عدمية القرار الأممي /2254/ في الوصول للحل السياسي

2020.12.07 | 23:00 دمشق

1362235914001_5969569696001_5969178490001-vs.jpg
+A
حجم الخط
-A

رُبما كان التوافق الأميركي الروسي على إصدار القرار، جزءاً من سلسلة حلول لأزمات عديدة متقاطعة، كالصراع في أوكرانيا، والتفاهم الروسي الأميركي على مجمل القضايا في أنحاء مختلفة من العالم، فسعت صوب إصدار قرار من مجلس الأمن بصفة الإلزام من حيث الشكل، ويبعث برسائل اطمئنان للسوريين على أنه تثبيت لنقاط الاتفاق على الحل في سوريا. لكن وإن جاء القرار واضحاً في المواضيع المتفق عليها شكلاً، لكنه غامض ومرتبك وغير ملزم للروس ولا للنظام في المواضيع الخلافية.

فمعظم مخرجات القرار الأممي /2254/ شكلت عناصر وبنوداً كفيلةً لحل سياسي مستدام في سوريا، لكنها بمجملها لا تزال مواضيع خلافية بين الأطراف الفاعلة والمتحاورة، حيث دعت إلى "احترام سيادة سوريا، ووحدتها واستقلالها وسلامتها الإقليمية، وعملية سياسية يقودها السوريون ويملكون القرار بمصيرها، وبما تتضمن من دستور وانتخابات، وضمان مشاركة المرأة، ووقف إطلاق النار، ومكافحة الجماعات الإرهابية المحظورة امتثالا للقانون الدولي، وحماية المدنيين، وإطلاق سراح المعتقلين، وتوفير المعلومات عن المفقودين، وتوفير شروط العودة الآمنة والطواعية للاجئين، وإعادة الأعمار بعد الصراع". وفي الوقت الذي يُعتبر صدور القرار حدثاً بارزاً في مسار الأزمة السورية، وبل يُمكن القول إنها الانعطافة التي ظن المتفائلون أنها ساعة الاقتراب من الخلاص. وإن كان من حيث صورته وما احتواه من بنود لو طبقت كان للواقع السوري مسرح آخر منذ /5/سنوات. لكن من حيث المضمون وبعد كل تلك الفترة، ما استفاد السوريون شيئاً من القرار، ولم يتحرك خطوة واحدة نحو تحقيق الاستقرار المأمول. ويبدو لا يزال الوقت باكراً للحديث عن الحسم الجوهري عن طريق /2254/؛ فبعد مرور خمس سنوات على القرار، لا تزال معاناة السوريين مستمرة داخل سوريا وخارجها، ولا تنفيذ لأيٍّ من تلك القرارات، ولا مساعيَ جدية في تنفيذ الأجندات المتفقة، لدرجة أن لا نقاش حقيقياً حول أيَّ مادة إلى تاريخه، ولا التزام بوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، ولا آلية واضحة لمحاسبة المخلّ.

ولا يزال الهدوء الذي تحدث عنه المبعوث الخاص هشاً نسبياً وتتسع المخاوف لزيادة رقعة المواجهات دوماً؛ في ظل غياب أيّ ضمانات لتنفيذ الاتفاقيات. فتجدد الضربات الجوية في شمال غرب سوريا، وزيادة المواجهات العسكرية في شمال شرق سوريا حول محيط مناطق "نبع السلام" إضافة إلى مستويات جديدة من الاضطرابات في جنوب غرب سوريا، وغارات جوية إسرائيلية، عدا عن نشاط تنظيم "الدولة" في الصحراء، كل ذلك كفيل بدفع السوريين وحتى المفاعيل الرئيسية التي أصدرت بنود ذلك القرار الأممي، للتوقف جدياً على حجم المخاطر والتحديات التي لا تزال تواجه مستقبل العملية السياسية في سوريا. وعوضاً عن التفات الدول العظمى لأكبر مأساةً خلال قرابة نصف قرن، فإن التفاصيل لا تزال مترنحة ومتضاربة التوجهات بين القوى المتصارعة دولياً، وتشكل بمضمونها إحدى القضايا الجوهرية العالقة بين روسيا وأميركا. خاصة وأن وفد نظام الأسد ومن خلفه روسيا يسعيان لكسب الوقت للوصول إلى أبريل/نيسان القادم، لإجراء الانتخابات الرئاسية، وما فشل تنفيذ القرار الأممي، وخاصة عدّم التوصل إلى مخرج لبند الدستور الجديد، سوى شرعنة لإجراء الانتخابات، وهو ما تسعى إليه روسيا، ويبدو من خفايا والـ "لا" حلول التي تقدمها أميركا وبعض الدول العربية والأوروبية، ظهور بوادر لإجراء تلك الانتخابات.

