icon
التغطية الحية

عبر موتهم برداً وجوعاً.. كيف حولت بيلاروسيا اللاجئين لسلاح سياسي بوجه أوروبا؟

2021.11.22 | 05:15 دمشق

fegrwsvwyauux1v.jpg
إسطنبول - عمر الخطيب / عبد الله سكّر
+A
حجم الخط
-A

يبدو المشهد على الحدود البولندية البيلاروسية شديد التعقيد، حيث يعاني آلاف طالبي اللجوء من ظروف صعبة وهم عالقون حالياً بين سور الأسلاك الشائكة، الذي بنته بولندا لمنعهم من اجتياز حدودها، وبين القوات البيلاروسية التي أغلقت طريق العودة، وانقسمت التغطية الإعلامية وحتى السياسية بين المطالبة بتقديم حل سريع وإنساني ينقذ هؤلاء الآلاف من خطر الموت برداً وجوعاً وبين الحديث عن لعبة خبيثة يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن طريق بيلاروسيا لابتزاز الاتحاد الأوروبي وشق صف الإجماع الأوروبي حول العقوبات الاقتصادية المطبقة على موسكو وبما يؤمن له بنفس الوقت القدرة على إنكار اشتراكه في هذا الأمر، وسبق لروسيا أن قامت بنفس السيناريو بشكل مباشر في 2016 حين دفعت بطالبي اللجوء إلى الحدود الفنلندية، وهي شديدة البرودة ومكسوة بالثلوج الكثيفة معظم أوقات السنة، في عقاب روسي لفنلندا على مشاركتها الاتحاد الأوروبي في العقوبات المطبقة على موسكو ولم تتوقف أفواج اللاجئين إلا بعد تحسن العلاقات بين البلدين.

واحتلت مشاهد الآلاف من طالبي اللجوء على حدود بولندا مع بيلاروسيا اهتمام العالم، ولكن النقاش اختلف هذه المرة، فإلى جانب التعاطف ومناشدات المنظمات الإنسانية أظهرت قصص العديدين ممن جاؤوا إلى بيلاروسيا للعبور إلى أوروبا وحركة الطيران مع التسهيلات الكبيرة للحصول على التأشيرات أن هؤلاء كانوا ضحية خديعة كبيرة، وتم استغلال حاجتهم للجوء فدفعوا مبالغ كبيرة للوصول إلى بيلاروسيا ليتحولوا لاحقاً، بعكس الوعود، لرهائن عملية ابتزاز سياسي وورقة ضغط بيد موسكو ومينسك، وتم احتجازهم على الحدود بين خيارين فإما عبور الحدود وإما البقاء حيث هم فطريق العودة أغلقته القوات البيلاروسية وسحبت احتمال عودتهم لدولهم من التداول. 

المهاجرين.png
" صورة من القمر الصناعي ورلد فيو 3 تظهر احتشاد المهاجرين عند الحدود بين بولندا وبيلاروسيا"

 

 

أهلاً بكم في بيلاروسيا

كانت بيلاروسيا لسنوات محطة لطالبي اللجوء لا سيما من الروس بالإضافة لبعض القادمين من دول أفريقية وعربية ولكن الأعداد كانت طبيعية ولم تستوجب استنفار الدول الأوروبية (بولندا، ليتوانيا، لاتيفيا) المحاذية لبيلاروسيا حيث تُعتبر هذه الدول البوابة الشرقية للاتحاد الأوروبي، ولكن الأعداد بدأت بالارتفاع بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة لتتحول منذ بضعة شهور إلى سياسة معلنة من قبل بيلاروسيا، التي سهلت منح التأشيرات للدول الأكثر معاناة، كسوريا والعراق واليمن، مع تصريح رئيسها ألكسندر لوكاشينكو في 26 أيار الفائت بأن بلاده لم تعد معنية بمنع عبور المهاجرين عبر حدودها الغربية إلى الاتحاد الأوربي. وقال مخاطباً الاتحاد الأوربي "لقد اعتدنا منع أعداد كبيرة من المهاجرين هنا، عليكم نسيان ذلك الآن، حاولوا أن تمنعوهم بأنفسكم."

