عشر سنوات على الربيع العربي

2020.12.30 | 23:40 دمشق

thumbs_b_c_6e9d728f23b856b297c14f21e0dd332e_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

مرور عشر سنوات على ثورات الربيع العربي تستحق منا وقفة تأمل، فتونس ربما تكون الاستثناء الوحيد التي نجح فيها التحول الديمقراطي، بينما تمر دول مثل سوريا واليمن وليبيا بمسار صراع مسلح لا تعرف نهايته قريبا، بينما ما زالت الجزائر والسودان تتراوحان في المكان بعد انتخابات رئاسية في الجزائر ومفاوضات للانتقال السياسي في السودان تبدو ناجحة إلى الآن، المحصلة في المجمل لا تدعو للتفاؤل.

بينما لم تقد المظاهرات في لبنان والعراق إلى نتيجة تذكر أو تفلح في تغيير بنية النظام الطائفي المركب هناك، لقد حافظت كل المظاهرات المطالبة بالتغيير في كل هذه الدول على سمة واحدة وهي غياب القيادة، ليس هناك تنسيق بين أطرافها وليس هناك برنامج عمل تعمل عليه، ولا يحق لأحد التكلم باسمها هي صفات مشتركة جمعت كل المظاهرات في دول الربيع العربي في نسخته الأولى أو الثانية، وكان هذا بالتأكيد مصدر قوة لها في الحشد والتعبير عن القوة من خلال الحشود التي لا يستطيع أحد إنكارها أو تخطيها، لكنها وبعد فترة وجيزة لم يستطع الشباب أن يولد من هذه المظاهرات قوة سياسية بديلة أو تقود إلى عمل سياسي منظم له مطالب إصلاحية تفرض على النخب الحاكمة التعامل معها، ولذلك وجدنا أن هذه المظاهرات وصلت إلى أشبه بطريق مسدود وفي وقت مبكر.

ما يمكن استخلاصه إذا، أن غياب القيادة يبدو ملمحا رئيسيا في ثورات الربيع العربي في نسختها الأولى والثانية، وهو بكل أسف حصاد سنوات الديكتاتورية العجاف التي حكمت منطقتنا العربية على مدى عقود طويلة، استطاعت الديكتاتورية إفساد الكرامة الشخصية والنزاهة لكل مواطنيها، لذلك لا يستطيع أي شخص أن يدعي النزاهة كي يستطيع التكلم باسم الجموع فالكل فاسدون والكل غير نزيهيين، وهو ما يطلق عليه انهيار القيم التي تؤسس للسلطة المعنوية والقيمية الرمزية في كل مجتمع، فهناك قناة عامة للشباب أن العمل العام هو طريقة غير مشروعة للإثراء وإلا لن يتقدم أي شخص للعمل العام بهدف المنفعة العامة، مثل هذه القناعة ترسخت على مدى عقود بسبب السياسي والاجتماعي والأخلاقي التي مرت به منطقتنا العربية واليوم نحصد النتيجة انهيار الرأسمال القيمي الرمزي الضروري لبناء الثقة التي هي المدخل الرئيسي للقيادة.

غياب القيادة يبدو ملمحا رئيسيا في ثورات الربيع العربي في نسختها الأولى والثانية، وهو بكل أسف حصاد سنوات الديكتاتورية العجاف التي حكمت منطقتنا العربية

