icon
التغطية الحية

عزمي بشارة.. الشعبوية وأزمة الديمقراطيات الليبرالية المعاصرة

2020.11.20 | 04:40 دمشق

20191225_1577227801-335658.jpg
بيروت - وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

يقدم المفكر العربي عزمي بشارة في كتابه "في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟" الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نهاية العام 2019، تفسيرًا خاصًا لصعود الشعبوية كظاهرة، بالأخص أن المصطلح أساسًا جرى تداوله على نطاق واسع خلال السنوات الماضية مع الفترة الذهبية لصعود اليمين الشعبوي سياسيًا في القارة الأوروبية والولايات المتحدة، من حيث عرضه لمقارنة ظاهرة الشعبوية داخل المنظومة السياسية للدول الديمقراطية والشمولية.

ما بين الشعبوية كخطاب والأزمة الدائمة للديمقراطية

قبل الخوض في أسباب الأزمة التي تواجهها الأنظمة الديمقراطية اللليبرالية في عالمنا الراهن،  بمناقشتها في الفصل الأول "الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية"، يصف بشارة ظاهرة الشعبوية بأنها "نمط من الخطاب السياسي يتداخل فيه المستويان الخطابي والسلوكي بشكل وثيق"، حيثُ لا يختلف خطاب الشعبوية عن خطاب الأحزاب المركزية الديماغوجية التي تجاري مزاج الناخبين الغاضبين، وهو الأمر الذي نلامسه في صعوبة التمييز بين خطاب بعض الأحزاب اليمينية الحاكمة والحركات الشعبوية المعارضة لها في قضية الإرهاب على سبيل المثال لا الحصر، لذلك يرى بشارة بأن الشعبويين يعتمدون في تعبئتهم للجمهور على "توجيه الغضب ضد المؤسسات الديمقراطية وليس ضد السياسات فحسب".

من هذه المقاربة المفاهيمية المختصرة التي يقدمها بشارة في مطلع الفصل الأول من الكتاب، ينتقل للحديث عن الأزمة التي تواجه الديمقراطيات الليبرالية المعاصرة مع صعود الشعبوية اليمينية بالنظر إليها على أنها "أزمة دائمة للديمقراطية في ظروف جديدة"، والتي يرجع أسبابها إلى ثلاثة توترات، باعتباره التوتر الأول متداخلًا بين البعد الديمقراطي المتعلق بالمشاركة الشعبية القائمة على افتراض المساواة الأخلاقية بين البشر، وبين البعد الليبرالي الذي يقوم على مبدأ الحرية المتمثلة بالحقوق والحريات المدنية.

اقرأ أيضا: عزمي بشارة: النظام لا يقبل الحلول وقد أخذ الشعب السوري رهينة

وينظر إلى التوتر الثاني على أنه يدخل في البعد الديمقراطي ذاته بين فكرة حكم الشعب لذاته من جهة، وضرورة تمثيله في المجتمعات الكبيرة والمركبة عبر قوى ونخب سياسية "تتولى المهمات المعقدة لإدارة الدولة عبر جهازها البيروقراطي" من جهة ثانية، بينما يقوم التوتر الثالث على مبدأ التمثيل بالانتخابات الذي يقود إلى اتخاذ قرارات بأغلبية ممثلي الشعب المنتخبين، أو بأصوات ممثلي الأغلبية من طرف، ووجود قوى ومؤسسات غير منتخبة ذات تأثير في صنع القرار، أو تعديله، وحتى عرقلته مثل الجهاز القضائي والأجهزة البيروقراطية المختلفة للدولة من طرف آخر.

منطلقًا من التوترات الثلاثة المذكورة آنفًا يؤكد بشارة على اختلافه مع الباحثين الليبراليين الذين ناقشوا ظاهرة الشعبوية، سواء عبر إدوارد شيلز الذي رأى في الشعبوية تهديدًا لسيادة القانون، أو ما كتبه سيمور مارتن ليبسيت في خمسينيات القرن الماضي بوصفها حركات جماهيرية معادية للديمقراطية بالمعنى الواسع، إذ يختلف بشارة معهم من مشكلة أنه لا يمكن مكافحة الشعبوية "بالتحذير من مخاطرها، ولا بسيادة القانون فحسب، بل أيضًا في معالجة مصادرها الاجتماعية والثقافية".

