة أيضا لو لم تتعرض للضغوطات والخداع الروسي في إدلب لما كانت فعلت ذلك.

سؤال لماذا قررت أنقرة أن تفتح الحدود أمام اللاجئين والوافدين غير الشرعيين الراغبين بمغادرة أراضيها نحو أوروبا قد يأتي جوابه في أعقاب القمة الثلاثية بعد أيام.

أردوغان يريد من بروكسل الأوروبية أن تتقاسم المسؤولية في موضوع اللجوء والملف السوري بعد الآن. وأن تنفذ تعهد رفع التأشيرات عن الأتراك الراغبين بزيارة عواصم الاتحاد. وهو يريد من أوروبا أن تضع ثقلها السياسي والمادي لمعالجة ملف الأزمة السورية. لكنه هذه المرة وبعد مرور 4 سنوات على الاتفاقية وتعرضها لمتغيرات سياسية وميدانية محلية وإقليمية يريد أكثر من تحديث بنود الاتفاقية والوقوف إلى جانبه في موضوع اللجوء والمنطقة الآمنة في إدلب: التنسيق مع أنقرة في حل ملف الأزمة الليبية. إنهاء التصعيد الأوروبي وتحديدا الفرنسي ضد تركيا في موضوع الطاقة وترسيم الحدود في شرق المتوسط. الضغط الأوروبي على اليونان وقبرص اليونانية لوقف خطط محاصرة قبرص التركية ودفعها نحو قبول الالتحاق بالمشروع الأوروبي حول الجزيرة رغما عن تركيا. وتفعيل الحوار التركي الأوروبي في ملفات العضوية المجمدة منذ عامين والضغط الأوروبي على واشنطن لعدم التصعيد ضد تركيا أكثر من ذلك في مسائل انفتاحها على روسيا ومحاصرتها بورقة شرق الفرات مع إبلاغ الجميع أن أنقرة لن تفرط بكل ما بنته من علاقات مع الغرب في 7 عقود إرضاء لموسكو في سوريا.

تسريع الحوار التركي الأوروبي في الأسابيع الأخيرة يعكس حقيقة أن الخطوة التركية على الحدود مع اليونان كان لها تأثيرها رغم إعلان العديد من القيادات هناك أنها لن ترضخ لمحاولات الابتزاز والخلط بين الملفات. الزيارات المكوكية لكبار مسؤولي الاتحاد مثل جوزف بوريل ورئيس الوزراء البلغاري ورئيسة المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية وقمة كرواتيا الأوروبية قبيل ساعات من وصول أردوغان إلى العاصمة البلجيكية دليل على ذلك.

لا يمكن للقيادات التركية أن تذكر أوروبا أن حدودها تبدأ من مناطق الحدود التركية السورية ثم تقول إن تركيا لن تنفذ بند درع الوقاية للاتحاد في موضوع اللجوء. لا بل إن الكثير من المؤشرات تقول إن الحوار التركي الأوروبي سيتجاوز موضوع اللجوء ودفع بروكسل لمستحقاتها أو زيادة حجم الدعم المالي لأنقرة.

قمة إسطنبول فرصة لمعرفة الكثير حول مسار الملف السوري وسبل الحلحلة، وستساعدنا على معرفة رغبة تركيا في المضي وراء تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب والتراجع عن قرار فتح الحدود مع اليونان ونتيجة المحادثات التركية الروسية في العاصمة التركية وربما فرص تخفيف التوتر التركي الأميركي أيضا. لكنها لا يمكن أن تكون قمة إرضاء الأطراف المجتمعة قبل إرضاء عشرات الآلاف من اللاجئين الذين ينتظرون الفرج ما بين الحدود التركية واليونانية. والملايين من السوريين الذين يريدون حلا لقضيتهم.

الملفات كلها متشابكة ومتداخلة، سقوط الحجر الأول في هيكل الدومينو يعني انهيار تدريجي مكلف للجميع.