عام المخاطر والفرص للشرق الأوسط

2023.01.20 | 06:16 دمشق

عام المخاطر والفرص للشرق الأوسط
+A
حجم الخط
-A

استهلت إسرائيل العام الجديد بتصعيد عدواني خطير ضد الفلسطينيين من خلال اقتحام وزير الأمن إيتمار بن غفير المسجد الأقصى. إذا كان هناك من مؤشر لهذا الاقتحام فهو أن القضية الفلسطينية ستكون أمام عام ساخن للغاية. لقد شكل بنيامين نتنياهو للتو أكثر الحكومات تطرّفاً في تاريخ إسرائيل والمخاطر التي تجلبها معها لا تقتصر على الفلسطينيين فحسب، بل على المنطقة بأسرها. بالنّظر إلى أن نتنياهو من أكثر القادة الإسرائيليين الذين عملوا خلال فترة حكمهم على تبني سياسات عدوانية تجاه الفلسطينيين وتصعيد المواجهة بالوكالة مع إيران، فإنّه من المرجح أن يذهب بعيداً في اللعب على حافة الهاوية. يُمكن أن تؤدي هذه السياسات إلى تصعيد المخاطر على نحو كبير. الفلسطينيون يشعرون بإحباط كبير من الانفتاح العربي على التطبيع المجاني مع إسرائيل والضفة الغربية تغلي بالفعل منذ فترة وتستعد لسيناريو انتفاضة جديدة. في المقابل، تقترب إيران من تجاوز نقطة اللاعودة في تسليح برنامجها النووي بحكم الأمر الواقع وتقلص فرص حدوث اختراق دبلوماسي لإعادة إحياء الاتفاق النووي. حقيقة أن ديناميكية الصراع الإسرائيلي الإيراني تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي، حيث تهدد في عهد نتنياهو الجديد بحدوث اضطرابات إقليمية واسعة وتبديد بعض الانفراجات الإقليمية التي حدثت خلال العام المنصرم مثل إبرام إسرائيل اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع لبنان وإعادة تل أبيب إصلاح علاقتها بتركيا.

في غضون ذلك، سيكون من الصعب تحصين المسار التفاوضي بين إيران والسعودية من ارتدادات التصعيد الإقليمي الذي يلوح في الأفق. على الرغم من أن طهران أبدت رغبتها في عقد جولة سادسة من المحادثات مع الرياض برعاية عراقية، إلآّ أن هذا الحوار لا يزال بعيداً عن تحقيق خرق جوهري في مسار التنافس الإقليمي بين البلدين. مع انسداد أفق المفاوضات النووية والنزعة الإسرائيلية العدوانية الجديدة ضد الفلسطينيين، فإن فرص تعزيز التهدئة الإقليمية التي سادت خلال العام الماضي تتقلص وتدفع باتجاه مسار معاكس. في ظل أن التهدئة اليمنية ساعدت في دفع الحوار الإيراني السعودي، فإن صعوبة التوصل إلى اتفاق لتمديد الهدنة، قد تؤدي إلى إعادة اشتعال صراع الوكالة بين طهران والرياض عبر الجبهة اليمنية. سيُشكل العام الجديد اختباراً حاسماً للنوايا الإيرانية بخصوص الرغبة في تهدئة التوترات مع دول الجوار لا سيما الخليج. يُضاف إلى ذلك أن العلاقات المتنامية بين إسرائيل ودول الخليج تزيد من مخاطر الصراع الإسرائيلي الإيراني على منطقة الخليج. قد تُترجم هذه المخاطر بعودة وتيرة استهداف ناقلات النفط في مياه الخليج.

تفقد الولايات المتحدة بشكل متزايد تأثيرها في المنطقة بفعل تحوّل اهتماماتها الخارجية نحو روسيا والصين والأزمات الداخلية التي تُعانيها

بعض المسارات الإقليمية التي حدثت خلال العام الماضي كانت مشجعة وتبعث على بعض التفاؤل، لكنها لا تزال محفوفة بالمخاطر. أدّت المصالحة التركية مع السعودية والإمارات والمصافحة التاريخية بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي إلى خلق آفاق جديدة لتعاون إقليمي واسع النطاق. في حين أن العلاقات الجديدة بين تركيا والخليج تبدو محصّنة بشكل معقول، إلاّ أن إمكانية إنجاز المصالحة بين أنقرة والقاهرة في العام الجديد غير مؤكدة. لا يزال البلدان على خلاف شديد بشأن الوضع في ليبيا ومن غير المرجح أن تتم تسويته بسهولة. حمل العام المنصرم تحوّلات مهمة في خريطة النفوذ العالمي في الشرق الأوسط. أدت زيارة الرئيس الصيني شي جينغ بين للسعودية إلى إبراز أهمية الشرق الأوسط في التنافس الجيوسياسي العالمي. كما تعمل روسيا على تعزيز شراكتها مع دول المنطقة. بالتوازي مع ذلك، تفقد الولايات المتحدة بشكل متزايد تأثيرها في المنطقة بفعل تحوّل اهتماماتها الخارجية نحو روسيا والصين والأزمات الداخلية التي تُعانيها. قد يحمل هذا العام مزيداً من تحولات نفوذ القوى الكبرى في المنطقة لصالح موسكو وبكين. كثيرًا ما يقوم الشركاء الإقليميون القدامى للولايات المتحدة بإلغاء الأولوية لمخاوف واشنطن بشأن الصين وروسيا في محاولة للتحوط من احتمال انسحاب الولايات المتحدة في المنطقة.

