icon
التغطية الحية

عبر المسيّرات.. استراتيجية تركية لمواجهة التهديدات في سوريا

2022.01.04 | 06:14 دمشق

thumbs_b_c_e5d6189a996fec0a9fb999c045d45801.jpg
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

كاد الجيش التركي أن يطلق عمليته العسكرية الخامسة ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال شرقي سوريا، خلال شهر تشرين الأول الماضي، بعد أن تصاعدت حدة الهجمات الصاروخية ضد القوات التركية في المنطقة، لكن ربما رأت أنقرة في اللحظة الأخيرة أن ثمّة معوقات داخلية وخارجية تحول دون إطلاق هذه العملية، ما دفعها للبحث عن آليات ووسائل بديلة لكبح جماح "قسد".

ويلحظ أن قيادة الجيش التركي، أطلقت العنان للطائرات المسيرة، للبحث عن "أهداف دسمة" في مناطق شمال شرقي سوريا، وتتبع قادة "قسد"، والقضاء عليهم عند أول فرصة تسمح بذلك، وربما وجدت تركيا في ذلك وسيلة لتحقيق أهدافها بأقل التكاليف البشرية والعسكرية.

المسيرات التركية تقتنص الأهداف

باتت عمليات القصف بوساطة الطائرات المسيرة التركية ضد "قسد" وحزب العمال الكردستاني شمالي سوريا، حدثاً مألوفاً نظراً لكثافتها، في حين لم تتمكن "قسد" من مجابهة هذه العمليات، لذلك اضطرت للجوء إلى خيارات بدائية لحماية كوادرها، مثل تغيير أماكن سكنهم وسياراتهم، وزيادة وتيرة حفر الخنادق والأنفاق.

ولم تتركز عمليات القصف التركي على منطقة دون أخرى، بل شملت مناطق نفوذ "قسد"، انطلاقا من مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي، مروراً بمدينة عين العرب، وصولا إلى مدن وبلدات محافظتي الرقة والحسكة.

وبدأت وتيرة هذه العمليات بالتصاعد في شهر تشرين الأول الماضي، لتأتي امتداداً لعمليات مشابهة نُفذت ضد "قسد" خلال آب الماضي، وتركزت في مدينتي القامشلي وتل تمر شمالي الحسكة.

منذ آب.. 11 عملية قصف بالطيران المسير ضد قيادات "قسد"

في 19 آب من العام الماضي قصفت مسيرة يعتقد أنها تركية سيارة تقل قيادياً يشرف على قطاع الجمارك في "الإدارة الذاتية" على الطريق الواصل بين مدينتي القامشلي والحسكة، وحينذاك أكدت مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا أن "السيارة المستهدفة تعود للقيادي "هفال حيدر" وهو أحد كوادر حزب العمال الكردستاني، تركي الجنسية ويشرف على ملف الجمارك لدى الإدارة الذاتية".

وخلال اليوم نفسه قصفت طائرة مسيرة اجتماعاً عسكرياً لـ "قسد" في مقر العلاقات العامة في بلدة تل تمر شمالي الحسكة، ما أدى لمقتل 7 عناصر من "قسد" بينهم قيادية، وإصابة 9 آخرين في حين لم يعترف مجلس تل تمر العسكري سوى بمقتل 4 من عناصره.

وقصفت طائرة مسيرة في 21 آب عربة تضم مسؤولين في "قسد" على أطراف قرية قرة مزرا جنوب شرقي مدينة عين العرب (كوباني) ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخر ممن كانوا داخل السيارة.

وبعد يوم واحد، استهدفت مسيرة يُعتقد أنها تركيّة سيارة تقل قياديين من PKK و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، قبل توقّفها بلحظات أمام مركز طبّي - يضم مصابين من عناصر الطرفين - غربي القامشلي، ما أسفر عن مقتل قيادي من "العمال الكردستاني"، في حين أصيب ثلاثة آخرون نقلوا إلى مشفى "خبات" العسكري بمدينة القامشلي.

وفي 26 آب قصفت طائرة مسيرة بصاروخ موجه سيارة نوع فان على طريق الحسكة - تل تمر، تضم 3 شخصيات من "وحدات حماية الشعب" أحدهم مسؤول عسكري على جبهة أبو راسين شمال الحسكة، مما أدى إلى مقتل من فيها.

وقالت وكالة الأناضول التركية في الـ 28 من أيلول الفائت إن مسيّرات تركية قتلت المدعو "أنغين قره أصلان" الذي يحمل الاسم الحركي "حيدر وارتو" ويشغل عضوية ما يسمى "اللجنة المركزية لحزب العمال الكردستاني" في القامشلي بريف الحسكة.

