icon
التغطية الحية

عامان على مقتل قاسم سليماني.. ماذا تغير في المشهد الإيراني؟

2022.01.03 | 04:50 دمشق

soleimani.jpg
إسطنبول - تيم الحاج
+A
حجم الخط
-A

لم يحتج غياب قاسم سليماني عن المشهد الإيراني وتشعباته وقتا طويلا كي نعرف حجم الأثر الذي يخلفه هذا الغياب، فقد ألقى بظلاله سريعا منذ الأسابيع والأشهر الأولى له، ففيه تبنت إيران رسميا قصف قواعد أميركية وفيه أيضا قُتل أكثر من 160 مسافرا كانوا على متن طائرة أوكرانية كان حظها التعيس قد جلبها في سماء طهران التي كان ساستها يتحيزون لحظة "الانتقام" لسليماني فأصابها صاروخ من سلاح "الحرس الثوري" وفق اعترافات قيادته.

تعكس الأحداث المتسارعة التي جرت بعد مقتل سليماني حجم هذا الرجل وتجذر نفوذه ومكانته في النظام الإيراني الذي لا شك أنه بات أضعف بعده، وفق مراقبين، فهو لعب لسنوات طويلة دور العنكبوت في نسج خيوط تغلغل نظام الملالي في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن، ومقتله يعني الإضرار بهذه الشبكة المعقدة.

وبعد مضي عامين على مقتل قاسم سليماني بصاروخ من طائرة أميركية مسيرة في مطار بغداد، هذه العاصمة التي لها الوزن  الكبير عند إيران، فهي بوابتها إلى سوريا ولبنان، كان لابد من مراقبة الحدود التي وصلها أثر غياب الجنرال الإيراني على عدة مستويات.

في سوريا.. لم توجد قوى تستفيد من مقتل سليماني ميدانيا

الباحث في مركز "عمران للدراسات" نوار شعبان، يؤكد في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن مقتل سليماني أثّر على المنظومة الأمنية والعسكرية في إيران، ويضيف شعبان المهتم برصد تحركات الميليشيات والجماعات المسلحة في سوريا، أن الفترة الأولى التي تلت عملية القتل شهدت تخبطا في هيكلية الميليشيات الإيرانية وخاصة في دير الزور.

وكان عنوان هذه الفترة "عدم الثقة بالمحليين" وفق شعبان، الذي يشير إلى حصر السلطة بيد الميليشيات الأجنبية فقط، إذ كان هناك تخوف من الجانب الإيراني من حدوث انقلاب من العناصر المحليين المنتسبين ضمن  ميليشياته، معتبرا أن هذا الموقف مازال سائداً حتى اليوم بمعنى  أن إيران لديها ثقة عمياء ومطلقة بكل المقاتلين الأجانب  (غير السوريين) في المقابل هي لا تأمن من البندقية التي يحملها المنتسب السوري في صفوفها.

ويقول شبعان إن طهران كان عليها التأقلم مع سياسة جديدة بعد غياب سليماني عن المشهد،  وهذه السياسة  تختلف باختلاف الجبهات في سوريا وكانت تتركز فقط على المسؤوليات والمهام، إذ باتت تعطي المسؤوليات إلى القيادات الأجنبية.

ولأن مقتل سليماني ترك فراغا أمنيا وعسكريا، لا يمكن سده بتعزيز أمني وعسكري آخر، وفق شعبان، الذي يقول إن إيران لجأت إلى  تعزيز دور ميليشياتها  "إنسانيا وفق التفكير الإيراني"  لجهة توزيع مساعدات إقامة مسابقات ورحلات وما إلى ذلك من أساليب.

ويؤكد شعبان أن تغييب سليماني عن المشهد في الحالة السورية لم يؤثر على نفوذ إيران ميدانيا لأنه لا توجد دول وقوى ممكن أن تنافس إيران في الوقت الراهن،  ولأن ميليشيات إيران تنتشر في مناطق في الأساس فيها فراغ أمني وعسكري هي من تشغله.