يذهب بشارة للتدليل على كلامه في هذا المنحى للمقاربة بين منطلق الليبرالية الكلاسيكية والشعبوية المعاصرة لحق الاقتراع الشامل في الديمقراطية الليبرالية، فإذا كان مسعى الليبرالية الكلاسيكية حصر الاقتراع على دافعي الضرائب، أو إيجاد بنود انتخابية تسمح لاحتفاظ الأكثرية بالسلطة، فإن النقد الشعبوي يصف الشعب بأنه "طيب" والنخب السياسية هي "الفاسدة"، كما الحال في ذلك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي استخدم خطابًا تحريضيًا لمواجهة المثقفين والسياسيين ووسائل الإعلام.

إذ إنه وفقًا لبشارة فإن صعود الشعبوية المعاصرة كان مسببه عدة عوامل، يمكن القول إن تفاقم عدم الثقة بالأحزاب في ديمقراطيات الدول المتطورة والنامية يأتي في مقدمتها، فضلًا عن مساهمة الإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي في تقديمها، وظهور رجال أعمال فاسدين من خارج المنظومة السياسية، ينظر إليهم بالإيجاب بسبب جمعهم لثرواتهم من خارج عالم السياسة، حيثُ إن شعبوية السياسي هنا لا تكون من انتمائه للشعب، إنما من تكلمه "لغة الشارع" التي يتصورها، ويتم "تكريسها في الإعلام والسياسة".

ويرى بشارة في قراءته لزيادة المشاركة الشعبية المؤيدة للشعبويين اليمينيين في بعض الحالات، أنها استطاعت استثمار مجموعة من العوامل التي ساهمت بتنمية الشعور السلبي على المستوى الشعبي، عبر شعور الجمهور بالاغتراب عن النخب السياسية وشعورهم بعدم المشاركة في الحكم، والخوف على مستوى المعيشة القائمة على مجموعة من التهديدات الاقتصادية، وبروز عامل جديد متمثل بالخوف على نمط الحياة ومستوى المعيشة من الهجرة التي تُعرض بأنها مصدر للمتاعب الاقتصادية، وهناك عامل أخير يتمثل بضيق "المواطن المعرَّض للدعاية الشعبوية ذرعًا بالصواب السياسي".

وهو ما يقودنا إلى توافق بشارة مع الباحث كاس موده الذي يختصر تعريف التيار الشعبوي الراديكالي اليميني عبر ثلاثة أمور، هي: المحلولية (الأفضلية للسكان الوطنيين المحليين)، والسلطوية أو الحكم الشمولي، وعدم الثقة بالنخب أو الحملة على الفساد، حيثُ يشير بشارة إلى أن ثالوث السياسات الشعبوية يجمع بين الكثير من الأحزاب الأوروبية، ولذلك يعود بنا للتأكيد على الفكرة التي طرحها في مقدمة الفصل بوصفه الشعبوية خطابًا ومزاجًا سياسيًا، بما معناه أنها "أفكار سائدة بالمركز لكن السياسيين الشعبويين يعبرون عنها ويحشدون أولئك الذين يؤمنون بها بحدة ومرارة".

دور منصات التواصل الاجتماعي في تصدير المزاج الشعبوي

يشير بشارة في مقدمة الفصل الثاني "الشعبوية: الخطاب والمزاج والأيديولوجيا" إلى تكرار التعبير الشعبي بالضيق من ثقل وبطء مؤسسات الدولة، وفقدان الثقة بالأحزاب، وهي تكون متعددة الأشكال في سياقات مختلفة، وهو ما يقودنا للحديث عن استهداف الشعبوية "مباشرة الأجسام الوسيطة مثل الأحزاب والمؤسسات الإعلامية ومؤسسات مراقبة السلطة وضبطها"، ليكون هدفها لاحقًا "الوصول إلى ديمقراطية شعبوية" تقوم "على العلاقة المباشرة بين القائد والمجتمع الذي يحدده القائد بوصفه شعبًا محقًا وطيبًا دائمًا".

