icon
التغطية الحية

"عام القمح" دون توقعات النظام.. أزمة الخبز في سوريا مستمرة

2021.04.24 | 06:56 دمشق

thumbs_b_c_67a8f4d2a2bbf96c91d344ad636b71eb.jpg
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن "عام القمح" الذي روج له النظام في مناطق سيطرته في سوريا منذ بداية الموسم الزراعي الحالي 2020/2021 لن يحقق الأهداف المرجوة منه في رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من المحصول الاستراتيجي الخاص بصناعة الخبز الحاضر دائماً على المائدة السورية، لذا فمن المتوقع أن تستمر أزمة "طوابير الخبز" لعام آخر وبشكل أكثر حدة في حال بقي النظام عاجزاً عن توفير الكميات المطلوبة من القمح وسد احتياجات الأفران من الدقيق، ويرجع فشل الخطة المفترضة إلى مجموعة عوامل.

شح الأمطار.. معدلات الأمطار أقل من نصف العام السابق

يرجع فشل خطة "عام القمح" والتي أطلقتها وزارة الزراعة في حكومة النظام إلى مجموعة من العوامل، أهمها انخفاض معدلات الهطولات المطرية والثلجية في مختلف مناطق النظام، وعموم المناطق السورية الخارجة عن سيطرته، ففي الزبداني في ريف دمشق وصل معدل الهطل المطري والثلجي للموسم الحالي إلى 400 ملم تقريباً في حين زاد المعدل في الموسم السابق عن 550 ملم، وفي عسال الورد وصل معدل الهطل إلى 290 ملم وهو أقل من المعدل في الموسم السابق بأكثر من 150 ملم.

ولم تصل كمية الهطولات في السويداء ومناطقها الرئيسية شهبا وصلخد والصورة الصغيرة إلى نصف كمية الهطولات في العام السابق، ففي صلخد على سبيل المثال وصل معدل الهطل للعام الحالي إلى 228 ملم بينما وصل في العام السابق إلى قرابة 489 ملم. أما في الناصرة في ريف حمص فوصل معدل الهطل للعام الحالي إلى 900 ملم تقريباً، وهو أقل من معدل العام السابق بأكثر من 200 ملم، وفي وادي العيون بريف حماة وصل معدل الهطل للعام الحالي إلى 1270 ملم في حين كان في العام السابق عند حدود 1700 ملم.

وفي حلب ودير الزور والرقة والحسكة لم تصل كميات الهطل المطري والثلجي في الموسم الحالي إلى نصف كميات الهطل في العام السابق، وبدا شح الأمطار في المحافظات الأربعة الأخيرة أكثر وضوحاً، وأكثر تأثيراً على إنتاجية محصول القمح باعتبارها محافظات تشتهر بهذا النوع من المحاصيل وتتوفر له فيها بيئة وتربة مناسبتان.

الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر يرى أن "النظام سيفشل في تأمين القمح بكميات أكبر من السنوات السابقة، فقد كان النظام يعول على زيادة مساحة الرقعة المزروعة بالقمح لضمان توفيره داخلياً وذلك لتخفيف استنزاف الدولار من جهة وتخفيف الضغط على الليرة السورية، ولضمان حل أزمة الطوابير أمام الأفران". وأضاف السيد عمر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن "خطة النظام تضمنت عدة إجراءات، أهمها فرض زراعة القمح على الفلاحين، إضافة لقيامه برفع سعر تسلّم القمح من الفلاحين من 550 ليرة إلى 900 ليرة، وهذه الإجراءات لم تكن كافية لضمان محصول جيد في ظل شح الأمطار، ولو كانت الخطة الزراعية جدية وتديرها مؤسسات نزيهة لكانت أكثر تنظيماً واهتمت بقطاع القمح المروي لأنه أكثر ضماناً وإنتاجاً".

وأشار السيد عمر إلى أن "الكميات القليلة المتوقع إنتاجها من محصول القمح لن يقوم المزارعون ببيعها كاملة للنظام هذا العام، فلم يعد لدى الناس أي ثقة بنظام عاجز عن توفير المواد الأساسية، لذلك سيسعى الفلاحون إلى تخزين أكبر كمية ممكنة من القمح للاعتماد عليها في صناعة الخبز المنزلي، ولأجل البذار وخوفاً من تكرار معدلات الأمطار المنخفضة العام المقبل، وربما لبيعها في السوق السوداء بأسعار أعلى لتغطية تكاليف الإنتاج المرتفعة التي دفعوها أثناء الزراعة، كما أن البيع في السوق السوداء بأسعار أعلى يغطي جانباً من خسارة المزارعين بسبب الإنتاج الضئيل".