بيد أن الفرص التي تتطلع إليها دول المنطقة لتعزيز هامش استقلاليتها عن الولايات المتحدة ستزيد من الضغط عليها لتحصين نفسها من أي اضطرابات أمنية إقليمية جديدة. في حين أن الدور الأميركي ساهم على مدى عقود في منح تحول الصراع بين حلفاء الولايات المتحدة وإيران إلى مواجهة عسكرية، فإن ضعف التأثير الأميركي وميل طهران إلى التخلي عن محاولات تحسين علاقتها بالغرب يُعزز من مخاطر حدوث صدام إقليمي واسع. لا يزال من غير المُمكن تصور إعادة إصلاح علاقات واشنطن بدول الخليج في المستقبل المنظور، لكنّ المخاطر الأمنية المحتملة التي يحملها العام الجديد ستضغط على صناع القرار في الخليج للموازنة بين الحفاظ على الحد الأدنى من الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة والشراكات الجديدة التي تبنيها مع روسيا والصين.

تبدو تركيا الدولة الشرق أوسطية الأكثر تأثّراً في هذا العام. ستُجري البلاد انتخابات رئاسية وبرلمانية حاسمة في يونيو حزيران على أبعد تقدير وتُشكل اختباراً لقدرة أردوغان على البقاء في السلطة. بالنّظر إلى النفوذ الإقليمي الكبير الذي كسبته البلاد خلال العقد الماضي، فإن أي تحول سياسي في صناديق الاقتراع سيؤثر بشكل حاد على الدور الإقليمي لتركيا وعلى الجغرافيا السياسية الإقليمية. في حال نجاح أردوغان في الفوز، فإنه من غير المستبعد أن يطرأ تحول كبير على السياسات الإقليمية التركية، لكنّ العكس سيحمل معه بعض المخاطر. لدى تركيا وجود عسكري في شمال سوريا وليبيا وأي تراجع في دورها الإقليمي سيدفع قوى أخرى إلى ملء الفراغ.

الاضطرابات الاقتصادية العالمية تسلك منحى تصاعديا ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يُصاب ثلث الاقتصاد العالمي بالركود في ألفين وثلاثة عشرين

في سوريا، من المرجح أن تستفيد إيران بشكل كبير من التراجع التركي المحتمل لتعزيز حضورها في هذا البلد. وفي ليبيا، ستستفيد بعض القوى الأخرى من أي تراجع تركي لإعادة تشكيل المشهد الليبي. حقيقة أن الصراع في ليبيا قابل للانفجار من جديد بفعل ارتباط عوامل الاستقرار الحالية بالدور التركي، فإن تغييراً محتملاً في خريطة النفوذ الإقليمي قد يؤدي إلى إغراق البلاد مُجدداً في دوامة الفوضى.

أخيراً، ستكون الأوضاع الاقتصادية في المنطقة محل تركيز كبير هذا العام. في ضوء أن الاضطرابات الاقتصادية العالمية تسلك منحى تصاعديا ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصاب ثلث الاقتصاد العالمي بالركود في ألفين وثلاثة عشرين، فإن التداعيات الاقتصادية ستزداد على المنطقة. لبنان غارق منذ سنوات في أزمة اقتصادية حادة ويُعاني شللاً سياسياً يزيد من مخاطر انهيار كامل للدولة، بينما سوريا تُعاني من انهيار اقتصادي كبير بفعل الحرب. مصر كذلك تعاني من ضغوط اقتصادية متزايدة تُهدد الاستقرار السياسي الذي عمل عليه السيسي منذ وصوله إلى السلطة. الآفاق القاتمة في بعض الدول العربية الأخرى كالأردن والعراق وتونس والسودان قد تؤدي إلى إحداث اضطرابات سياسية وأمنية أوسع نطاقاً من تلك التي شهدتها بعد الربيع العربي في عام 2011. وما يزيد من المخاطر الاقتصادية على دول المنطقة في العام الجديد هو أنّها ستصبح أكثر عرضة للضغط الناجم عن التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى. في ضوء ذلك، يتعين على الشرق الأوسط الاستعداد لعام جديد مليء بالمخاطر أكثر من الفرص.