في خضم هذا الصراع الذي تخوضه الشعبوية لمواجهة الديمقراطية الليبرالية المعاصرة، يبرز بشكل واضح دور منصات التواصل الاجتماعي المتحررة من الرقابة الحكومية، والتي يرى بشارة على الرغم من أنها وسعت مجال حرية التعبير والوصول إلى المعلومة، فإنها شجعت على "تحويل المزاج إلى رأي من دون معلومة"، وأتاحت أيضًا "المجال لنشر الأكاذيب والشائعات على نحو غير مسبوق"، والتي يكون من ضمنها التعبير المنفلت عن مشاعر الكراهية، وتشجيع النرجسية والاستعراضية.

إذ تمتاز منصات التواصل الاجتماعي بإنتاجها لبيئة مؤاتية لنزعة قائمة في الشعبوية هي التواصل مع القادة السياسيين الذين يمثلون النزاعات الشعبوية ويستثمرونها، وهو ما يدفع بشارة للتأكيد على أن الشعبوية ليست مزاجًا فحسب "بل هي قائمة في الإعلام والسياسة والمؤسسة الأكاديمية"، ويبرز خطرها على الديمقراطية بشكل عام عندما "يستثمرها سياسيون مغامرون وأيديولوجيون شموليون، ورجال أعمال فاسدون قرروا ولوج المجال السياسي مباشرة مع توافر إمكانية المخاطبة المباشرة للجمهور".

والسؤال الآن.. من يقوم بتعبئة الجماهير الغاضبة بدلًا عن اليسار؟

يجيب بشارة عن سؤال مرتبط بتوجيه الغضب وقيادة الغاضبين، بالقول إن اليمين الشعبوي هو من أصبح يقوم بتعبئة الجمهور في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، بعدما كان اليسار يقوم بهذه التعبئة سابقًا، فقد أصبح اليمين الشعبوي يطالب بـ"التجانس الإثني، الديمقراطية الإثنية، وحتى تفوق العرق الأبيض"، وذلك لأن "أزمة الثقة بالسياسيين المنتخبين هي أيضًا أزمة أخلاقية بغض النظر عن الأيديولوجيا".

في إطار توصيفه للأسباب التي أدت إلى تبني الشعبويين خطاب اليسار في الدفاع عن مطالب الجمهور، يشير صاحب "مقالة في الحرية" إلى نقطة في حديثه عن الشعبوية بأنها "هوياتية"، بما معناه أنها تتخذ "مظاهر إثنية أو طائفية أو جهوية" وفقًا للبلد، وهو ما لا يستطيع اليسار أن يجد موطئ قدم له ضمن هذه الهوياتية، وذلك مرجوعه لصعوبة "أن يصبح اليسار شعبويًا في هذا السياق من دون مخاطبة الهويات، ما قد يوقعه في فخ بلاغة اليمين الشعبوي وإعادة تمثلها وإنتاجها"، فضلًا عن أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما رافقه من نهاية للنظام الاشتراكي "لم يبق يسار سياسي ينافس اليمين أو القوميين أو غيرهم".

يمكننا هنا للمقاربة أكثر إضافة نقطة يشير إليها بشارة في العلاقة بين الديمقراطية المباشرة والشعبوية اليمينية الأوروبية، باعتماد الأخيرة على الدعوة للاستفتاء المباشر من الشعب في قضايا الخروج من الاتحاد الأوروبي والهجرة، والتي يُنظر إليها في إطار إمكانية مخاطبة مشاعر وغرائز الجمهور من دون حوار عقلاني حقيقي، والاعتماد على الجمهور عينه في صنع القرارات السياسية في قضايا تحتاج إلى خبرة ومعرفة، بحيث تنتهي بإملاء سياسات جاهزة ومعدة سلفًا، تنتظر الجمهور للتصويت عليها بـ"نعم أو لا"، كما حال بريطانيا مع عملية البريكست.

كما يرفض بشارة الفكرة التي طرحها كريستوبال روفيرا حول وصفه للشعبوية بأنها "أيديولوجيا محدودة"، وأنها "تطرح أسئلة شرعية صعبة إن لم تكن مستحيلة الحل بوسائل ديمقراطية"، وذلك من خلال إصراره مرةً أخرى على اعتبار الشعبوية "خطابًا يقوم على مزاج سياسي ثقافي غاضب"، ويزيد عليها في هذا الشأن بوصفها مزاجًا "غير ودود لليبرالية عمومًا"، وقد تستخدم "في خدمة أيديولوجيات محدودة غير كثيفة المضمون مثل القومية، والأيديولوجيات الموسعة/المكثفة مثل الشيوعية والفاشية وحتى الأصولية الليبرالية في حالات استثنائية".

