
اُعتُقل عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكُردستاني في سوريا عبد الرحمن آبو في 12 من تموز 2017 من منزله الكائن في قرية كفردلي فوقاني في عفرين، بطريقة يصفها آبو " بالوحشية" حيث تمت مصادرة جميع الأجهزة الذكية له ولجميع أفراد عائلته، ومصادرة ساعة اليد الشخصية، وإجباره على تسليمهم هويته الشخصية. ويقول عبد الرحمن آبو لموقع تلفزيون سوريا " سألتهم عما يبحثون عنه، بدلاً من تكسير وتعفيش أثاث منزلي، سأدلكم عليه أنا فلا شيء لدي يستحق أن أخبئه" لكنهم وبحسب آبو لم يُصغوا إليه وطلبوا منه الذهاب معهم ووعدوه أن يعود بعد نصف ساعة.
يروي آبو اللحظات الأخيرة بين أفراد أسرته قبل الاعتقال "أخبرت زوجتي أم كاوا وباقي أفراد أسرتي، ربما لن أعود، وربما يطيلُ غيابي، نحن شرفاء لذلك يتم اعتقالنا". ويتابع آبو سرد طريقة "شحطه" نحو مركبة الدورية "لم يسمحوا لي أن أغير ملابسي أو أخذ أدويتي، أغمضوا عيني" تحدث أحد العناصر إلى آبو "باللغة العربية" قائلاً له" أهلاً وسهلاً بك سننقلك إلى السجن الأسود وستبقى أغراضك الشخصية لدينا".
أسوء السجون في عفرين
يقع السجن الأسود في أحد قمة جبال منطقة "راجو" الكردية ويُدعى أيضاً بالفرع (254). يمتاز بالسمعة السيئة والتعامل الوحشي. ونادراً ما يخرج نزلاؤه سالمين من أي أمراض مزمنة أو مرضً عُضال.
مغمض العينين مكبل اليدين، توجه آبو صوب أكثر السجون سوءا في عفرين، حاملاً هم قضيته الكُردية والعيش المشترك مع عموم السوريين، مُدركاً حجم سواد الأيام التي تنتظره.
"لم يكن مسموحاً لنا الخروج إلى المرحاض سوى مرتين فقط في اليوم، لذا اضطررت إلى التخفيف كثيراً من تناول الطعام، الذي اقتصر على رغيفين للخبز يومياً وبيضة"
مكث عبد الرحمن آبو ستة أشهر في السجن الأسود، قضى منها شهرين في منفردة لا يتجاوز طولها متراً، وعرضها متراً ونصف المتر وسقفها منخفض كثيراً، مع انعدام أيَّ ضوء وسط العتمة "لم يكن مسموحاً لنا الخروج إلى المرحاض سوى مرتين فقط في اليوم، لذا اضطررت إلى التخفيف كثيراً من تناول الطعام، الذي اقتصر على رغيفين للخبز يومياً وبيضة والقليل من الطعام". اعتمد آبو للحفاظ على توازنه العضوي على شرب كميات كبيرة من المياه، وكان " يتبول في قنينة مياه فارغة".
تعرض آبو في السجن إلى الجرب والحساسية والحكة المفرطة، ولم يسمحوا له بالاستحمام إلا بعد قضاء 15 يوماً من زجه بالمنفردة. "صحت بهم، هل تدركون حجم مرضي، في عز الصيف وهذه الانفرادية القذرة، أرغب بالاستحمام". في اليوم الآخر سُمح لآبو بالاستحمام في حمام بدون باب وبالماء البارد وقطعة صغيرة من الصابون.
وبعد تبديل المسؤول عن السجن سُمح بنقل آبو إلى المشفى للعالج، يصف حاله هناك قائلاً: "لم أسمح لهم بحقني بالإبر، ولم أتناول حبة دواء واحدة قبل قراءة الوصفة الطبية المرافقة لها، لم أكن أثق بهم أبداً".
خلال الشهرين تم التحقيق مع آبو لمرتين فقط وتمحورت الأسئلة كلها حول مداخلاته التلفزيونية وآرائه السياسية ومواقفه القومية. ويقول أكثر ما أزعجهم كانت عبارتي على فضائية رووداو " عفرين سجن كبير".
بعد انقضاء شهرين تم تحويل آبو إلى زنزانة أخرى أوسع وأنظف قليلاً، مع وجود إنارة ولكن بمفرده فقط يقول آبو" قال لي أحد القيادات أنت مُتابع من أعلى المستويات وستبقى لدينا لفترة طويلة".
آبو يتغلب على الأرق والقلق
لجأ عبد الرحمن آبو إلى استذكار الآيات القرآنية التي كان قد حفظها، ويعيد ترديدها بين الحين والآخر، بحسب قوله " طلبت دفتراً وقلماً، وبدأت بكتابة المفردات والقواعد التي حفظتها سابقاً باللغة الكُردية، وعملت على تأليف شبه قاموس صغير عن المفردات باللغة الكُردية والعربية والإنكليزية، ومع كتابة بعض الأشعار، وتذكر الأيام الجميلة التي مررت بها، كنت أتذكر دوماً حبي ورفاقي ونضالهم، وسعينا إلى تخفيف القبضة الأمنية للاتحاد الديمقراطي، وتوسيع هامش الحريات في عفرين، والتأكيد على أننا جزء من سوريا اتحادية". كان يوم آبو ينقضي دون أن يعرف ما ينتظره صبيحة اليوم الآخر.