ويردف أن القتل كان له أهداف في جعبة أميركا تتجاوز الحالة السورية لذلك لم نجد له أثر بالغ على صعيد السيطرة العسكرية على سبيل المثال، كما كان لإيران خلال العامين الماضيين الوقت الكافي لترتيب مشهدها في سوريا دون سليماني وقد تمكنت من ذلك.

j-kh-s-13234132317745454.jpg

في العراق.. خلل في سيطرة إيران على قرار بغداد

تسلم مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء في العراق بعد أشهر قليلة من مقتل سليماني وهي الفترة التي عين فيها المرشد الإيراني، علي خامنئي، خليفة لسليماني ووقع اختياره على إسماعيل قاآني.

ومنذ لحظة مجيئه إلى رئاسة الوزراء سلك الكاظمي طريقا أكثر استقلالية عن طهران مخالفا من سبقه من ساسة العراق إيرانيي الولاء. كـ نوري المالك وحيدر العبادي، وأعرب مرارا وتكرارا عن تصميمه على احتواء ميليشيا "الحشد الشعبي" بصفته قوة خاضعة للنفوذ الإيراني في العراق، وأصبح نفوذ الحشد وتنقله خلال رئاسة الكاظمي في العراق وقيادة قاآني لـ "فيلق القدس" أضيق بشكل كبير، على الرغم من أن الحشد لا يزال لاعبا مهما في المعادلة الأمنية السياسية العراقية، لا سيما في سياق التوترات بين إيران والولايات المتحدة.

وظهر نفور إيران منه جليا عبر تعرض سليماني لمحاولة اغتيال في تشرين الثاني 2021 في منزله، من قبل جماعات موالية لطهران وفق عدة معطيات، في حين ما زالت نتائج التحقيق الأولية الرسمية تحاول الابتعاد عن اتهام أي جهة تجنبا لجدل سياسي في بلد دخل مؤخرا نفق المظاهرات والمظاهرات المضادة بشأن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي منيت فيها الكتل النيابية التابعة لإيران بخسارة كبيرة.

وعلى ضوء هذه الخسارة وما تبعها من نزاع مسلح بين قوى حكومية وميليشيات من "الحشد الشعبي" يزداد عدد أصابع الاتهام التي توجه للجماعات الموالية لإيران بالوقوف وراء محاولة اغتيال الكاظمي.

 

أثره على مشروع التوسع الإيراني عربياً:

لا يختلف اثنان على أن سليماني يعد من أهم قادة "الحرس الثوري"، على الرغم من أنه لم يكن القائد العام للحرس، إلا أنه من الواضح أنه كان أكثر أهمية وتأثيرا داخل هذا الكيان العسكري وخارجه.

فقد كان أهم لاعب للنظام الإيراني في الشرق الأوسط، متقدما بفارق كبير على وزارة الخارجية، وقد عكس غيابه عن ملفات الشرق الأوسط الضعف الذي يتمتع به خليفته  قاآني، الذي يبدو أنه لم يقدر بعد على ملء فراغ سليماني في الشرق الأوسط، وفق تقارير صحفية.

وسبق أن أعلن النائب السابق لقائد "الحرس الثوري" الإيراني، باقر ذو القدر، أن "الحرس الثوري" الإيراني لم يكن له دور سوى الدعم واللوجستيات لـ "فيلق القدس"، وأن القيادة العملياتية للفيلق كانت في الواقع مع سليماني والمرشد علي خامنئي.

ويصف أحد المسؤولين الإسرائيليين، في حديث لمجلة "نيوزويك" الأميركية عن غياب سليماني بأنه "حدث كان له حتى الآن آثار مهمة على الاستقرار الإقليمي".