السياسات الزراعية والفساد

عوامل أخرى أدت إلى الإخفاق المفترض للخطة، والتي تتعلق بفشل السياسات الزراعية، ومثالها نقص المبيدات والأسمدة وغياب الطاقة الكهربائية المشغلة لمحطات الضخ، وندرة الوقود الخاص بتشغيل مضخات آبار الري وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، وارتفاع كلفة الزراعة وهيمنة ميليشيات النظام وأمراء الحرب على مساحات كبيرة من أراضي المهجرين، وتهجير المزارعين وعمال المزارع والفساد المستشري في المؤسسات التابعة لوزارة الزراعة، ومخلفات القصف الجوي والبري لقوات النظام وروسيا وإيران والتي جعلت مساحات كبيرة خارج نطاق الاستثمار بشكل كلي وجزئي.

ريف حلب الجنوبي الشرقي

مصادر متطابقة في ريف حلب الجنوبي الشرقي قالت لموقع تلفزيون سوريا إن "تربة المنطقة من أكثر الترب موائمة لزراعة القمح المروي، وعندما أعلن النظام عن عام القمح وفرض على الفلاحين زراعته كمحصول رئيسي، حيث يستحوذ على أكثر من 80 في المئة من المساحة الكلية في المنطقة؛ كنا نتوقع أن يتم تشغيل محطات الضخ على نهر الفرات والتي رُمم عدد منها، لكنها لم تعمل بكفاية جيدة بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنها لفترات طويلة، أو بسبب نقص الوقود في محطات الضخ التي تعتمد على المولدات".

بلغت مساحة الأراضي التي زرعت بمحصول القمح في حلب 172 ألف هكتار من المحصول، منها نحو 106 آلاف هكتار مروي و 66 ألف هكتار بعل، والثانية لا يتوقع أن يغطي إنتاجها تكاليف الفلاحة والأسمدة والحصاد، وتتوقع مديرية الزراعية في حلب إنتاج كمية 365 ألف طن من القمح في الموسم الزراعي الحالي، وهي كمية مبالغ فيها مقارنة بحجم المساحة المزروعة ومستوى الإنتاجية المتوقع للهكتار الواحد.

انقطاع الكهرباء والمحروقات للسقاية

ريف الرقة الجنوبي

يشبه وضع الفلاحين في ريف حلب الجنوبي الشرقي وضع فلاحي مناطق ريف الرقة الجنوبي التي تعتبر امتداداً جغرافياً لها على الضفة اليمنى لنهر الفرات، فالمساحة التي زرعت بالقمح تبلغ نحو 170 ألف دونم مروي، وما تم زراعته بشكل فعلي هو 190 ألف دونم كان من المفترض أن تتم سقايتها من خلال الآبار ومحطة الضخ من نهر الفرات.

أهمها محطات ضخ نظام مغلة الواقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات (محطات ضخ مغلة والبوحمد والسويدة) كان من المفترض أن تروي أراضي مساحتها نحو (6000) هكتار إضافة إلى مساحة (5000) هكتار تروى من محطة الرقة الرئيسية. واجه الفلاحون مشكلة تأمين التيار الكهربائي لمحطات الضخ كون مصدر التغذية هو سد الفرات الخارج عن سيطرة النظام، وتم تأمين الوقود بكميات قليلة لسقاية المساحات الزراعية بواقع 4 ليتر لكل دونم في كل عملية سقاية، وهي كمية محدودة جداً.

السويداء

مصادر محلية في السويداء جنوبي سوريا قالت لموقع تلفزيون سوريا إن "المساحات المزروعة بالقمح وصلت إلى 44 ألف هكتار، أي بنسبة تنفيذ 100% لخطة عام القمح، ولا يتوقع أن يغطي الإنتاج تكاليف الزراعة، فقد شهدت المحافظة معدل هطول منخفض جداً مقارنة بباقي المحافظات، وبمعدل أمطارها في العام الماضي، وزاد الأمر سوءاً بعد وصول الجراد إلى السويداء والذي تسبب بتلف مساحات واسعة من القمح، يضاف إلى ذلك الإهمال الذي بدا متعمداً من جانب النظام من ناحية توفير الأسمدة والمبيدات الزراعية الخاصة بمحصول القمح، جميعها كانت عوامل كافية لكيلا يكون هناك محصول جيد، أو بإنتاجية مقبولة على الأقل".

ريف دير الزور الجنوبي

مصدر من الأهالي في ريف دير الزور الجنوبي قال لموقع تلفزيون سوريا إن "إنتاجية الدونم الواحد من القمح الذي قارب حصاده ستكون منخفضة جداً هذا العام بسبب عدم كفاية كميات السماد التي يحتاجها موسم القمح عادة، وارتفاع أسعار الأسمدة وتحكم التجار المحسوبين على الميليشيات الإيرانية بنقلها وبيعها ساهم في عدم حصول الفلاح عليها بكميات جيدة، ففي الوقت الذي كان يروج فيه النظام بأن هذا العام هو عام القمح كنا نجد أن أسعار مستلزمات الزراعة تحلق عالياً، وتتحكم بتجارتها مجموعة من التجار أمراء الحرب المرتبطين بالميليشيات الإيرانية، فعبوات عدد من المبيدات والأسمدة الورقية لزوم / 8/ هكتارات قمح تقدر قيمتها بـ / 432/ ألف ليرة سورية وهذا رقم كبير على الفلاح" وأضاف المصدر أن "الزراعة المروية كانت مكلفة هذا العام بسبب ارتفاع أسعار الوقود وفقدانه أكثر من مرة من الأسواق، يضاف إلى ذلك آفة الجراد التي وصلت إلى المنطقة والتي تسبب بتلف قسم من المحاصيل ومن بينها القمح".