حرب نفسية
تعرض عبد الرحمن آبو إلى حربُ نفسية وضغوطات سياسية كبيرة، سواء بالتهديد عبر إلصاق التهم الكبيرة به، أو ما شاهده من بكاء وعويل زوجته " أم كاوا" في باحة المحكمة. فيقول" نودي عليّ إلى ساحة المحكمة ورأيت زوجتي تبكي بحرقة كبيرة، وأخبرتني أنها قرأت على مواقع الإنترنت والفيس بوك نبأ استشهاد عبد الرحمن آبو في السجن. اكتفى بترديد" لن يصيبكم إلا ما كتب الله لكم" وكان اللقاء الأول والأخير.
بعد ذلك علم آبو نشر نبأ تسليمه للنظام على صفحات الفيسبوك قبل أن يتم تكذيب الخبر مرة أخرى. وتهيئته نفسياً للخروج ونيل حريته ثم محاولة التلاعب بأعصابه "أخبروني بتاريخ 15/1/2018 صدور قرار إطلاق سراحي، خاصة وأن المحاكم كانت قد أُلغيت وتشكلت لجان شعبية خاصة بتسيير الأمور".
من السجن الأسود إلى أمن الدولة في حلب ثم إلى قامشلو
علم آبو بتوقف قرار إطلاق سراحه، وأخبروه " لقد ضاعت كل مستلزماتك وحاجياتك الشخصية، وتركيا دخلت إلى عفرين، وماذا بإمكانك أن تفعل فلا تقصر، بل إن حياتك في خطر كبير، كبيراً جداً".
"مكثت في سجن أمن الدولة في حلب منطقة المحافظة أربعين يوماً، وانحصر كل التحقيق بالوضع والمهمات والصفة الحزبية التي أحملها"
نقل آبو بتاريخ 10/2/2018 إلى منطقة الشهبا، ومنها تم تبديل العربة التي كانت تقله، وتسليمه برفقة عشرين آخرين إلى أمن الدولة الذي زج بهم مغمضي العينين ومربوطي الأيدي إلى حافلة خاصة بهم. كان آبو المعتقل السياسي الوحيد، فيما تنوعت تهم البقية بين السرقة، والتعامل مع الجيش الحر وغيرها.
"مكثت في سجن أمن الدولة في حلب منطقة المحافظة أربعين يوماً، وانحصر كل التحقيق بالوضع والمهمات والصفة الحزبية التي أحملها" خضع آبو لثماني جلسات استجواب وتحقيق ستة منها قضاها مغمض العينين، وفي الجلستين الأخيرتين حصل آبو على رؤية ما حوله في التحقيق، وتم سؤاله: لماذا لم توافق على مقترحات مجلس غرب كُردستان، ولماذا رفضت وجود صور أوجلان والصور الخاصة بالاتحاد الديمقراطي في المركز الثقافي في عفرين" واستغرب آبو من تركيز المحقق على إحدى مواقفه في اجتماع المجلسين (الوطني الكُردي، وغرب كوردستان) حين قال لهم "ما نتفق عليه هنا، تذهبون إلى مكان آخر وتجتمعون وتقرون أموراً أخرى، لن أقبل بذلك" ويضيف آبو أنه في البداية كان المحقق يصفهم بــ"الانفصاليين"، ولماذا لم نتفق معهم، ثم تخلى المحقق عن الوصف".
بعد أن قضى آبو أربعين يوما في سجون النظام ، سُلم إلى دورية للأسايش وانطلقت نحو شيخ مقصود في حلب، منها إلى منبج وسُلم إلى مكتب العلاقات ومن هناك تم تحويله إلى قسم مكافحة الإرهاب في القامشلي حيث مكث ثلاثة أشهر ونصف في الانفرادية، وكل فترة يتم تبديل سجنه الانفرادي بآخر أسوء من الأول، والخروج معصوب العين وحافي القدمين إلى الحمامات، والخروج إلى الباحة اقتصر على مرة واحدة كل أسبوع، ويروي آبو كيف أنه اضطر إلى حرق ثيابه لأنها حملت من الجراثيم والمكروبات والتمزق لحد لم يعد يستطيع أن يرتديها مرة أخرى، ولم يُعرض طوال الأشهر الثلاث والنصف للتحقيق سوى مرتين.
وبحسب آبو فإن التحقيق اقتصر على سؤال واحد في المرة الأولى " كيف تم تسليمك إلى النظام، وكيف تمت إعادتك إلينا، وكانوا يُجيبون على السؤال: يبدو أن هناك خطأ قد حدث!" وفي التحقيق الثاني تم سؤال آبو عن تصريحاته مجدداً وقيل له " أنت آبو الذي خرب الدنيا، وعفرين كلها تنظر إليك كقائد وأنت من تستطيع التأثير على أهالي عفرين، وتصريحاتك هي التي جاءت بالدولة التركية إلى عفرين". نفي آبو أي علاقة له بالدخول التركي لم يشفع له أبدا. وقال للكوادر في سجن مكافحة الإرهاب" أنظرُ إلى تركيا على أنها محتل لعفرين، ولست أنا من جاء بتركيا إلى عفرين".
بعد ذلك نقل آبو إلى سجن "علايا" المركزي في القامشلي ومع الأشهر الأربعة التي قضاها هناك برفقة ثلاثة من رفاقه المساجين تحسنت المعاملة مع آبو كثيراً. واتصل مع ذويه بعد سنة وشهرين.
تم تحويله إلى المحكمة في بداية شهر تشرين الثاني وتم الإفراج عنه في 14 من تشرين الثاني 2018 ووجهت له التهم التالية:
توهين من عزيمة الأمة، زرع الفتن بين أبناء البلد، تحريض الشعب ضد الحزب. حكم عليه بسنة وأربعة أشهر وتم إخلاء سبيله بحجة انقضاء المحكومية.