icon
التغطية الحية

عاملان فرضا على المرأة السورية الانخراط في سوق العمل

2020.11.10 | 05:05 دمشق

alnsa_alamlat_fy_bldyt_hlb.jpg
نساء عاملات في بلدية حلب
حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

يشهد سوق العمل في مناطق سيطرة النظام إقبالاً متزايداً من قبل النساء اللواتي بدأن في دخول قطاعات عمل ومهن وحرف كانت سابقاً حكراً على الرجال، وهو تحول فرضه الواقع الديموغرافي المستجد على المجتمع السوري، والذي أسس له النظام منذ بداية حربه على الثورة السورية في العام 2011، كما أن الواقع الاقتصادي المتردي لعب دوراً مهماً في دفع أعداد أكبر من النساء للانخراط في سوق العمل.

يبدو إقبال المرأة السورية المتزايد على العمل إيجابياً من ناحية الشكل العام لكنه يخفي خلفه معاناة حقيقية تعيشها غالبية النساء العاملات، وتتلخص الصعوبات التي يعانين منها في نوعية الوظائف والمهن التي تتطلب جهداً عضلياً ونفسياً كبيرين، والبقاء لوقت طويل خارج منازلهن، والمخاطر المترتبة على ذلك، بالإضافة إلى معدلات الأجور المنخفضة وعدم امتلاك الكثيرات منهن للخبرات والمؤهلات المطلوبة للحصول على الوظائف، وصعوبة الحصول على وظيفة في القطاع العام بدون دفع رشاوي للوسطاء و "السماسرة"، واستغلالهن في القطاع الخاص وغياب القوانين التي تضمن حقوق المرأة.

العامل الديموغرافي وعمل السوريّات

نظرة سريعة إلى الأسواق والجامعات ووسائل النقل وسوق العمل وغيرها من ميادين الحياة اليومية في مناطق سيطرة النظام تظهر مدى التغير الواضح في التركيبة الديموغرافية للبلد، فنسبة الإناث مقابل الذكور شهدت تغيراً كبيراً خلال العقد الماضي، وبحسب تقديرات غير رسمية تجاوزت نسبة الإناث في المجتمع السوري النصف، في حين كانت النسبة للإناث أقل من 48% قبل العام 2011، بفارق نقطتين لصالح فئة الذكور.

وزير الاقتصاد والمالية في الحكومة السورية المؤقتة، الدكتور عبد الحكيم المصري، قال لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "حضور النساء الطاغي في التركيبة الديموغرافية السورية، وبالتحديد في المجتمع السوري الذي يحكمه النظام يرجع إلى مجموعة من الأسباب والعوامل، وأهمها تلك التي تتعلق بشكل مباشر بسياسات النظام، كالاعتقال والقتل والتجنيد، والتي كان لها الدور البارز في تغييب الجزء الأكبر من فئة الذكور".

وأضاف الوزير المصري، أن "عوامل أخرى كالملاحقة الأمنية والقمع والتجنيد القسري وغياب مبدأ تكافؤ الفرص جعلت من مناطق سيطرة النظام مناطق طاردة لهذه الفئة بالتحديد، وبالتالي فإن غياب/موت المعيل "الأب، الأخ، الزوج، الابن" فرض على شريحة واسعة من النساء تحمل مسؤوليات جديدة والنزول إلى سوق العمل لإعالة أسرهن، ويضاف إلى مجموعة العوامل التي كان للحالة الديموغرافية دور في زيادة نسبة النساء العاملات" عومل أخرى وفق الوزير المصري أسهمت في زيادة نسبة النساء العاملات "كانخفاض معدلات الزواج وارتفاع نسب الطلاق والعنوسة، بالإضافة إلى عوامل تتعلق بالتغييرات الطارئة على ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع السوري والتي سمحت للمرأة بالانفتاح أكثر على سوق العمل، وممارستها لمهن وحرف كانت ممنوعة عنها سابقاً".

يكاد لا يخلو شارع في حلب من البائعات المتجولات، سيدات بأعمار تتراوح بين 40 و60 عاماً يبعن المناديل والكمامات والسجائر، وينتظرن عند مواقف السيارات لعرض بضائعهن على السائقين والمارة، بينما تفضل نسوة أخريات عرض بضائعهن على "البسطة"، وهي بضائع بكميات أكبر وتكون عادة مؤناً غذائية مصنوعة في المنازل (رب البندورة والمخلل والزيتون ومشتقات الألبان المشغولة يدوياً والتوابل) بالإضافة للسجائر والمناديل وألبسة الأطفال الرخيصة، المشهد يتكرر في أحياء الشعار وسد اللوز والزبدية وسيف الدولة ووسط المدينة القديمة وفي عموم أحياء حلب.

