عام التحوّر والمتحورات

2022.01.01 | 14:49 دمشق

photo_2020-04-02_21-38-48.jpg
+A
حجم الخط
-A

انتهى عام 2021، وقد أرسل البشر إلى الفضاء درة إنجازاتهم تلسكوب "جيمس ويب" الضخم لاستكشاف أصل كونهم الفسيح، وهم الذين دخلوا عامهم هذا وقد فتك بهم فيروس بحجم "لا شيء" سموه كورونا، حتى أن عالم الرياضيات الشهير كيت ياتس حسبَ حجم جميع الفيروسات المسببة لكل الإصابات في العالم، واستنتج أنها يمكن أن تتسع بسهولة داخل علبة بيبسي واحدة!

تفشى هذا الفيروس -كورونا- في العام الماضي فاستحال وباءً، فجائحة وصبغ العام به، حتى صار 2020 عام الجائحة، وكما سنّة التأريخ سيحظى بالاسم والصفة، وبالضرورة سيُعرف ما قبله وما بعده به، فيكون 2021 عام ما بعد الجائحة، وكاد يمر دون صبغة أو هوية، لولا التحوّر، ليصبح 2021 عام التحوّر بعد أن صار للفيروس متحورات من أصله تتمايز عنه وراثيًا إلّا أنها لم ترتق لتصنف كسلالات، وبقيت متحورات عن أصل.

من السلالات إلى السياسات وللطرفين مع السوريين تاريخ بائس وحاضر بائس ومستقبل غامض يبدو بائسا في مداه القريب. يمضي العام ولم يحمل لهم سوى الاستمرار بمأساتهم على كل الأصعدة، فما زال أصل الداء موجودا قابعا في مكانه، وما تحوّر عنه وعن استبداده وسلالات إجرامه وغيه الأصلية كان أكثر سوءا. أعاد الأسد ونظامه هذا العام انتخاب نفسه مجددا رئيسا للحطام وجائحة مستمرة، وأعاد إرسال وفوده لكل المفاوضات والمباحثات، وأعادوا قول الكلام الممجوج ذاته، وإن حمل بعض التحوّر.

يمضي العام ولم يحمل لهم سوى الاستمرار بمأساتهم على كل الأصعدة، فما زال أصل الداء موجودا قابعا في مكانه، وما تحوّر عنه وعن استبداده وسلالات إجرامه وغيه الأصلية كان أكثر سوءا

أما على صعيد سلالات المواقف، فلم نشهد تحولات ولا جديدا. فالأميركي اجتر زهده، والأوروبي بدلته همومه ابتعادا وانكفاء، والعرب شهد عامهم مزيدا من تحوّر المواقف -وبعض المتحوّرات أشد فتكا- كأن ترسل الإمارات وزير خارجيتها الشيخ عبد الله بن زايد إلى دمشق ليستقبله بشار بالعناق الحميم، نسفا لكل ما قاله قبلا في سياق دعم السوريين المنكوبين بجائحة الأسد! والإمارات أصلا أعادت افتتاح سفارتها في دمشق قبل ثلاثة أعوام وأعادت العلاقات وطبعتها، وكما الإمارات، فعلت البحرين أخيرا بسفير فوق العادة كان ختام الموسم. أما الأردن، فهاتف الملك عبد الله الأسد، لبحث تعاونهما المشترك وإعادة فتح خطوط التجارة، وهو كان عراب العودة والحضن يوم حمل "خطة اللاورقة" إلى البيت الأبيض، وقال إن تغيير النظام هدف غير فعال!

في 2021 فتح سكرا، أو الماء كان يجري دون أن نشعر، لنشهد سيلا تدفق تجاه إعادة سوريا الأسد إلى الجامعة العربية، سعت مصر السيسي، تونس سعيّد، الجزائر وقبلهم العراق ولبنان، لذلك، وكأن بعض العرب اكتشفوا فجأة أن ثمة دولة تسعى لجامعتهم فأرادوا احتضانها ضاربين عرض كل حائط، تضحيات السوريين الجسام في سبيل كرامتهم وحريتهم ونضالهم ضد الجائحة التي عصفت بهم قبل عشرة أعوام وتحوّراتها، جائحة بدأت بالأسد ونظامه وجيشه فردا، وأصبحت اليوم ثلة من الأعداء المتحدين، روسيا وإيران وحزب الله وبعض إفرازات الحالة كداعش وأخواتها.

لم يكن عاما سعيدا للسوريين كما قبله وغالبا كالذي يليه، الأزمات كثرت، وحالة الجمود مستمرة مع نزيف الأرواح الذي لم ينقطع، سال دم في حوران قبل أن تطوى سيرتها وسيرتنا الأولى، ليبقى بعض الشمال يتيما، ونزيفه لم يتوقف ولم ينقطع.

الملف السياسي يقطر دما ويدور محمولا في الأروقة والأبهاء والغرف المغلقة دون نتائج سوى تحورات -وبعض المتحورات أشد فتكا- كأن يجتمع الناس في أستانا أو جنيف مرارا، ثم يتلو المبعوث الروسي ألكسندر لافرينتيف، البيان رقم واحد منقلبا على كل أسس ومحددات العملية! ليستمر الأسد المستمر وتستمر الجائحة.

هذا البيان فج وقح لكنه من أصل الموقف الروسي، وكأنه ليس إلا "أوميكرون الموقف". بالمناسبة "أوميكرون" تقرأ بالعربية بكامل حروفها، فهي تعني حرف (O) بالأبجدية اليونانية، وقد اعتمدت حروف هذه الأبجدية للتسمية، مثل ألفا، بيتا، جاما ودلتا.. وليس كما يعاملها البعض "أوميكرون" ككلمة فرنسية يشبه لفظها لفظ اسم الرئيس إيمانويل ماكرون، وهذا أيضا كان حاضرا في عامنا وأحداثنا لكن بتحورات عن أصل موقفه الرديء، فكما غطى حزب الله سياسيا وأخذ بيده ونجاه في قضية انفجار مرفأ بيروت، عاد ليستر عورة الحزب وأصدقائه عندما تدخل لحل مشكلة جورج قرداحي وطي الصفحة، وقدم مبادرة تلو مبادرة كلها لم تتعرض لأس الخراب ولا أساسه، فلم يجنِ لبنان سوى السراب، ولن يجني فالداء واحد والجائحة ممتدة، والسحاب الموبوء ممتد من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط، وقد صار في أحايين كثيرة أسود بسبب اعتداءات إسرائيل المحتلة، التي كانت سببها إيران المحتلة.. وكانت في 2021 كثيرة.

 لم يكن عاما سعيدا، وهذا الأصل في أعوام السوريين الأخيرة تشابهت بمأساويتها، ويبدو أن الجائحة ستستمر في بلادهم أعواما غير قليلة، وإن انتهت في العالم الجوائح.