icon
التغطية الحية

عدد سكان سوريا.. لماذا تغيب الإحصائيات وما هي التقديرات؟

2023.04.21 | 05:59 دمشق

سوق الحميدية في دمشق (رويترز)
سوق الحميدية في دمشق (رويترز)
إسطنبول ـ بتول حديد
+A
حجم الخط
-A

لو لم تندلع الحرب في سوريا، لكان هناك أكثر من 28 مليون سوري يعيشون اليوم في بيوتهم تبعاً لتقديرات البنك الدولي، رقم حُسب بناء على نسبة زيادة سنوية (2.49) وهي متوسط نسب النمو السنوية خلال السنوات العشر السابقة للثورة؛ ولكن بعد البحث لم يُعثر على أي  تعداد واضح للسوريين على جغرافية سوريا، أو على الأقل رقم يخبر عن تعداد السكاني في مناطق الأسد الأكثر استقراراً والتي لم تغب عنها أجهزة الدولة، فضلاً عن المناطق التي تشهد تعدداً للقوى المسيطرة وفشلاً في الحوكمة كمناطق سيطرة "قسد" والشمال السوري "المُحرر".

جرت العادة، أن يمتنع نظام الأسد عن الإعلان عن أي معلومات مالية أو إحصائية لمناطق سيطرتها إلا عندما تتصاعد وتيرة التململ والامتعاض الشعبي من الخدمات المقدمة في منطقة ما، فيتم التصريح ببعض الأرقام لإظهار قصور الحكومة وعوزها.

على سبيل المثال، خرج رئيس وحدة مياه مدينة جرمانا بريف دمشق، العام الماضي، بتصريح يبرر سوء الخدمة وتقنين المياه الجائر بحجة "التعداد السكاني للمدينة يتجاوز المليون و800 ألف، وبالمقارنة مع آخر تعداد سكني حكومي للمدينة (في سنة 2004) يُلاحظ زيادة بنسبة تزيد على 1500 %، وهو يقارب تعداد سكان محافظة دمشق في سنة 2014 تبعاً لبيانات المكتب المركزي للإحصاء التابع للنظام والذي كان مليوناً و849 ألف نسمة.

تضخم كبير في منطقة واحدة من العاصمة دمشق، يدفع للتفكير بتعداد السكان الفعلي على الأرض بمناطق سيطرة الأسد، وصحة الأرقام المعلنة حكومياً وطرح سؤال صغير هو: لماذا لا يُعلن الأسد عن أرقام السوريين في مناطقه؟

ساعة النظام السكانية الغائبة عن المشهد

في آب/أغسطس من 2022 سببت صورة لورقة أعداد السوريين تعود لوزارة الإدارة المحلية قبيل انتخاباتها جدلاً كبيراً، إذ تقول الورقة إن تعداد السوريين تجاوز 29 مليون نسمة، ما أثار انتقادات واسعة للوزارة وللمكتب المركزي للإحصاء الذي ما يزال يقدم أعداداً غير منطقية.

كان آخرها، في نيسان/أبريل الجاري، حيث حدد مكتب الإحصاء الرسمي تعداد سكان سوريا بـ 28 مليون و86 ألف نسمة يعيشون في سوريا، مدعياً أن أرقامه تحدّث وفقاً لسجلات الأحوال المدنية والنفوس لديه، مع تجاهل التغيرات الديموغرافية الحاصلة بسبب التهجير وتوزع السكاني في المُحافظات.

خلال السنوات الـ 12 الأخيرة أصدر مكتب الإحصاء السوري التابع مباشرة لمجلس الوزراء عدة تقديرات وإحصاءات سكانية بين عامي 2011 و 2018 تنسجم مع معدل الزيادة المفترض دولياً من دون الأخذ بعين الاعتبار وجود مليون و65 ألف قتيل ومفقود أو مغيب في السجون على الأقل، وتبعاً له فالتعداد السكاني خلال أول ثماني سنوات للثورة كان كالآتي:

 

Chart, bar chart

Description automatically generated

إذا لم يكن 28 مليوناً.. فكم شخصاً يعيش في مناطق النظام؟

تعتبر المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني واحدة من أكبر جامعي المعلومات في سوريا لارتباط البيانات السكانية التي تحصل عليها بحجم الدعم المالي المقدم، وبناء عليه يُخبر صندوق الأمم المتحدة للسكان"UNDF" أن تعداد السكان في سوريا نهاية سنة 2022 كان 19.4 مليون نسمة كما يقدر معدل النمو السكاني للسنوات بين 2020 و 2025 بنسبة 5.5 سنوياً، وبناءً عليه لكي نصل إلى رقم تقريبي عن عدد السكان في مناطق النظام سنقارن تعداد الأمم المتحدة مع الأرقام الأقرب للمنطقية التي أوردت في دراسة التحول السكاني في سوريا الصادرة في بداية 2021  لمركز جسور، وباستبعاد المفقودين والمعتقلين واللاجئين يصبح لدينا:

