عام 2022 والبدايات المشرقية المضطربة

2022.01.09 | 06:11 دمشق

artfa-asar-alywranywm-wst-adtrabat-kazakhstan-akhbar-altaqt.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع دخول عام جديد كان الجميع متطلعاً نحو بدايات جديدة في رخاء أو سلامٍ أو على الأقل بعيداً عن الاضطرابات، لكن ما يحدث في المشرق لا يوحي أن أزماته سوف تنتهي فالشرق بشكل عام بات منطقة مليئة بنقاط متوترة أو مشتعلة سياسياً اجتماعياً ودبلوماسياً.

ولعل أبرز الملفات التي يُفتتح بها العام الجديد هما ملفا كازاخستان وملف إيران النووي، وذلك لما سيترتب عليهما من تحولات كبيرة سياسياً على مناطق إقليميهما، فما يحدث في كازاخستان لا يمكن تصنيفه على أنه مجرد احتجاجات اقتصادية نتيجة ارتفاع الأسعار، كيف  ذلك والقيامة قامت هناك خلال أقل من يومين حتى الحليف المباشر لها وهي روسيا كانت متفاجئة لسرعة الانفجار الحاصل هناك، وبدأت التحليلات تتأرجح بين تصفية حسابات سياسية بين الفرقاء (ربما) في تلك البلد، أو إنها ثورة وانقلاب أم أنها نتيجة تدخلات خارجية وهذا يدعو للعجب، أين تقارير استخبارات تلك البلاد لتشرح ما يحدث لقياداتها السياسية، أم أنه فعلاً هناك مشكلة حقيقية داخلية في كازاخستان اجتماعية وسياسية.

روسيا التي تتخوف من وجود الغرب بشكل كبير (حتى عسكريا) على حدودها في أوكرانيا من حقها أن تتساءل عن احتمالية أن يكون لهذا الغرب يد في ما يحدث في كازاخستان

طبعاً التداعيات السياسية لهذا الملف مهمة جداً وتأثيرها الجيوسياسي سيكون واضحا بشكل كبير على أهم الدول في تلك المنطقة روسيا والصين ومن ثم دول الرابطة التركية، فروسيا التي تتخوف من وجود الغرب بشكل كبير (حتى عسكريا) على حدودها في أوكرانيا من حقها أن تتساءل عن احتمالية أن يكون لهذا الغرب يد في ما يحدث في كازاخستان، لكي تصبح روسيا بين كفي كماشة أوكرانيا وكازاخستان والحال ليس ببعيد عما جرى في بيلاروسيا من قبل من ثورة ملونة كادت تغيرها كما غيرت أوكرانيا من قبل، فنظرية الحصار السياسي لروسيا قضية واردة جداً بل مخيفة جداً لذلك جاء التحرك السريع لروسيا وفق معاهدة الدفاع المشترك مع عدة دول منها كازاخستان طبعاً لضبط الأمور هناك وإعادتها لنصابها القديم كما ترجوه روسيا، وأيضاً تعتبر كازاخستان الدولة التي تضم منصة إطلاق صاروخية للفضاء والتي تنطلق منها صواريخ الفضاء الروسية.

 وأما الصين وهي التي تعلم أن الاهتمام الأميركي الآن منصب نحو تحجيمها ومحاصرتها عبر تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المحيط الهادئ، وتعزيز التحالف الأنجلوسكسوني (أميركا وبريطانيا وإستراليا) في تلك المنطقة، ولذلك تأتي المخاوف الصينية في محلها لما يحدث في كازاخستان التي تعتبر نقطة انطلاق أساسية لها في مشروعها الإقليمي طريق الحرير الجديد، وخاصة أن هناك نقطة أخرى تقلق الصين وهي أفغانستان ولذلك فإن نقاط التوتر كلما زادت زادت معها الخسائر الجيوسياسية والجيواقتصادية.

دول الرابطة التركية أيضاً ستتأثر بشكل كبير في حال تفاقم الوضع في كازاخستان، فالعلاقات الاجتماعية بين هذه الدول قوية وعميقة وبالتأكيد سوف تتأثر سلباً أو أيجاباً لما سيحصل في كازاخستان، وحتى الأحوال الاقتصادية بين بلدان تلك الرابطة سوف تتأثر بشكل كبير فيما بينها، فتركيا التي كانت تترقب رفع التبادل التجاري مع كازاخستان نحو 10 مليارات دولار ستتوقف عند 3.5 مليار عما هو عليه الآن، وربما تتراجع هذه القيمة علاوة على الأثر السلبي للمشاريع الاستراتيجية التي كان مخطط لها بين تلك البلدان، وأيضاً ما بينها وبين الدول الأخرى مثل الصين وروسيا وغيرها.

المملكة العربية السعودية ودولة أذربيجان ليستا على علاقة جيدة مع إيران، ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن تقف المملكة متفرجة من دون أن تفعل شيئا، وهذا الشيء لن يكون أقل من الحصول على السلاح النووي

ولا يقل ملف المفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب أهمية عما هو عليه في كازاخستان، فهذه النقطة الثانية من المشرق لها أهمية إقليمية كبيرة جدا، وحتى عالمياً فأي توتر فيها سينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي والملاحة العالمية، فهذه المفاوضات إن لم تنجح فسنكون أمام خيارات كلها سيئة، فإما أن تمتلك إيران السلاح النووي وهذا يعني أن دول الجوار ستشعر بخطر يهددها وجوديا، وعليه فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي وستسعى للحصول على سلاح نووي، فالمملكة العربية السعودية ودولة أذربيجان ليستا على علاقة جيدة مع إيران، ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن تقف المملكة متفرجة من دون أن تفعل شيئا، وهذا الشيء لن يكون أقل من الحصول على السلاح النووي، حتى تركيا التي لديها علاقات جيدة نوعا ما مع إيران فإنها في اليوم التالي ستسعى لتصنيع السلاح النووي، وأما الخيار الثاني فهو ضربة إسرائيلية أو أميركية لمفاعلات إيران النووية وهذا يعني نشوب حرب أكيدة بين إيران وتلك الدول، ولك أن تتصور تبعات تلك الحرب الكارثية عل دول المنطقة وعلى الاقتصاد العالمي، وعلى الملاحة البحرية والجوية العالمية علاوة على الأزمات الإنسانية والبيئية التي ستحصل، لأن هذه الحرب لن تقف بين دولتين وحسب بل سيكون هناك محاور وتحالفات سوف تتشكل في تلك الحرب.

رغم كل هذه التخوفات تبقى هناك مشاريع تدعو نحو التفاؤل كملف العلاقات الأرمنية التركية والأذرية وملف تركيا والمملكة العربية السعودية وملف العلاقات التركية المصرية وغيرها، ففي حال نجاح تلك الملفات سيكون لها تداعيات غاية الأهمية على تلك البلاد وعلى المنطقة برمتها، ولكن كل النجاحات التي ستحققها هذه الملفات ستبقى مرتبطة بشكل طردي مع الملفات المتأزمة فلكما تحسنت تتحسن معها وكلما ساءت ساءت معها.