تفضل النساء الأصغر سناً العمل في وظائف برواتب محددة، كنادلات في المطاعم والمقاهي وعاملات في المكاتب التجارية ومكاتب السفر ومندوبات مبيعات وغيرها من قطاعات العمل الخاص، وتتوجه يومياً المئات من النساء العاملات من أحياء حلب إلى الشمال نحو المدينة الصناعية والتي باتت تشكل النساء فيها الغالبية العظمى من القوة العاملة، والمحظوظات من النساء يتمكن من الحصول على وظيفة بعقد مؤقت في البلدية، كما في بلدية حلب التي توظف النساء لأعمال التعشيب الطرقية والحدائق والنظافة، وجرت العادة أن تحصل النساء على وظائف العقود لدى مؤسسات النظام الخدمية عن طريق "السماسرة" مقابل مبالغ مالية محددة.

تعيش سلوى مع أطفالها في أحد أحياء حلب الشرقية، قتل زوجها في قصف لقوات النظام في العام 2014، ومنذ ذلك التاريخ تضطر سلوى للعمل من أجل إعالة أطفالها، تقول لموقع "تلفزيون سوريا"، إنها " تنقلت بين عدة أعمال ووظائف في القطاع الخاص، وأنا اليوم أعمل في مصنع في المدينة الصناعية بدوام 8 ساعات، مقابل أجر شهري يصل إلى 60 ألف ليرة سورية" وتضيف سلوى، بأنها تنتظر أن يكبر ولدها البكر لكي يحمل عنها مسؤولية الأسرة، لكنها في الوقت نفسه تخشى أن تخسر ولدها لصالح تجنيده في قوات النظام والمليشيات.

العضو في المجلس الاستشاري النسائي لمكتب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، الدكتورة ندى أسود، قالت لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "انفتاح المرأة على سوق العمل ترافق أيضاً مع زيادة كبيرة في نسبة استغلالها، وقبولها العمل في ميادين وقطاعات ينكرها المجتمع"، وبحسب الدكتور أسود "شهدنا تغيراً في بنية المجتمع السوري خلال العقد الأخير، التوزع والانتشار الديموغرافي واختلاط الناس بعاداتهم وتقاليدهم بسبب التهجير والنزوح قلل من أهمية الرقابة الاجتماعية، وبالتالي تخلصت المرأة من تلك القيود وقبلت بأعمال ومهن على حساب كرامتها، ما سهل استغلالها من رب العامل أو المؤسسة والشركة التي تعمل فيها".

الامهات العاملات في النقل البري بحلب.jpg
الأمهات العاملات في النقل البري بحلب

 

تأثير العامل الاقتصادي على عمل المرأة السورية

لم يعد سوق العمل في مناطق النظام يستقطب النساء المعيلات (زوجات المعتقلين والقتلى والفارين من الخدمة العسكرية) وحسب إنما بات قبلة أيضاً للنساء من مختلف الشرائح الاجتماعية بسبب الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه غالبية الأسر السورية في مناطق سيطرة النظام، وعدم كفاية الرواتب لسد احتياجات أسرة بعدد أفراد متوسط لا يزيد على 5 أشخاص.

يرى الوزير المصري، بأن "العامل الاقتصادي برز بشكل واضح خلال العامين الماضيين وهو ما دفع بأعداد كبيرة من النساء إلى سوق العمل، حيث لم يعد في إمكان رب الأسرة تحقيق كفاية أطفاله وتأمين مستلزماتهم الأساسية وكان لابد للأم أن تعمل ليتم تغطية المصاريف المتزايدة ولو بشكل جزئي"، ويضيف الوزير المصري، أن "الرواتب للعاملين في قطاعات حكومة النظام لا تزيد على 60/70 ألف ليرة سورية والمبلغ يعادل 25 دولاراً أميركياً تقريباً، ولا يمكن أن يغطي مصاريف المعيشة لأسبوع واحد من الشهر وذلك بسبب فقدان الليرة السورية قيمتها الشرائية والارتفاع الجنوني للمواد والسلع الأساسية التي لا يمكن العيش بدونها".

ويضيف الوزير المصري، أن "خيارات العمل المناسب أمام المرأة السورية في الوقت الحالي محدودة والفرص قليلة جداً، الأمر الذي دفعها لمزاولة مهن وأعمال شاقة لا تتناسب مع طبيعتها، ولهذا انعكاس سلبي على الأسرة السورية ستظهر نتائجه لاحقاً، من ناحية تربية الأطفال والآثار النفسية التي ستترتب على غياب الأم عن منزلها، بالإضافة إلى المعاناة والقلق والأمراض النفسية التي ستعاني منها المرأة بسبب ضغوط العمل".