ويؤكد أن مقتله خلّف فجوة في قدرات المحور الإيراني لم يتمكنوا حتى الآن من سدها سواء من الناحية الاستراتيجية أو حتى على مستوى العمليات، وأن غياب سليماني أضاف صعوبات للإيرانيين لإنجاز المهام، بما في ذلك تهريب الأسلحة وتخزينها في سوريا لأن دوره الشخصي كان محوريا في تنسيق هذه العمليات.

 

20886673-63cd-4f1a-aef2-ae28c0386b30-Day_in_pictures_Jan._3_2020_002.jpg
السيارة التي كان سليماني فيها

كيف قتل سليماني؟ هل من اختراق داخل "الحرس الثوري"؟

أنهى صاروخ أميركي حياة قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، فجر يوم الثالث من كانون الثاني عام 2020، وقد كان في ركبه رفيقه وصديق عمره كما يصفان بعضهما  القيادي في  ميليشيا "الحشد الشعبي" العراقي، أبو مهدي المهندس، وعدد من القادة الإيرانيين والعراقيين بينهم صهر سليماني، وقد كانوا عائدين من دمشق وانفجرت سيارتهم في محيط مطار بغداد الدولي.

وتحدثت وسائل إعلام عديدة عن وجود اختراق في الشبكة المحيطة بسليماني، ووفق شبكة "أن بي سي نيوز" الأميركية فإن إسرائيل ساعدت الولايات المتحدة في العملية التي أدت إلى مقتل سليماني عبر تزويد الأميركيين بمعلومات استخبارية مهمة.

وأشارت الشبكة إلى تلقي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أي"، معلومات من مخبرين في مطار العاصمة السورية دمشق، بشأن موعد إقلاع طائرة سليماني المتجهة إلى بغداد، والاستخبارات الإسرائيلية ساعدت في تأكيد التفاصيل.

وأوضحت بقولها إنه "عندما هبطت طائرة تابعة لخطوط أجنحة الشام من طراز إيرباص A320 أكد عملاء أميركيون في مطار العراق الرئيسي، الذي يضم عسكريين أميركيين، مكانها بالضبط".

على إثره حلقت ثلاث طائرات أميركية في المجال الجوي العراقي الذي يسيطر عليه الجيش الأميركي بالكامل فوق موقع الطائرة، وتعقبت سليماني وهو يخرج من الطائرة ويستقل سيارة، قبل استهدافها بأربعة صواريخ هيلفاير.

وسائل إعلام إسرائيلية، ذكرت في اليوم التالي للعملية، أن وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، أطلع رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو في وقت مبكر على الخطط الأميركية لاغتيال سليماني.

وقال موقع "تايمز أوف إسرائيل" إن بومبيو اتصل هاتفيا بنتنياهو مطلع كانون الثاني 2020، لشكره على دعم إسرائيل للجهود المبذولة لمحاربة إيران، بعد الهجوم على السفارة الأميركية في العراق، وقبل مغادرة نتنياهو إلى أثينا في صباح يوم العملية، ألمح للصحافة أن "أشياء مثيرة جداً" تحدث في المنطقة، وصرح للصحفيين في مطار بن غوريون الدولي "نحن على اتصال مستمر مع صديقنا العظيم الولايات المتحدة، وبعدها بساعات، قُتل سليماني ومن معه.

من جهته، يرى مدير مركز "إدراك للدراسات والاستشارات" باسل حفار، أن مقتل سليماني انعكس على دور الحرس الثوري (المافياتي) في المنطقة، إذ شكل مقتله انتقالة إلى الدور الأصلي المنضبط بالقرار المركزي من إيران وفق هرمية "الحرس الثوري" المرتبطة بالدولة الإيرانية وهو مطلب بلغ أوجه في الأوساط الإيرانية الداخلية قبل أي طرف آخر داخلي أو خارجي

لذلك لن أتفاجأ لو تبين مستقبلاً أنَّ مقتل سليماني على يد أميركا كان بتعاون من جهات داخلية إيرانية.