 

السنة

العدد المفترض ضمن الأراضي السورية

(مليون نسمة)

مناطق النظام

(مليون نسمة)

خارج سيطرة النظام

(مليون نسمة)

2020- 2021

16.47

9.4

7.07

2022 - 2023

19.4

11 (بناء على العدد المفترض ونسبة زيادته)

8.33

 

أي ما يقارب الـ 11 مليون نسمة تعيش في مناطق نظام الأسد، بتوزع سكاني مختلف تماماً عن ذاك الذي كان قبيل 2011 ولنفهم حجم التغير الحاصل في المحافظات السورية سنعود إلى دراسة نشرت في نهاية 2016، لحسين إبراهيم قطريب حول سوريا المفيدة والتغير الديمغرافي في سوريا نتيجة التهجير، والقتل، واللجوء والتشيع والنزوح الداخلي في 6 مُحافظات مثلت في مرحلة ما سوريا المفيدة بمقارنة بين عامي 2011 و 2016  من حيث التوزع السكاني كالآتي:

Chart, bar chart

Description automatically generated

بشكل تقريبي في 2016 كان 30% من المقيمين في مناطق النظام يعيشون في دمشق والمؤكد أن التعداد اليوم مختلف، ففي وقت متزامن مع تلك الفترة بدأت موجة نزوح داخلي جديدة من مناطق وجود داعش باتجاه العاصمة، حيث تمركزوا في محيط دمشق من جرمانا وقدسيا والهامة، وهو ما رفع في مرحلة ما تعداد سكان مدينة جرمانا - كمثال على الزيادة - ليتجاوز المليونين ليتراجع بعد 2020 مع العودة إلى مناطق الحسكة والدير.

في المقابل بعد 2016 بدأت عمليات التهجير القسري الممنهج لسكان المناطق المعارضة في درعا وريف دمشق خاصة الغوطة الشرقية المتمثلة بحرستا والمليحة والقابون ودوما نحو الشمال لتزيد الكثافة السكانية في الشريط الشمالي من سوريا على حساب مناطق النظام، ولا ننسى محاولات توطين مقاتلي الميلشيات الطائفية الأجنبية الذين لا توجد أعداد واضحة لهم ولا لمن يعيش منهم في سوريا أو حصل على جنسيتها.

 يضاف إلى كل ذلك انطلاق الهجرة الاقتصادية – بشكل واضح بعد 2019 – بعد تراجع الأعمال القتالية بسبب تدمير البنية الاقتصادية السورية وهيمنة الفقر على جميع السكان؛ ومن يهاجر من البلاد اقتصادياً لا يحتسب ضمن مقدمي اللجوء ولا يخرج من التعداد السكاني السوري المعلن عبر مركز الإحصاء، بل يعتبر جزءاً من سكان مناطق النظام التي لا يمكن اليوم تخمين تعدادها بناء على أي مؤشرات، وبالوقت نفسه توجد هناك جهة تعرف تعداد السكان وأماكن توزعهم بالشارع والبناء والإنفاق حتى، وهي شركة "تكامل".

"تكامل" صاحبة البطاقة الذكية

بحجة "منع الهدر في المؤسسات العامة" توجهت وزارة الداخلية والاتصالات ووزارة النفط والثروات المعدنية إلى إطلاق مشروع البطاقة الذكية والذي تم على عدة مراحل، فبدأ في سنة 2014 حيث توجهت لتوزيع المحروقات على الآليات الحكومية، ثم المرحلة الثانية سنة 2016 بالتوجه إلى الآليات الخاصة، والمرحلة الثالثة في 2017 عبر توزيع محروقات التدفئة للعائلات. لتتوسع قائمة المواد والسلع التي يتم توزيعها بأسعار أرخص عبر البطاقة الذكية لتشمل الغاز والخبز والسكر والأرز وكثيراً من المواد التموينية، تم تنفيذه من قبل شركة تكامل.