الناشط الصحفي يحيى مايو، يرى بأن "نسبة النساء العاملات في المدن السورية الكبيرة، كحلب ودمشق كبيرة جداً، ويعود السبب الى أن المدينتين يسكنهما الجزء الأكبر من السوريين في مناطق سيطرة النظام"، ففي حلب وفق مايو ينقسم المجتمع المحلي إلى فئتين، الأغنياء وهم فئة قليلة مقارنة بالفقراء، وهي الفئة التي تشكل السواد الأعظم من سكان المدينة التي لم يعد فيها أي وجود للطبقة الوسطى، ويرجع ذلك وفق مايو إلى "تضرر القطاع الصناعي كالمشاغل والورش الصغيرة والتي كانت تستوعب جزءاً كبيراً من اليد العاملة، وبالتالي خسارة مصادر دخل لأعداد هائلة من المعيلين، وهنا اضطرت المرأة للعمل لتسد مكان رب الأسرة العاطل عن العمل".

العضو في المجلس الاستشاري النسائي لمكتب المبعوث الخاص إلى سوريا، الدكتورة ندى أسود، قالت لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "العامل الاقتصادي من أهم العوامل التي دفعت المرأة السورية إلى الانخراط في سوق العمل، فالنسبة القليلة المتبقية من الرجال في الغالب فقدوا وظائفهم بعد أن توقفت الكثير من أعمال القطاع الخاص، وفشل القطاع العام في توفير وظائف جديدة، في حين بدت فرصة المرأة بالعمل أكبر من الرجال بأعمال منزلية ومهن رائجة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي".

وتشير الدكتورة أسود إلى أن "المرأة السورية في مناطق سيطرة النظام أصبحت ضحية استغلال مؤسسات النظام الفاسدة، فالوظائف لا يمكن أن تحصل عليها المرأة بدون مقابل مالي مثلاً للمسؤولين عن التوظيف، وبالعادة يتم احتكار فرص العمل بفئة مقربة من فروع النظام الأمنية والعسكرية في حين تبدو فرصة التوظيف للنساء اللواتي لا يملكن واسطة مثلاً أقل كثيراً".

سيدات الاعمال في غرفة صناعة حلب.jpg
سيدات الأعمال في غرفة صناعة حلب

 

دور منظمات المجتمع المدني في عمل المرأة السورية

عوامل أخرى ساهمت إلى حد كبير في زيادة نسبة عمالة المرأة السورية، أهمها وفق الدكتورة أسود: "فشل منظمات المجتمع المدني في مساعدة المرأة، والكثير منها أصبحت تتبع أجندات الداعمين، وتعمل بإشراف مباشر من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ولذا رأينا كيف كان توجه الأعمال والمشاريع المدنية لا يخدم سوى شريحة ضيقة محسوبة على النظام في حين يبقى السواد الأعظم من العائلات، والنساء تحديداً بدون أي مساعدة".

وتضيف الدكتورة أسود، أن "بعض منظمات المجتمع المدني أصبحت وجهاً آخر لاستغلال المرأة السورية، فبدل أن تساعدها أصبحت هي من تستغلها من حيث الشروط والوظائف التي توكل إليها والتي تخدم رؤية مدير أو الجهات الداعمة".

 وبحسب الدكتورة أسود، كان للجمعيات الخيرية الأهلية دور كبير في مساعدة العائلات الفقيرة، وهي مؤسسات غير رسمية كانت مدعومة من قبل تجار ورجال أعمال سوريين، هم اليوم في معظمهم خارج سوريا، وهذه الجمعيات أغلقت أبوابها إما لغياب الداعمين أو بقرار من الفروع والجهات الأمنية التابعة للنظام.

وترى الدكتورة أسود، أن "انحسار دور المؤسسات والقطاعات الحكومة لصالح القطاع الخاص المحسوب على تجار الحرب وقادة المليشيات التابعة للنظام ساهم إلى حد كبير في استغلال المرأة السورية، وخلق مهناً وأعمالاً مستجدة على المجتمع السوري، وأصبحت هذه الأعمال رائجة وتدر أموالاً طائلة على المشغلين، كقطاع الدعارة وتجارة الجنس، وهو أحد أبشع أوجه استغلال المرأة السورية في مناطق النظام".

 

ورشة تدريبية للنساء في حلب - منظمات مجتمع مدني.jpg
ورشة تدريبية للنساء في حلب - منظمات مجتمع مدني