icon
التغطية الحية

"عبر الخطوط" ورقة تقامر بها هيئة تحرير الشام لكسب "الشرعية"

2021.09.02 | 13:29 دمشق

dji_0160.jpg
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

شكل التصويت على قرار تمرير المساعدات عبر الحدود في سوريا قبل أشهر علامة فارقة في تاريخ عملية تمرير المساعدات طوال الحرب السورية، حيث حظي مشروع  القرار الذي قدمته النرويج وأيرلندا على إجماع عالمي لأول مرة منذ عام 2016، ودون استخدام روسيا والصين حليفي النظام لحق النقض الفيتو.

المشروع النرويجي الأيرلندي قبل الموافقة عليه طرأت عليه بعض التعديلات الروسية التي قبلتها الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها دول العالم، فظهرت جميع الأطراف بمظهر المنتصر، وإن أبرز تلك التعديلات كان آلية دخول المساعدات عبر خطوط النزاع المعروف باسم "كروس لاين" وهو ما بقي مبهماً وغير واضح المعالم حتى الأمس القريب عندما بدأ تطبيقه فعلياً على الأرض في إدلب.

أيضاً جاءت مدة التمديد محط خلاف لعدم وضوحها، إذ تقول الولايات المتحدة إنّها لعام واحد، حيث سيتم التمديد لستة أشهر أخرى بعد الانتهاء من الستة أشهر الأولى ودون الحاجة للتصويت مجدداً على القرار، فيما تؤكد روسيا أنّها لستة أشهر قابلة للتجديد في ضوء تقرير مرتقب للأمين العام للأمم المتحدة في نهاية العام الحالي.

وأكد القرار بأن تقرير الأمين العام سيركز على شفافية العمليات والتقدم المحرز في مسألة إيصال المساعدات عبر خطوط النزاع، والاستجابة للحاجات الإنسانية.

ترحيب روسي صيني

المندوب الروسي أشار إلى أن القرار الجديد "يشدد لأول مرة على تطوير عمليات إيصال المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس" مضيفاً أن "أعضاء مجلس الأمن أعطوا الضوء الأخضر لاستكمال الآلية العابرة للحدود بشكل تدريجي ومن ثم استبدالها من خلال استخدام خطوط التماس".

كما رحبت الصين بالقرار، واعتبر مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، أن توزيع المساعدات يجب أن تنحصر في دمشق مستقبلاً، مضيفاً على ضرورة أن تخضع الآلية العابرة للحدود إلى تقييم وضبط، من أجل الانتقال إلى الإيصال عبر الخطوط، وأكد أن إيصال المساعدات لمستحقيها عبر الحدود هو مسألة سياسية وجدلية، ويجب احترام سوريا وسلامة أراضيها، وطالب الدول المعنية دعم فتح الخطوط من دمشق إلى شمال سوريا.

ترحيب روسيا والصين وحديث مندوبيهما عن ضرورة التركيز والعمل على آلية دخول المساعدات عبر خطوط التماس، يظهر رغبتهما بإنهاء آلية دخول المساعدات عبر الحدود والمعمول بها منذ عام 2014، وحصرها في دمشق وإرسال المساعدات منها نحو المناطق السورية الأخرى الخارجة عن سيطرة النظام، والاستفادة من ملف المساعدات الأممية بالكامل وسحب البساط من الدول الأخرى.

على الأرض السورية خصوصاً كان الحديث عن آلية عبور المساعدات عبر خطوط النزاع ضرباً من الخيال حتى الأمس القريب، لكن هيئة تحرير الشام صدمت عناصرها قبل أنصارها والشارع المحلي في إدلب أول أمس عندما أدخلت فجأة ثلاث سيارات تحمل مساعدات إنسانية من برنامج الأغذية العالمي (WFP)، وعلى الفور بدأت عمليات الشجب والتنديد من الأهالي والناشطين، وظهرت دعوات للاحتجاج وقطع الطرق أمام تلك الشاحنات، وقبل أن يجمع المتظاهرون على مكان محدد ويحشدوا أنصارهم دخلت القافلة الثانية المكونة من اثنتي عشرة شاحنة في اليوم التالي وبحماية هيئة تحرير الشام، وتشديد أمني كبير، عبر معبر ميزناز معارة النعسان شرقي إدلب.

"عبر الخطوط" ورقة جديدة لهيئة تحرير الشام لكسب ثقة الأمم المتحدة

هيئة تحرير الشام كعادتها تستغل كل حدث لتكرر إرسال رسائلها للعالم الخارجي والغرب والأمم المتحدة بأنها شريط يمكن التعامل معه في سوريا.

وعلى خلاف الأمور التي ترفضها الهيئة وتوجه أنصارها وتحرض المدنيين لتعطيلها وتصوير الأمر على أنه رفض شعبي، دون أن توقع نفسها في حرج مع أي طرف، كما فعلت إزاء عبور الدوريات المشتركة الروسية التركية على طريق M4 جنوبي إدلب،  ودعم المعتصمين لفترة طويلة، لكن هيئة تحرير الشام هذه المرة استنفرت جهاز الأمن العام بكامل قواته ورافقت الشاحنات من معبر ميزناز غرب حلب وحتى المستودعات التي أفرغت حمولتها بداخلها قرب الحدود السورية التركية، وانتشر عناصر الجهاز بسلاحهم وسياراتهم ودورياتهم، وأمنوا عبور الشاحنات على مسافة 45 كم.