ما بدأ كمشروع لمنع الهدر يحتاج إلى الاشتراك عبر بطاقة قيادة المركبات تحول إلى قاعدة بيانات شاملة لمناطق نظام الأسد، فقد طلبت الشركة من مستفيدها بشكل مستمر تحديث بياناتهم لأجل  تحديد عدد الأشخاص المستفيدين حيث يُطلب تقديم صورة دفتر عائلة أو بيان عائلي، في حال كانت الزوجة أجنبية يجب تقديم إقامتها لتستفيد، أما في حال كانت الزوجة أرملة فيجب إثبات وفاة الزوج لتحصل على بطاقتها أما المطلقة فهي بحاجة إلى بطاقة خاصة بها فيطلب منها تقديم بيان عائلي؛ كما يطلب تحديد مكان الإقامة عبر تقديم فاتورة أو سند إقامة أو طابو، أي تعداد السكان وتوزعهم وحالتهم العائلية وآلية تنقلهم معروفة بسهولة؛ كما أن الشركة تفرض على كل عائلة مستفيدة تعيين مركز توزيع للسلع ليشتري منه المستفيد حاجته أي توجد معرفة بحجم استهلاك العائلة ومستوى إنفاقها ورفاهيتها.

عن طريق مقاطعة هذه البيانات مع بيانات الحوالات الواردة للمستفيدين من "تكامل" يكون لديها تقدير واضح ودقيق عن مستوى المعيشة لكل فرد وآلية إنفاقه؛ ومع مقاطعة بيانات حركتي الدخول والخروج من سوريا عبر المعابر الحدودية والمطارات يصبح لدى الدولة تعداد دقيق لتعداد السكان في مناطقها وكيفية توزعهم مع خطأ لا يتجاوز الأشخاص المتسربين مع المناطق الخارج عن سيطرة النظام.

هل جميع السوريين في مناطق النظام يعتمدون على البطاقة الذكية؟

يعتمد الغالبية العظمى من السوريين، إن لم يكن جميعهم، على البطاقة بسبب الفروقات الكبيرة في الأسعار بين السلع التي توفرها "تكامل" وبين الأسعار التي تعرض في السوق.

على سبيل المثال، ربطة الخبز المكونة من 7 أرغفة تباع عبر البطاقة الذكية بـ 200 ليرة سورية مقابل 1300 ليرة سورية في المتاجر وأكشاك البيع الحر، وكذلك الشاي والسكر والزيت والبرغل والحمص وحتى البصل بسعر أرخص بـ 1000 ليرة على الأقل عن سعر السوق للكيلو الواحد.

لماذا لا يصرح تطبيق “تكامل" عن أعداد المستفيدين منها؟

بعد 8 سنوات من بدئها في العمل لا يُعرف عن الشركة إلا أنها لمهند الدباغ ابن خالة أسماء الأسد، والذي يملك ما لا يقل عن 33% من أسهم الشركة، مهند الدباغ يُمثل جزءاً من الواجهة المالية الجديدة التي تقودها زوجة رأس النظام، ويُعتقد أن 67% من الشركة مسجلة باسم أحد إخوتها الذي يقوم بإدارة الشركة بالكامل، أي أنها ملك لواجهة النظام الاقتصادية وتتبع منهجية النظام في التحفظ عن كل بياناتها بما فيها أسماء مالكيها. مما لا شك فيه أن الشركة لا تقدم خدماتها من دون مقابل فمن جانب تحصل شركة تكامل على ربحها الخاص مقابل كل 1 كيلو/قطعة تباع عبر البطاقة الذكية (مبلغ كان يقدر سابقاً بـ 100 ليرة سورية).

من جانب آخر يستفيد نظام الأسد من الشركة لأنها تبيع المساعدات الدولية التي تقدم "مجاناً" للسوريين من الأمم المتحدة بسعر أرخص من سعر السوق، وذلك بعد إعادة تعليب المساعدات أو بيعها مباشرة بالكيلو؛ وهذا باب تدفق مالي يربح منه النظام من المساعدات التي ترتبط بأعداد السوريين في مناطق سيطرته وهذا سبب لعدم إصدار مركز الإحصاء أو  تكامل أي تعداد  للسوريين المستفيدين، كون حكومة دمشق تحاول تضخيم الأعداد لتضخيم المساعدات المستحقة بعد إعلان الأمم المتحدة أن أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر وبالتالي تضخيم ربح الأسد. ومن جانب آخر بيع المساعدات وبالتالي تحقيق دخل صاف من دون أي نفقات تشغيلية.