 

 

وأعلنت "قوى الأمن الداخلي" (الأسايش) التابعة لـ (قسد) في 21 تشرين الأول، أن طائرة مسيرة تركية استهدفت "بكر جرادة" الرئيس المشترك لمجلس العدالة الاجتماعية التابعة لـ "الإدارة الذاتية" في مدينة عين العرب بريف حلب، ما أدى إلى إصابته، ومقتل اثنين من عاملي الإدارة في المنطقة.

وأكدت "قسد" في 23 تشرين الأول، استهداف طائرة استطلاع تركية من دون طيار، سيارة في عين العرب بريف حلب مما أدى إلى مقتل العناصر "هوزان قامشلو" و"جالي حلب" و"أمد عفرين".

ورصد موقع تلفزيون سوريا عمليات قصف أخرى للطيران المسيّر التركي خلال الأشهر الماضية، لكنها لم تستهدف أشخاصاً بعينهم في "قسد"، بل طالت مواقع عسكرية، وأراضي زراعية في بعض الأحيان.

"قسد" تتحايل على المسيّرات التركية

سبق أن أكد مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا أن "قسد" وجهت بشكل عاجل بنقل مقار إقامة قادتها البارزين ومراكز إدارة العمليات العسكرية إلى منازل داخل الأحياء المدنية في المدن على طول الشريط الحدودي.

وأوضح المصدر أن "معظم كوادر حزب العمال الكردستاني PKK وقادة "قسد" يقيمون حاليا في منازل وسط مدن القامشلي والمالكية والدرباسية وعين العرب خوفاً من استهداف المسيرات التركية لهم"، كما أن "قسد أمرت قادتها العسكريين بالتحرك عبر سيارات مدنية عادية بدلاً من السيارات العسكرية والفارهة وقامت بتغييرات عديدة على مستوى السائقين والمرافقين العسكريين".

واتخذت "قسد" إجراء آخر، يتمثل بقيام "لجنة المشتريات التابعة لها، بشراء عدد من الشاحنات الزراعية الصغيرة في مدينة عين العرب وذلك بغية التنقل بها من قبل قيادات "قسد"، وعدم التنقل بالسيارات العسكرية المعروفة تجنباً لعمليات الاستهداف بالطائرات المسيرة التركية".

 

استراتيجية مكملة للعمليات العسكرية

زاد اعتماد تركيا على الطائرات المسيرة المصنّعة محلياً خلال السنوات الماضية، خلال العمليات العسكرية خارج الحدود، سواء في سوريا أو العراق، أو ليبيا، أو إقليم قره باغ في أذربيجان، وقد أثبتت هذه المسيرات كفاءة عالية في تدمير الأهداف الثابتة والمتحركة، كما لعبت دوراً في قلب موازين القوى، لا سيما خلال الحرب الأذربيجانية ضد أرمينيا.

ويصف الكاتب والباحث في الشأن التركي الدكتور سعيد الحاج، اعتماد تركيا على الطائرات المسيرة، بأنه استراتيجية مكمّلة للعمليات العسكرية خارج الحدود، وأحياناً تكون استراتيجية بديلة عن هذه العمليات.

وتضمن هذه الطائرات لتركيا إيجابيات وفوائد عديدة، ويضيف "الحاج" في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن من بين الفوائد، قلة التكلفة البشرية والاقتصادية، وسهولة التحرك، وسرعة التنفيذ، لكون الهدف غالباً ما يكون أشخاصاً، وليس مراكز معينة، أو مواجهة قوات مباشرة.

ويعتقد الباحث، أنه في ظل تعقد حسابات العملية العسكرية، تبقى هذه الطائرات استراتيجية بديلة تؤمن لتركيا اصطياد أو تحييد قادة حزب العمال الكردستاني أو "قسد"، بالتالي إبقاء الضغط عليهم.

وفيما إذا كانت العمليات عبر الطائرات من دون طيار، تُغني عن الهجمات العسكرية البرية، قال "الحاج" إن هذه العمليات ليست بديلة عن الهجوم البري، لأنها لا تحقق الأهداف الكاملة بالنسبة لأنقرة، لكنها تبقى آلية بديلة، إلى حين اعتماد حلول لإنهاء التهديدات شمالي سوريا، سواء عبر عملية عسكرية، أو عبر التفاوض مع الأطراف الأخرى مثل الولايات المتحدة وروسيا.