الهيئة أيضاً منعت الإعلاميين من التغطية في مناطق وردنا ورام حمدان وطلبت منهم عدم سلوك هذا التقرير حتى وإن لم يكن هدفهم التغطية الإعلامية، حيث كانت تتوقع تعرض الشاحنات لهجوم من الأهالي في تلك المنطقة، بحسب أحد أمنيي الهيئة، والذي أضاف بأن الهيئة كانت مستعدة للتعامل بالطريقة التي تراها مناسبة مع من يعترض تلك الشاحنات أو يسبب الإزعاج للهيئة في هذا الملف.

"عبر الخطوط" حاجة إنسانية أم سياسية؟

ضربت هيئة تحرير الشام عصفورين بحجر واحد عندما تعاونت واستجابت للرغبة الروسية بتطبيق آلية إيصال المساعدات "عبر الخطوط" والتي سعت من خلالها لتلميع نفسها أمام المجتمع الدولي، وأرسلت له الرسائل التي تطمئنه بقدرتها على التعايش معه، والانصياع لقراراته وتطبيقها.

كما أنها ومن دون عناء فقد زادت كمية الحصص الغذائية التي تصل إلى إدلب إلى 24 ألف سلة غذائية دون أن تقتطع تلك الكمية من المساعدات الغذائية التي تصل لإدلب عبر الحدود من وكالات الأمم المتحدة في تركيا.

الهيئة وعلى الفور خلطت الأوراق على السكان في إدلب وضللتهم من خلال أدواتها الإعلامية غير الرسمية والتي تحدثت بداية الأمر عند انتشار صور الشاحنات داخل دالي بعد عبورها معبر ميزناز بأن هذه الشاحنات دخلت لنقل بعض المساعدات الإنسانية والغذائية الأممية من مناطق سيطرة المعارضة إلى مناطق سيطرة النظام، وربط الأمر باستمرار عبور المساعدات عبر الحدود السورية التركية في حال إيصال حصة منها للنظام، واستشهدت بقدرة روسيا على إغلاق عدة معابر سابقة كانت تدخل منها المساعدات الإنسانية إلى سوريا، والكارثة التي ستحل على 3.5 ملايين سوري في إدلب.

وعند متابعة المدنيين للشاحنات التي أفرغت حمولتها في الشمال السوري تحدثت تلك الأدوات عن نقل مستودعات برنامج الأغذية العالمي (WFP) من حلب إلى إدلب، ووصفت الأمر بأنه يصب في مصلحة المحرر بالكامل.

ثم أصدرت "وزارة التنمية والشؤون الإنسانية" بياناً توضيحاً حول الأمر ركزت فيه على عدم ضلوع الهلال الأحمر التابع للنظام في عملية دخول المساعدات وتحدثت عن كونها قيمة مضافة إلى المساعدات التي تدخل عبر باب الهوى، وأكدت أن دخول الشاحنات يأتي ضمن إطار نقل المستودعات وليس افتتاحاً لمعبر إنساني مع النظام.

برنامج الأغذية العالمي (WFP) غرد عبر حسابه الرسمي على تويتر باللغة الإنجليزية وهذه ترجمة التغريدة بالعربية:

وصلت قافلة برنامج الأغذية العالمي المتقاطعة من 3 شاحنات تحمل الشحنة الأولى من 9600 حصة غذائية إلى مستودعاتنا في سرمدا بإدلب من حلب.

يلتزم برنامج الأغذية العالمي باستكشاف جميع تدابير الطوارئ لضمان استمرار الوصول إلى 1.3 مليون شخص في شمال غربي سوريا يعتمدون على المساعدات الغذائية لبرنامج الأغذية العالمي.

سيوفر هذا التسليم مساعدات غذائية وتغذوية لـ 50 ألف شخص لا تصلهم القوافل العابرة للحدود حالياً لاستكمال وتوسيع نطاق توصيل الطعام في شمال غربي سوريا التي لديها بعض من أكبر الاحتياجات الغذائية.  ستبدأ عمليات التوزيع بواسطة موظفي (WFP) في الأسابيع التالية.

يعاني حالياً 3.3 ملايين شخص من انعدام الأمن الغذائي في شمال غربي سوريا، ولا يحصل سوى 1.3 مليون شخص على المساعدة من خلال عملية برنامج الأغذية العالمي عبر الحدود لتلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.

نظام الأسد الكاسب الأكبر من تطبيق آلية "عبر الخطوط"

على الطرف المقابل فإن نظام الأسد هو الآخر يستغل ملف "عبر الخطوط" لأهداف سياسية واقتصادية بحتة.