بعد عشر سنوات من بداية شرارة الربيع العربي فشلت معظم دول الربيع كمصر وسوريا وليبيا واليمن في إنجاز عملية التحول السياسي باتجاه بناء نظام ديمقراطي وليبرالي يحقق طلعات الشباب الذي كان في طليعة المظاهرات المليونية الحاشدة التي ملأت شوارع العواصم العربية لقد فشلت دول الربيع في التحول من أنظمة عسكرية أو تسلطية الى أنظمة ديمقراطية وبدلا من ذلك تكاد الدول جميعها تسقط إن لم تكن قد سقطت بالفعل في براثن حرب أهلية من الصعب التكهن بنهايتها أو مخرجاتها التي ستؤول إليها، لقد اصطدمت الثورات العربية بشكل قوي بهياكل مستبدة تعود إلى الأنظمة السابقة مع عدم رغبتها في التحول نحو دمقرطة المؤسسات وإدارة عملية التحول بذاتها كما جرى في مناطق أخرى من العالم كأوروبا الشرقية، بالعكس لعبت هذه الهياكل دورا تدميريا ليس في عرقلة عملية التحول فحسب وإنما في تدميرها، ولذلك انتقلت كل هذه البلدان إلى مرحلة من الفوضى العسكرية وليس السياسية فحسب وهذا ما يفتح الباب واسعا لدخول هذه البلدان إلى الحرب الأهلية لتفتيت بناها الاجتماعية الضعيفة أصلا والمكونة من انتماءات قبلية وطائفية ما قبل دولتية.

في الحقيقة هناك عدة أسباب تفسر هذا الفشل، وتدل عليه، وهذه الأسباب لا تنبع أبدا من خصوصية المنطقة العربية وعدم تشابهها مع مناطق أخرى من العالم وإنما تنبع تماماً من مقومات الدولة العربية الحديثة التي حكمت في تلك البلدان.

إن شكل الأنظمة التسلطية التي حكمت في كل من سوريا وليبيا تعد النموذج الأكثر انغلاقا وشمولية في المنطقة العربية وربما العالم باستثناء كوريا الشمالية، أما اليمن ومصر فشكل النظام التسلطي في عهدي صالح ومبارك كان تسلطيا وتنافسيا بكل تأكيد مقارنة مع سوريا وليبيا، لكنه في الوقت نفسه أخذ سماتٍ عائلية وكان خيار التوريث واردا لولا اندلاع الثورة، كما أنه امتد لعقود طويلة ولذا كان متجها باتجاه تحلل مؤسسات الدولة وأخذها طابعا زبائنيا وعائليا وهو بذلك يفتح الباب باتجاه إضعاف المؤسسات وتقوية الشبكات ذات المصالح الخاصة داخل الدولة وخارجها التي تجعل من وظيفتها استمرار النظام الحاكم بأي شكل من الأشكال ولو على حساب المصالح الوطنية العليا التي غالبا ما تختفي أو بالأصح تصبح محل وجهات نظر متباينة حولها، وتسود وجهة نظر العائلة الحاكمة في تحديدها لمعنى المصالح القومية العليا.

العامل الأخير الذي لعب دورا في فشل عملية التحول في دول الربيع العربي هو الافتقاد الى مؤسسات إقليمية تقود أو على الأقل ترعى عملية التحول كما جرى مع الاتحاد الأوروبي في أوروبا الشرقية، فجامعة الدول العربية مؤسسة تقليدية لا تحكمها مؤسسات ديمقراطية أو قانونية وهي أصلا ليس معنية بدفع هذه الأمور فضلا عن فرضها كوقائع سياسية على الأرض وبالتالي تركت كل بلد من بلدان الربيع العربي يأخذ مسارا خاصا وربما كانت تونس استثناء له مقوماته الخاصة، بينما تبقى دول الربيع العربي الأخرى كسوريا وليبيا واليمن ومصر كي تمر عملية التحول عبر التجريب بالنسبة لنخبها السياسية المعارضة وتكون أكثر صعوبة في تردد المجتمع الدولي في دعم عملية التحول السياسي حتى سمح لعملية التحول هذه أن تنزلق إلى صراع مسلح وربما حرب أهلية، وللأسف تبدو الحقيقة المرة اليوم أن الحرب الأهلية هي الخلف الطبيعي لطبيعة الأنظمة التسلطية التي حكمت بلداننا العربية لعقود طويلة من الزمن.