تركيا تتريث وتبحث عن تفاهم مع موسكو

أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تشرين الأول الماضي، أن صبر أنقرة نفد حيال "بؤرة الإرهاب" شمالي سوريا، وأنها تريد القضاء على التهديدات القادمة من تلك المنطقة، إما "عبر القوى الفاعلة هناك أو بإمكاناتنا الخاصة"، وأن بلاده ستقدم "على الخطوات اللازمة لحل هذه المشكلات في أسرع وقت".

وانخفضت وتيرة التهديدات التركية ضد "قسد" في أواخر الشهر نفسه، وبهذا الصدد يقول الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، محمود علوش، إن معارضة روسيا لخطط تركيا بشن هجوم جديد شمالي سوريا، دفعها إلى التريث والبحث عن تفاهم مع موسكو.

وأضاف "علوش" في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا أن محادثات تجري بالفعل بين الجانبين منذ فترة، موضحاً أن مُضي أنقرة بشن هجوم دون موافقة موسكو سيكون مكلفاً على المستويين العسكري والسياسي، لذلك، فإن أولوية أنقرة التفاهم مع الفاعلين على الأرض وهما واشنطن وموسكو.

ولفت إلى أن الضربات بواسطة الطائرات المسيرة في الشمال السوري مؤخراً، كانت فعّالة في تحييد القادة المتوسّطين لـ حزب العمال الكردستاني، بالنّظر إلى قدراتها الكبيرة في جمع المعلومات الاستخبارية وتنفيذ هجمات في آن معاً، ولها عدة إيجابيات، لكونها خياراً أقل تكلفة من الناحية المالية والعسكرية وأقل مخاطرة مقارنة بالعمليات الجوية والبرية التقليدية.

هل يكمن الحل بتعديل اتفاقية أضنة؟

أفادت مصادر مطلعة لموقع تلفزيون سوريا في 19 كانون الأول، بأن روسيا تعمل على إقناع تركيا بنسخة معدلة من اتفاق أضنة الأمني الموقع عام 1998، بحيث يتم تعديل الملحق رقم 4، والذي ينص على إتاحة المجال للجيش التركي التوغل بعمق 5 كيلومترات في حال عدم قدرة قوات النظام السوري على اتخاذ الإجراءات الأمنية ضد حزب "العمال الكردستاني"، إذ تبدي موسكو انفتاحها على توسيع مساحة التوغل التركي إلى عمق 32 كيلو متراً، عند اقتضاء الضرورة لذلك، على أن يكون الأمر بشكل منسق مع قوات النظام، المنتشرة في المنطقة وبعد أن يتعذر على الأخيرة أن تنفذ إجراءات ملاحقة "حزب العمال الكردستاني" بنفسها.

واعتبر الباحث محمود علوش، أن نقطة ضعف تركيا في شمالي سوريا تكمن في عدم إكمال مشروع المنطقة الآمنة الذي سعت إليه منذ أول تدخل عسكري لها في البلاد.

وأشار إلى أن الروس يطرحون الآن اتفاقية أضنة لاستيعاب الهواجس التركية ويسعون لإعادة العلاقة بين أنقرة ودمشق، لكن هذا الطرح لا يمكن أن يلبي المصالح الأمنية التركية قبل تحجيم قسد وإنهاء "الإدارة الذاتية" وإطلاق عملية سياسية تنهي "الصراع السوري".

وتدخلت تركيا في سوريا عسكرياً في 24 آب عام 2016، عندما أطلقت عملية "درع الفرات" بريف حلب ضد تنظيم الدولة، وشنت بعدها ثلاث عمليات وهي "غصن الزيتون" في عفرين نيسان 2018 ضد قسد، و"نبع السلام" في تشرين الأول 2019 شرق الفرات ضد قسد، و"درع الربيع" في شباط 2020 بإدلب ضد نظام الأسد.

وتشترط تركيا للانسحاب من سوريا، توافق كل الأطراف على الدستور الجديد بما يحمي حقوق جميع الشرائح السورية وإقامة نظام انتخابي يمكن لجميع الفئات المشاركة فيه بحريّة، وتشكيل حكومة شرعية بعد هذه الانتخابات، والقضاء على "التنظيمات الإرهابية" التي تستهدف وحدة أراضي تركيا على خط الحدود التركية السورية، وجعْل ذلك موضع التنفيذ، وذلك وفقاً لما نقلت صحيفة "حريّت" التركية عن مصادر خاصة قبل أيام.