ضمن هذا السياق يوضح بشارة وجهة نظره بأن الشعبوية تختلف فيما بينها عالميًا، فإذا كانت الشعبوية اليمينية تدفع نحو داخل أوروبا فإن الشعبوية اليسارية تقبل المواطنة أساسًا للانتماء، في حين ينصب تركيز الشعبوية اليسارية في أميركا اللاتينية على التقسيم الطبقي بين الأغنياء والفقراء، أما فيما يخص الحالة الآسيوية والأفريقية فإنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتفكيك الاستعمار ظهرت شعبويات مماثلة للحالة اللاتينية تحول معظمها إلى أنظمة سلطوية أو حتى شمولية باسم الشعب، والذي ينجم عنه نظام ديكتاتوري شعبوي يتمايز عن الآخرين بمخاطبة الشعب مباشرة.

اختلال الثقة بالمؤسسات الديمقراطية

يتطرق بشارة في بداية الفصل الثالث "مسألة عدم الثقة بالمؤسسات الديمقراطية" إلى مناقشة عدم الثقة بالمؤسسات الديمقراطية والاغتراب عنها، بإضافته شرحًا لبيئة وخطاب الحركات الشعبوية، ويمكن ملاحظة ذلك عند الرجوع لاتجاهات الرأي العام في الاتحاد الأوروبي، بتبيّنها وجود توافق على الثقة حول مؤسستي الجيش والشرطة بين ثلثي المستجيبين، وتعبير الغالبية عن ثقتهم بالمجالس التشريعية، في مقابل انقسام ثقتهم حول القضاء، وتدني الثقة بالأحزاب السياسية.

ويرى بشارة من هذا الجانب أن الديمقراطية تؤدي وظيفتها في الدول المتطورة، على الرغم من وجود حالة من عدم الرضا والغضب الشعبي، وتواجه الشعبوية "بأدوات مختلفة، فتنجح في تهميشها حينًا، وتحتويها حينًا آخر"، ولكن قد ينتج عنها في بعض الأحيان احتمال إيصال المد الشعبوي سياسيين إلى الحكم، غير أن الديمقراطيات الوليدة في الدول النامية غالبًا ما تنتشر ضمنها "حالة من الخيبات وعدم الارتياح من النظام الديمقراطي".

يلخص بشارة حالة النقمة التي تبرز عن الجمهور في الديمقراطيات الوليدة بارتفاع سقف التوقعات عند تعبئة الجمهور على مختلف القضايا، وعدم قدرتها على تقديم خدمات الرفاه الاجتماعي، وحالة عدم الاعتياد على التنافس الحزبي بين الأحزاب السياسية، وانتشار حالة من الشعور بأن السياسيين يخدمون فئات معينة مقابل إهمال فئات أخرى، وأخيرًا سوء إدارة البيروقراطيات التي اعتادت ضبطَ الاستبداد لها وانصياعها للأوامر عند عملها في ظل نظام ديمقراطي تعتبره البيروقراطية ضعيفًا لأن القمع أفسد أخلاقيات عملها.

ضمن هذا الإطار يخصص بشارة قسمًا لمناقشة النموذجين التونسي والمصري لا من ناحية نجاح الانتقال الديمقراطي في الأولى مقابل فشله في الثانية، إنما من مقارنته للمزاج العام بين جمهور كل بلد على حدة في القضايا السياسية والاجتماعية بالاستناد إلى إحصائيات المؤشر العربي الذي يستطلع المزاج العام في مجموعة من الدول العربية، ويصدر سنويًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات منذ عام 2011، ويمكننا تلخيصها بتأثر "موقف الجمهور من الديمقراطية بالموقف من الحكومات والأحزاب في الديمقراطيات الجديدة التي لم يرسخ فيها التمييز بين النظام والحكومة".

