icon
التغطية الحية

عالَم الكتب المصوّرة والأطفال.. مقاربة أولية

2022.05.14 | 08:50 دمشق

tfl_qrat.jpg
طفلة تقرأ (لوحة: جورج برنارد أونيل)
+A
حجم الخط
-A

إذا وضعنا أمامَ الطفل كتاباً مقترناً بالصور أو مجلة، وآخرَ من دون صور، فلا شك أنه يمدُّ يدَهُ للأول. أعرف هذا من طفولتي، وطفولةِ أولادي، ومن خلال علاقتي الطويلة الحميمة مع أجيال الأطفال. ما السبب؟ وما الأبعاد المتعلقة بهذا الموضوع؟ هذه مسألة تقتضي التقصي والإفاضة، لكنني سأكتفي بمقارَبةٍ صغيرة يسمح بها حجم المقال.

يمكن القول في البداية: إنَّ الطفل المولود حديثاً لا يثير الكتاب لديه أيَّ اهتمام، وهو لا يعنيه في شيء. إنه جزء من هذا العالَم المبهم المحيط به.. عالم يبعث فيه الحيرة والارتباك والقلق، فيلوذ بصدر أمه حيث الاطمئنان والدفء والألفة.

غيرَ أن الكتب المصوَّرة تستطيع أن تجد لها مكاناً -ولو صغيراً- في عالَم الأطفال الذين يقتربون من سنتهم الأولى، فتبدأ أولاً بجذب أبصارهم، ثم تعيينهم في عملية "الاستكشاف (بأن تقدم للطفل صوراً مبسَّطة وأكثر سهولة في الاستيعاب عن العالَم الخارجي)"(1).

ويرى علماءُ نفس الطفولة أن المحبة التي يبديها طفل من هؤلاء نحو كتاب مصوَّر ليست مؤشراً كافياً إلى أنه استطاع أن يتعرف مضامينَ الصور الواردة في الكتاب، لكنَّ السبب في الأغلب يتركز في أنه انجذب إلى ذلك الكتاب من خلال الجو الأليف المبهج الذي رآه فيه، كأن يكون في حضن أبيه أو أمه، أو أنَّ الكتابَ ظهر بجانب دمية يحبها، أو أنَّ أخته فتحتْ له صفحاتِه وهي تداعبه وتبتسم(2).

وتدريجياً تتطور العلاقة بين الطفل والكتاب، ويمكنها أن تصعد أو تهبط، وتكون مفيدةً فائدةً عميقة أو سطحية من خلال اهتمام المربين بها وإدراكهم لطبيعة الكتب التي تلائم كلَّ مرحلة عمرية من مراحل الطفولة، وكيف تُقدَّم إلى الأطفال، وكيف نساعدهم في الاستفادة منها، ونزرع في نفوسهم الرغبة في التواصل مع كتب أخرى.

أهمية الكتب المصوَّرة ومردودها التربوي

لكي يبني المربُّون والمربيات علاقةً صحيحة بين الطفل والكتاب لا بد لهم من أن يكونوا مقتنعين هم أولاً في قرارة نفوسهم بما يمكن أن يقدمه الكتاب للطفل، وسأقتصر في حديثي على أهمية الكتاب المصوَّر، لأنه موضوع هذا المقال:

1- إنه نافع في عملية استكشاف العالَم الخارجي التي سبقت الإشارة إليها. هذا الاستكشاف يكون محدوداً عند الأطفال الصغار جداً، فهو لا يتجاوز بالنسبة إليهم بعضَ الخطوط الأولية لما يرونه في الصور من الأشخاص والأشياء، ثم يتحسن الاستكشاف بعد ذلك، وتنتج عنه معرفة أولية بتمييز الأجزاء وارتباطها بموضوع واحد، فالطفل يستطيع عندئذ أن يلاحظ أن الوجه مثلاً فيه عينان وأنف وفم، وهو متصل ببقية الجسد الذي يراه في الصورة، وأنَّ كل جسد يجب أن يكون له وجه وأعضاء أخرى.

2- يستطيع الكتاب المصوَّر أن يسهم في تشكيل ودعم مخزون الذاكرة عند الأطفال في مختلف أعمارهم، وقد تبيَّن أنَّ مَنْ هم في مرحلة الطفولة الأولى يفضِّلون -من خلال الكتب– أن يستعيدوا بعضَ ما رأوه خارج البيت وهم في صحبة أمهاتهم من الأشياء والحيوانات والبشر، ويرغبون في أن يتذكروا أسماءها.