 

الحدود.png

 

 

 

أعداد المهاجرين إلى أوروبا عبر بيلاروسيا عام 2021
الدولة عدد المهاجرين
سوريا 265
العراق 3868
أفغانستان 590
روسيا 182
الكونغو 207

 

 

ويكفي حالياً أن تكتب بيلاروسيا في محرك بحث فيس بوك أو تويتر لتجد عشرات الصفحات والمجموعات التي تحمل عنواناً لا يكاد يتغير عن تأمين الفيزا وتذاكر الطيران إلى بيلاروسيا خلال أيام.

ويتساءل أحد الناشطين على تويتر عن السبب الذي يجبر هؤلاء المتجمعين أمام حدود بلاده على خوض هذه المخاطرة الرهيبة، والجواب يأتي، بالرغم من الضجة الإعلامية الكبيرة لمأساة الآلاف المنقطعين عن العالم قبالة الحدود وعشرات الصور والفيديوهات التي تصور معاناتهم مع أطفالهم بسبب الصقيع وبعدهم عن أي مركز مدني يؤمن احتياجاتهم، من خلال الأسئلة التي ما يزال يطرحها العديدون على وسائل التواصل الاجتماعي عن الدول التي ما زال بالإمكان السفر عن طريقها إلى بيلاروسيا، فالظروف شديدة الصعوبة التي يحيون بظلها في دولهم، سواء العراق أو سوريا أو الدول الأخرى التي يأتي منها طالبو اللجوء، أجبرتهم على اختيار هذا الحل وخوض هذه الرحلة رغم معرفتهم بضآلة نسبة نجاحهم.

لنجتمع ونتجه للحدود

في 6 تشرين الثاني الحالي ظهرت دعوة على مواقع التواصل تدعو إلى التجمع في مناطق محددة بمينسك والتوجه إلى الحدود البولندية، وهذا ما كان، حيث تجمع الآلاف من طالبي اللجوء واتجهوا سيراً على الأقدام إلى معبر كوزنيكا/ Kuznica على الحدود، وبدورها بولندا كانت مستعدة، فالحدود تم إغلاقها بسور من الأسلاك الشائكة وتم نشر نحو 15000 جندي لمنع زحف طالبي اللجوء مما أدى لتوقف المسيرة في المنطقة الحدودية بين البلدين.

 

تويتر.png

 

وبدورها قامت بيلاروسيا بإرسال المزيد من قوات الأمن التي شكلت سوراً خلف المتجمعين على الحدود ومنعتهم من العودة إلى بيلاروسيا، وتم احتجاز ما يصل إلى 5000 من طالبي اللجوء مع أطفالهم معزولين عن العالم في العراء بظروف جوية صعبة جدا.

 

وبدأت القوات البيلاروسية، السبت الفائت ببناء مخيم على الحدود البولندية، وظهر الجنود البيلاروسيون وهم ينصبون الخيام في مقطع فيديو تم بثه على وسائل التواصل الاجتماعي، وبحسب صحفي من بيلاروسيا فالأوامر جاءت من الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بإرسال مولدات كهرباء وخيم من الجيش لبناء مخيم للمهاجرين العالقين على الحدود في أحدث فصول أزمة طالبي اللجوء على الحدود البولندية مع بيلاروسيا، حيث توجه آلاف المهاجرين من مينسك إلى الحدود بغرض الوصول إلى أوروبا الغربية، ويأتي بناء المخيم كخطوة جديدة من لوكاشينكو لإظهار إصراره بعدم السماح للأشخاص العالقين بالعودة إلى مينسك.

ليست عصابات تهريب البشر هذه المرة

عادة ما يلجأ طالبو اللجوء إلى طرق التهريب للوصول إلى أوروبا، وتتكفل عصابات تهريب البشر بإيصال هؤلاء، ولكن في حالة بيلاروسيا كان هناك دعوة صريحة من حكومة لوكاشينكو لهم وتواطؤ واضح من النظام في سوريا، ومع النشاط المريب على وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت بيلاروسيا وكأنها ممر آمن للوصول إلى أوروبا، ويمكن من خلال مقارنة تغير أسعار التأشيرة ملاحظة اللهفة البيلاروسية لاستقبال أكبر عدد ممكن من طالبي اللجوء.