هذا عدا أن أبرز الملفات التي تشكل عصب المستقبل السوري، والمتسبب بحساسية مجتمعية وأخلاقية عالية، وأيضاً بما تضر "بالعملية السياسية السورية" راهناً وآجلاً، والتي يُمكن القول إنها تشكل أرضية الحل السياسي في سوريا، هما أولاً: محنة ومأساة المعتقلين والمفقودين السوريين التي لم تشهد أيَّ تقدم أو حلحلة في ملفهم. وثانياً: قضية اللاجئين والنازحين وكيفية ضمان دمجهم ومشاركتهم في العملية السياسية عبر المشاركة في أيّ انتخابات قادمة، مع فقدان غالبيتهم لثبوتياتهم الشخصية، وعدّم توفير أيّ شرط للعودة الآمنة وعلى رأسها الأمن الشخصي، ولا عودة للمهجرين قبل الانتهاء من ملف إعادة الأعمار.

الفقر والحاجة زادت من بؤس السوريين الذين فقدوا أي أمل بالدول المتصدية لحل الأزمة

ويضاف إلى محنة السوريين في المهجر والشتات والداخل، أن الفقر والحاجة زادت من بؤس السوريين الذين فقدوا أي أمل بالدول المتصدية لحل الأزمة. فمجلس الأمن الذي تحول إلى سكينٍ على رقاب السوريين مراراً سواء عبر "الفيتوات" التي أوصلت الوضع السوري إلى راهينيته، فشل، سابقاً، في التوصل لقرار بشأن الممرات الدولية الخاصة بإرسال المساعدات الدولية إلى سوريا، حيث بات الشعب السوري هو الخاسر الوحيد من الفشل في إيصال المساعدات التي بالكاد كانت تكفي. ما عنى توقف المساعدات من 10 يناير 2020، في الوقت الذي يعاني السوريون، نساءً ورجالاً وأطفالاً، من ضائقة اقتصادية شديدة، مع تدني قيمة الليرة السورية، وارتفاع حاد في أسعار المواد الرئيسية للمعيشة وسحق القوة الشرائية، هذا عدا النقص الحاد في مواد الخبز والمحروقات في عموم سوريا، بشكل لم يألفه السوريون، مع دخولهم فصل الشتاء، ما أثر مباشرة على الزراعة والصناعة والتدفئة المنزلية، في عموم سوريا وشمال غربه بشكل خاص.

كما أن الفريقين المتفاوضين بعد أربع جولات وعدة جلسات، لم يتقدما خطوة واضحة على سلم تنفيذ بنود الاتفاق، ولم يستطع الاتفاق الأممي تأمين عودة لاجئ واحد أو إطلاق سراح معتقل أو تبيان مصير مختفٍ واحد. ولا تزال لوحة التشبيك والتصعيد مستمرة وإن بفترات متقطعة، وحيث يتعلق السوريون بذلك القرار وعمل اللجنة الدستورية؛ لغياب البديل السياسي أو ما ينقلهم صوب برّ الأمان، فإنهم يدركون جيداً أن الآمال تضيق أكثر، وأن الحلول الدولية لن تكون إلا على قاعدة مصالحهم التي لن يلتفتوا لسنوات البؤس والتشريد التي لاقاها السوريون. وفي الصلب يعني ذلك عدّم بلورة أيّ أفقٍ للحل السياسي في سوريا. وبالمحصلة فإن مقولة إن السوريين هم من سيقررون مصير بلادهم ليست سوى ذر الرماد في العيون.