3- تسهيل عمليتي القراءة والكتابة، فاقترانُ الكلمة بالصورة في الكتب المصورة المخصصة للتعليم يعني ارتباط الدال بالمدلول بشكل واضح، وعند الحاجة إلى استرجاع ما تعلمه الطفل يبدو الأمر هيناً، ولأضرب مثالاً.. فكلمة: (تفاحة) المكتوبة تحت صورة هذه الفاكهة تصبح مفتاحاً لاستحضار الصورة حتى فيما بعد حصة التعليم، وصورة التفاحة أو رؤيتها رؤية واقعية في صحن الفاكهة مثلاً تصبح مفتاحاً كذلك لاستحضار الكلمة، وهذا يخفف على المعلم أو المعلمة عبء التكرار التعليمي من جهة، ويمنح الطفل ثقة بنفسه، لأنه تعلم بيسر من جهة أخرى، ويقال الشيء نفسه في تعليم مبادئ الحساب والعلوم من خلال الكتب المصورة.

4- في الأعمار ما بين (3- 7) يتمكن الأطفال بفضل نمو مداركهم من فَهْمِ ما تشير إليه الصور من الحوادث، ويمكنهم بالتالي أن يتابعوا (سيناريو) قصة بسيطة، مما يمنحهم  تسلية ومتعة جديدة، وينمي لديهم شيئاً فشيئاً قدرات التعبير عن تجاربهم الذاتية، كما أن ذلك يقدم غذاءً أولياً للخيال، وبدايةً لمحاورة الذات.

خصائص الكتاب الطفلي المصوَّر

يتصف هذا الكتاب بمجموعة خصائص يجب أن تتوفر فيه ليكون صالحاً للأطفال وقادراً على تحقيق الفوائد المشار إليها في الفقرة السابقة، وتلك الخصائص ثمرة لدراسات نفسية سبرتْ سيكولوجية الأطفال لمعرفة ما يحتاجون إليه في كتبهم المصوَّرة، وهي أيضاً حصيلة للخبرات المتراكمة في هذا المجال عند الدول المتقدمة تربوياً، ومن أهم هذه الخصائص:

  • جودة الورق المستخدم في الطباعة بحيث تظهر عليه الأشكال والألوان بوضوح من دون ظلال طارئة أو بُقعٍ تفسد الدلالة، وبلغ من اهتمام بعض الدول في هذا الجانب أنهم يخصصون لكتب الأطفال ورقاً يمكن أن تُزال عنه بالمسح مثلاً آثار الأصابع اللزجة الملوثة بدبق السكاكر وغيرها.
  • اختيار الألوان القادرة على جذب عيون الصغار كالأحمر، والأخضر، والأزرق، وسواها، وقد قيل: إن اللون بحد ذاته هو لغة عند الأطفال، ولا يكفي طبعاً اختيار اللون، وإنما يُشتَرط انسجامه مع الموضوع الذي تقدمه الصورة.
  • كتابة الكلمات المرافقة للصور ضمن قياس يستطيع الطفل من خلاله ملاحظة اتصال الحروف ومن دون التلاعب بأشكالها، إذ إن التلاعب لهدف جمالي محض قد يوقع الصغار الآخذين في تعلم القراءة في الحيرة والالتباس، ومن الضروري أن يكون موقع الكلمات من الصور (فوق أو تحت) مناسباً لا يطغى على جزء من أجزاء الصورة، ولو حدث مثلاً أن كلمة حجبتْ عينَ الأرنب في صورة ينظر إليها الصغار لتألموا من أجله كثيراً، لأنهم سيعتقدون أنه فَقَدَ تلك العين!
  • العناية الفائقة بالإخراج العام للكتاب بحيث يكون جميلاً، أنيقاً، مغرياً جداً للطفل بمجرد وقوع عينه عليه، وفي بعض دول الاتحاد الأوروبي وأميركا واليابان توصلوا إلى ابتكار كتاب جديد يخص صغارَ الأطفال يمكن أن نطلق عليه مصطلح (الكتاب/اللعبة)، فالطفل مثلاً عندما يفتح صفحته الأولى يقفز في وجهه بلبل ملون مصنَّع من الكرتون بكامل تكوينه، فيضحك الطفل ويبتهج، ويزداد تفاعلاً، وفي الصفحة الثانية يطلع له صديقه الأرنب أو سواه من الحيوانات المحببة إليه.
  • ومع هذا كله أو قبله يراعى مضمون الكتاب، وما ينطوي عليه من قيم التعليم والتربية والخبرات الحياتية التي يمكن أن يقدمها للصغار، وينبغي الالتفات في تلك الخبرات إلى الجوانب السعيدة المشرقة لتعزيز التفاؤل وحب الحياة في نفوس النشء الصغير.

 


(1)(2) نيكولاس تاكر- الطفل والكتاب – ص 47-48