وكان ترحيب النظام بدعوة لوكاشينكو لافتاً حيث بدأت مكاتب وجهات غير معروفة بالإعلان عن تقديم خدماتها لتأمين التأشيرة والتذكرة مقابل مبالغ طائلة تصل إلى 10000 دولار للشخص الواحد، وتم وضع طرق للوصول إلى بيلاروسيا من عدة مدن بدءاً من دمشق إلى دبي وإسطنبول وبيروت وغيرها.

وازداد عدد الرحلات الجوية المباشرة بين المدن التي ينطلق منها طالبو اللجوء إلى مطار مينسك الدولي بشكل ملاحظ خلال الأشهر القليلة الماضية، وصدر عن صحيفة بيلد الألمانية تقرير حول المطارات الأهم التي ينطلقون منها وعدد الرحلات المتجهة إلى مينسك.

 

كان جوان (اسم مستعار) محظوظاً نسبياً حين وجد نفسه في مطار إسطنبول بعد نحو عشرة أيام أمضاها في مطار مينسك الذي رفض إدخاله لبيلاروسيا، لكن هذه الرحلة كلفته نحو 4500 دولار ما بين ثمن التأشيرة وتذكرة السفر، ويروي جوان لموقع تلفزيون سوريا بأنه حصل على التأشيرة بعد تواصله مع إحدى الصفحات على فيس بوك ودفع ثمنها البالغ 2500 دولار، ولكنه عند وصوله إلى مطار مينسك منعه أمن المطار من المغادرة لأن التأشيرة كما قالوا له كانت غير نظامية حيث إن الحجز الفندقي كان وهمياً "المكتب الذي قدم لنا الدعوات مكتب وهمي وحجوزات الفنادق أيضاً كانت وهمية" وتم تحويله إلى غرفة للترحيل حيث أمضى نحو أسبوع، ويقول جوان بأن نحو 20 شخصاً كانوا في غرفة الترحيل معه من عدة جنسيات "كان يوجد عدة سوريين واستطعنا التواصل مع أحد الأشخاص الذي وعد بتأمين حجز فندقي لنا وفعلاً استطاع ستة منا مغادرة المطار بعد تأمين الحجز" ولكن جوان لم يستطع المغادرة في اليوم التالي لمغادرة زملائه بسبب تغير القوانين، كما يقول وتم ترحيله أخيراً، ولكن علي لا يعتبر نفسه محظوظاً "لست سعيداً، فأنا خسرت آلاف الدولارات كما أن هناك بعض الأشخاص تمكنوا من الوصول إلى ألمانيا ربما كنت واحداً منهم لو لم تتم إعادتي".

قصة جوان تشبه قصص كثيرين غيره ممن تعرضوا للاحتيال عن طريق تزوير التأشيرة أو الحجز الفندقي، وهو أحد وجوه الاحتيال التي تتم ممارستها مع ظهور مئات المكاتب التي تزعم قدرتها على تأمين التأشيرة القانونية، ولا تتوقف القصة هنا فبعد دخول مينسك تبدأ رحلة أخرى نحو المجهول للوصول إلى أوروبا.

الحدود المستحيلة

ما يجهله العديدون ممن وقعوا ضحية الترويج الضخم للوصول إلى أوروبا عن طريق بيلاروسيا أن هذا الطريق ليس بتلك السهولة فدون الوصول إلى أوروبا طريق طويل محفوف بالمخاطر لا سيما بسبب الطقس شديد البرودة، ويظهر في الصورة التالية جزء من هذه الحدود شديدة الخطورة على عابريها سيراً على الأقدام، وتظهر في الصورة التالية كيف أن غابات كثيفة مترامية الأطراف تقع على حدود البلدين مما يقدم تصور عن المعاناة الكبيرة لقاطعيها مشياً على الأقدام في درجة حرارة تحت الصفر، وابتعادهم عن المناطق السكنية والطرق العامة.

 

بولندا.png

 

وبغض النظر عن كل تلك المخاطر تبقى حقيقة أن مخطط حكومة بيلاروسيا لاستخدام طالبي اللجوء كورقة للضغط والمساومة بتأييد واضح من النظام والكرملين شديد الخطورة على الواصلين إلى بيلاروسيا فهم في حقيقة الأمر غير مرحب بهم في بيلاروسيا حيث تم استقبالهم لغرض إرسالهم إلى الحدود وخلق الحالة التي نراها الآن دون الاكتراث بحياتهم  أو بمآسيهم.