إذًا، هل كان فوكوياما على حق عندما طرح انتصار الديمقراطية الليبرالية؟

في إعادته لقراءة مقال "نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكوياما في الفصل الأخير "هل فقد النظام الديمقراطي جاذبيته؟"، والذي زعم – فوكوياما – حين نشرها بالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفييتي أن الأيديولوجيا الديمقراطية الليبرالية انتصرت فكريًا بوصفها نموذجًا للحكم وإدارة الدول والمجتمعات، يصنف بشارة الديمقراطية الليبرالية كواحدة من بين ثلاثة تيارات عالمية، إذا أضفنا إليها التيارات اليسارية التي تقف في الجانب المضاد لها بتشديدها على السيادة الشعبية في الحكم، وبروز تيارات ثالثة فكرية تتعامل مع الديمقراطية بوصفها "منظومة من الإجراءات"، وهو يشير في هذا الصدد إلى أن هذه المقاربة نظرية لأن "النظام الديمقراطي منجز تاريخي وليس تركيبًا نظريًا بين مدارس فكرية".

تقود هذه المقاربة بين التيارات السابقة إلى التوترات الثلاثة التي ذكرت في مقدمة هذا العرض الموجز لكتاب "في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟"، والتي يجب أخذها بعين الاعتبار مع إضافة التناقضات الاجتماعية والاقتصادية داخل الدول الديمقراطية إليها، فإن ذلك يضعنا أمام عدم "الإمكان تصور نهاية للتاريخ، ولا للسياسة"، لأن الديمقراطية الليبرالية التي حاجج فوكوياما بانتصارها، يرى بشارة أنها على عكس ذلك "تعيش صراعات لا تتوقف وتغيرات دائمة".

ويرى بشارة في هذا الجانب أن مشكلة فوكوياما تكمن في تأثره بمقاربة فريدريش هيغل التاريخية باعتبار انتصار الثورة الفرنسية عبر احتلالات نابليون نهاية للتاريخ الأوروبي، لأن هذه المقاربة من وجهة نظر بشارة "تغري باحثين بالانتقال من النموذج التفسيري للتاريخ العالمي المفيد نظريًا، إلى التعامل التاريخاني أو الغائي، وبالتالي الميتافيزيقي، مع المنظومات الاجتماعية المختلفة كتعبير عن أفكار، فيصبح انتصار فكرة هو ذاته نهاية التاريخ".

كذلك ينفي بشارة وجود نظام عالمي مقابل للديمقراطية الليبرالية، حتى في الحالة الصينية الراهنة، والتي يرى أنها تحاول إلى جانب روسيا تصدير الأوتوقراطية أو نظام حكم الشخص الواحد ضمن أيديولوجيا "السيادة الوطنية"، يتشابه معهم في هذا الخصوص نظام الحكم الإيراني الراهن في نموذج "ولاية الفقيه"، والتي يشير إلى أنها تتحجج باعتقادات سيادية وطنية تدور في إطار وصف الديمقراطية الليبرالية بأنها امتداد للنفوذ الغربي، وألأنغلو – أميركي عمومًا، وأن النظام الليبرالي نفسه يعيش في أزمة تدفع بالشعوب للانقلاب ضده، والتأكيد على أن الديمقراطية في العموم تعني الفوضى في العالم الثالث.

ولهذا يرى بشارة في نهاية كتابه أن امتحان الديمقراطية الليبرالية في المرحلة الراهنة يكمن في استفادتها من "ظاهرة الشعبوية في تقييم ضرر النيوليبرالية وفي النقد الذاتي"، كما أن النظام الديمقراطي الليبرالي ليس "أيديولوجيا غائية نهائية لتاريخ العالم"، لأنه قد تنشأ بدائل عالمية منه غير الشيوعية، إذ يذهب بشارة "للامتناع عن  الجزم بحتمية انتصار الديمقراطية إلى التصريح بأن انتصار الديمقراطية ليس حتميًا"، لكن ذلك لا يمنع الجمهور من التطلع إلى النظام الديمقراطي الليبرالي و"الأصح القول إن الأفضل هو ما يجدر أن نسعى إليه"، أي النظام الديمقراطي الليبرالي المبني على "الموازنة بين قيمتي الحرية والمساواة مكوّني العدالة التي يطمح إليها الإنسان المعاصر".