ففي ظل الأزمات المعيشية المتفاقمة في مناطق سيطرته والتي يعيشها موالوه فإن نظام الأسد بات يرسل المساعدات الإنسانية والغذائية لمعارضيه الذين يصفهم بالإرهاب، وهو ذاته النظام الذي منع إدخال المساعدات الإنسانية الأممية إلى المحاصرين في مضايا والزبداني وغوطة دمشق وغيرها من المناطق.

ويأمل النظام وروسيا من خلال آلية إيصال المساعدات "عبر الخطوط" إلى المناطق السورية الخارجة عن سيطرته لكسب ثقة الأمم المتحدة، ونقل النظام من حالة المتهم بإعاقة وعرقلة وصول المساعدات إلى مستحقيها واستخدامها كأداة تجويع بحق الخارجين عن سلطته لإخضاعهم، وتحويله إلى شريك ناجح في إدارة الملف الإنساني ومن ثم اعتراض روسيا على آلية دخول المساعدات "عبر الحدود" وحصرها في حكومة الأسد.

أيضاً يهدف النظام من خلال افتتاح المعابر لأهداف إنسانية إلى كسر حالة الجمود بينه وبين إدلب التي أغلقت جميع معابرها معه منذ تقدمه وقضمه مناطق كثيرة في أرياف حماة وحلب وإدلب وذلك بهدف تنشيط الحركة التجارية والحصول على الدولار الأميركي من إدلب والتي باتت تشكل سوقاً حرة توجد فيها كثير من المواد المفقودة في أسواقه.

ماذا لو توقف دخول المساعدات عبر الحدود؟

التقى موقع تلفزيون سوريا بخبير في الشأن الإنساني رفض الحديث باسمه لاعتبارات تتعلق بصفته الوظيفية، وأكد هذا الخبير بأن تمديد عبور المساعدات عبر الحدود مرهون بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة، وليس بآلية عبور المساعدات عبر خطوط النزاع التي تركز عليها روسيا بالدرجة الأولى، وأكد الخبير عن وجود رغبة من قبل هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ لتطبيق ك بنود القرار لكسب الشرعية لدى وكالات الأمم المتحدة.

كما تحدث الخبير عما كان سيحصل لو لم يتم التجديد لآلية عبور المساعدات عبر الحدود وعن البدائل التي كان يتم الترتيب لها والعمل عليها لتجنب الكارثة الإنسانية لو استخدمت روسيا حق النقض الفيتو وعرقلة عبور المساعدات عبر الحدود وأبرز تلك البدائل خلق تحالف دولي إنساني بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتأسيس آلية لإيصال المساعدات الإنسانية خارج مظلة الأمم المتحدة، وأيضاً المنظمات.

عودة المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة إلى ما قبل القرار الدولي الخاص بالمعابر عام 2014، والعمل خارج نطاق آلية التفويض الحالية، مع إمكانية تحويل التمويل الخاص بوكالات الأمم المتحدة إلى منظمات دولية غير حكومية توزع الدعم المقدم إلى الشركاء المحليين الذين يقومون بدورهم بتنفيذ المشاريع داخلياً.

وكما تعتبر نسبة المساعدات الأممية لا تتجاوز 65 بالمئة من المساعدات التي تدخل الشمال السوري بحسب تصريح سابق من معبر باب الهوى لموقع تلفزيون سوريا، ويحصل الشمال السوري على مساعدات أخرى من جهات خيرية خليجية وعربية ومتبرعين خاصين ومنظمات لا تتلقى الدعم الأممي مثل "mercy usa" و"goal" و"people in need" وغيرها.

ردود فعل رافضة

ردود فعل في الداخل ما تزال رافضة لعبور المساعدات من مناطق النظام وتحمل هيئة تحرير الشام مسؤولية ما ستؤول إليه الأمور بعد عام وتتنبأ بإيقاف دخول المساعدات عبر الحدود وحصرها في نظام الأسد.

وانتقد كثير من الناشطين تنسيق الهيئة مع النظام حول ملف "عبر الخطوط" وكتب أحدهم: "مهما كنا ومهما وصل بنا الحال لا يجب أن نقبل بإدخال المساعدات، الموضوع تم تنفيذه فجأة وكأنه أمر دُبِّر بليل وهو أمر غير مقبول إطلاقاً، المنطقة المحررة ليست حكراً لجهة تتخذ قرارات مصيرية كهذا القرار، المستفيد هو النظام فهي شرعنة دولية له والسلطة في إدلب مستفيدة بنسبة بسيطة والشعب خاسر حتى لو وزعت لكل فرد شاحنة فهي ثورة كرامة وليست ثورة سلة إغاثة".

وكتب آخر: "كل يد تصافح النظام يجب قطعها ولو كان على مستوى سلل إغاثة، لا يجب أن يحاول أحد البحث عن أعذار ومبررات لهذه المصيبة التي وقع بها المحرر نتيجة تصرف اتخذه من لا يعي قدر خطورة الأمر الذي حدث، برأيي يجب إيقاف إدخال الشاحنات فوراً وإن استطعنا إعادة ما دخل فهو خير أكثر".