أسراب الجراد وإهمال النظام

عندما وصل الجراد إلى دير الزور والسويداء قالت وزارة الزراعة التابعة للنظام إن الحديث عن أسراب جراد تغزو ريف دير الزور، فيه تهويل، وأكدت الوزارة أن الكشف الحسي الميداني على الحقول المصابة أظهر وجود مجموعات بسيطة من الجراد الصحراوي، وليست أسراباً كبيرة.

نفي الوزارة كذبه الواقع، وأجبرها على إصدار إحصائية خاصة بعمليات المكافحة المفترضة التي تقوم بها مديرياتها، وقالت "بلغ إجمالي المساحات التي تمت فيها مكافحة الجراد الصحراوي 5642 دونما حتى الآن، منها 70 دونما في حمص، و 150 دونما في دير الزور، و5422 دونما في السويداء، بينما ساعدت الرياح على إبعاد المجموعات القليلة التي ظهرت في درعا ولم تحتاج إلى مكافحة".

النظام مضطر لدفع ضعف المبلغ المتوقع

الباحث الاقتصادي رضوان الدبس قال لموقع "تلفزيون سوريا" إن "النظام كان سيحتاج إلى مليار دولار لتأمين حاجته من القمح في حال نجحت خطته (عام القمح) لكنه الآن قد يحتاج إلى ضعف الرقم من القطع الأجنبي بسبب توقعات فشل خطته وإنتاج كميات أقل من المتوقع من المحصول".

وأضاف الدبس "النظام كان يأمل أيضاَ في استجرار كميات القمح التي من المفترض أن تنتجها مناطق الجزيرة الواقعة تحت سيطرة قسد شمال شرقي سوريا لأنه سيشتريها بالليرة السورية، لكن آماله ذهبت أدراج الرياح بسبب شح الأمطار في الجزيرة وفشل السياسيات الزراعية في مناطق قسد".

قمح المعارضة وقسد

يبدو أن أطماع النظام في استجرار قمح المناطق الخارجة عن سيطرته لن يتحقق أيضاَ برغم رفعه سعر الشراء إلى 900 ليرة سورية للكيلو الواحد، لأن توقعات الإنتاج من محصول القمح في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية في الجزيرة وعموم مناطق الضفة اليسرى لنهر الفرات وفي مناطق المعارضة شمال غربي سوريا ستكون متدنية جداً، وفي الغالب لن يسمح بتدفق هذه الكميات المحتمل إنتاجها إلى مناطق النظام.

المهندس أحمد الكوان معاون وزير الزراعة والري في "حكومة الإنقاذ" في إدلب، قال لموقع تلفزيون سوريا إن المساحة المزروعة بمحصول القمح لموسم 2021 في إدلب ومحيطها على الشكل التالي:

مساحة القمح المروي 4507 هكتارات

مساحة القمح البعل 5281 هكتارا

وتقدر "الإنقاذ" أن يكون إنتاج إجمالي المساحة (9788 هكتارا)، 34 ألف طن قمح.

وأضاف الكوان: "انخفضت المساحة المزروعة بمحصول القمح لهذا العام نتيجة منافسة بعض المحاصيل الأخرى (حبة البركة – الفول) وذلك بسبب ارتفاع أسعار هذين المحصولين بشكل كبير قبل موعد الزراعة، وبسبب الهطول المطري الذي كان أقل من المعدلات السنوية والذي أدى أيضاً إلى نقص في تقديرات الإنتاج المتوقعة لهذا الموسم".

وحول خطة الشراء قال الكوان "سنوياً هناك خطة حكومية بالتعاون مع مؤسسة الحبوب لشراء إنتاج المحرر من القمح من المزارعين بأسعار مجزية تحقق الريعية الاقتصادية للمزارع".

وأضاف: "أما بشأن التصدير والتهريب إلى مناطق النظام، تقوم الجهات الحكومية بمراقبة خطوط التهريب لمنع أي تهريب لمادة القمح إلى مناطق النظام نظراً لحاجة المحرر لهذا المحصول الاستراتيجي".

مصدر مسؤول في هيئة الزراعة التابعة للإدارة الذاتية التابعة لقسد قال لموقع "تلفزيون سوريا" إن "معدلات هطول الأمطار وصلت إلى 140 ملم، بينما كان معدل هطول الأمطار في الأعوام السابقة يقف عند حدود 400 ملم، وهذا أحد أهم الأسباب في خسارة محصول القمح في الأراضي التي زرعت بعلاً، وسوف تعتمد الهيئة على مخزون القمح والإنتاج المتوقع من المساحات المروية لهذا العام في تأمين دقيق الخبز، ولن يسمح بتصدير أي كمية للنظام".