عدو الديكتاتورية الأول.. وأساس بناء الديمقراطية

2022.11.03 | 05:46 دمشق

عدو الديكتاتورية الأول.. وأساس بناء الديمقراطية
+A
حجم الخط
-A

اليوم الدولي لعدم الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين

تسعى الديكتاتوريات لترسيخ الصوت الواحد، فذلك من أهم مقومات بقائها، إذ إنها -لا سيما في هذا الوقت- تحيط نفسها بهالة إعلامية وصحفية ضخمة تسعى لمحاربة الحقيقة المربكة والآراء غير المرغوب فيها، وتدفع نحو ارتكاب عنف وانتهاكات وجرائم ضد الصحفيين والعاملين في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب.

فيقوى الطغاة وسلطاتهم، وتغيب إحدى أهم وسائل الديمقراطية والحرية فتدفع المجتمعات الثمن وتصبح قدرة الشعب على المساهمة في البناء والتقدم أمراً صعباً ويكاد يكون مستحيلاً، وإن لم يكن للصحفيين الحق والقدرة على ممارسة أعمالهم بأمان وسلام سيكون أمامنا مجتمع يسوده الخوف والتضليل والحقيقة الزائفة.

وفي هذا اليوم 2 نوفمبر، نذّكر العالم والمجتمع الدولي باليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، الذي أقر وجوب احترام الصحفيين في مناطق النزاع المسلح وحمايتهم تحت مظلة القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات والمعاهدات الموجبة بحماية المدنيين.

لماذا تدفع المجتمعات ثمن الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الصحفيين؟

مما لا شك فيه أن بقاء الاعتداءات ضد الصحفيين من دون عقاب يوجه رسالة سلبية للغاية تعني خلل النظام القضائي الذي من المفترض أن يحمي الجميع، كما أنه يشجع مرتكبي الجرائم على الاستمرار، فلا محكمة ستحاسبهم ولا سجن ينتظرهم ويصبح المجتمع غير قادر على المساهمة في اتخاذ القرارات ومحكوماً من طغمة تبثّ الحقيقة الكاذبة وتعزز بها أسس ديكتاتوريتها وحكمها الشمولي.

كما أن الصحافة تتطور باستمرار نحو ضمها مؤسسات وأفرادا عاديين ومنظمات تجمع المعلومات وتتلقاها عن طريق الإنترنت "والسوشال ميديا"، لتعزيز حرية الرأي والمساهمة بتشكيل السياسة العامة في المجتمع وتعزيز السلام والحكم الرشيد.

ما هو حال الصحافة في ظل الثورة السورية العظيمة؟

مما يعرفه الجميع، تلك القبضة الأمنية التي كان يُحكمها نظام الأسد على شعبه وعلى كل مؤسسة أو وكالة أو جريدة خارجة عن سياساته الشمولية وديكتاتوريته المجرمة، وإمعانه في كمّ أفواه وأقلام المهنيين والنقاد وكل فرد يعيش تحت ظلّ حكمه، إلى أن انطلقت الثورة السورية وكسرت لجام الصمت وحواجز الخوف ونادت بالحرية والديمقراطية ودولة القانون، وفتحت الأبواب أمام الصحفيين والصحفيات فسببت حالة من الذعر والهلع لدى الطغمة الحاكمة التي كانت الكلمة في وجهها أقوى من ألف رصاصة؛ فانتهجت خطة أمنية قذرة خاصة ضد الصحفيين وأصحاب الرأي من اعتداءات وتعذيب وقتل واختفاء قسري، وقد وثقت العديد من المنظمات الحقوقية الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد بحق الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي ومنها ما وثقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر في الثالث من أيار للعام 2022 والذي ذكرت فيه أن أكثر من 552 صحفياً قتلوا على يد نظام الأسد منذ آذار 2011 وأن 47 على الأقل منهم قتلوا تحت التعذيب في سجونه ومعتقلاته هذا بالإضافة إلى الآلاف من حالات الاعتقال التعسفي والاختطاف بحقهم وقد أكدت الشبكة أن ما لا يقل عن 368 منهم ما يزالون يقبعون في ظلام أقبيته حتى هذا اليوم.

كما أن المعارضة السورية أيضا لم تقم بدور جيد باحتضان الصحفيين والناشطين الإعلاميين وتهيئة بيئة عمل مناسبة تحميهم وتضمن سلامتهم تحديدا في المناطق المحررة، ويعود ذلك لضعف دور المؤسسات وعدم الاقتناع بأهمية دعم الصحفيين ومساعدتهم في تأطير أنفسهم، فوقع بحقهم انتهاكات دفعت كثيرا منهم للهجرة أو التوقف عن العمل الإعلامي، وإن جريمة القتل البشعة التي أودت بحياة الصحفي محمد عبد اللطيف المكنى "أبو غنوم" وزوجته وجنينها تفرض علينا البحث عن آليات تحمي الصحفيين في الداخل، فهذه الجريمة لم تكن الأولى ولابد من السعي لتكون الأخيرة.

وها هي الثورة السورية مستمرة بأبنائها وبناتها والذين يطالبون الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بمحاسبة كل مرتكبي الانتهاكات والجرائم ضد الصحفيين والمدنيين والبدء بالمساءلة وإجراء تحقيقات محايدة وفعالة وتقديم المجرمين إلى العدالة وإنصاف الضحايا وتعزيز وتشريع القوانين الداعمة لحرية الرأي والتعبير ومراقبتها عن كثب للوصول لمجتمع واعٍ يبني دولته دولة القضاء والعدالة والقانون.

ونذكر أنفسنا والمجتمع الدولي في هذا اليوم بأن التهديد الذي يحيط بالصحفيين ويستهدف سلامتهم بغية تغييب الحقائق موجود في كل الأماكن، وأدعو كل المنظمات الحقوقية والمعنية بحماية الصحفيين لرفع الصوت في إدانة جميع الاعتداءات وأعمال العنف الموجهة ضد الصحفيين والمطالبة بالمحاسبة والمساءلة والمثول أمام قضاء عادل والسعي لتهيئة بيئة آمنة تسمح للصحفيين بممارسة مهنتهم، واتّباع نهج يراعي الفوارق بين الجنسين في تدابير السلامة، فذلك الذي ينصف المجتمع ويحمي مشروعه في بناء دولته الديمقراطية.