عالم لا يخربه كل هذا القهر والوجع لا يستحق الاستمرار

2019.12.31 | 13:39 دمشق

dhaya_alqsf.jpg
+A
حجم الخط
-A

من الواضح أن الكثير من الأزمات والمآسي التي عرفها العام 2019 كان قد ورثها عن أسلافه، وكما يمكن أن نستنتج دون عناء فهو سيورثها لخلفه 2020، وبالرغم من أن الجميع سيتمنى للجميع عاماً سعيداً، فإن الأمنيات في عالم العرب غالباً ما تبقى مجرد أمنيات ليتم ترحيلها من عام لعام. 

وبالرغم من التركة المثقلة بالمآسي والآلام للعام الراحل، فإن ذلك لم يمنع الكثيرين من ممارسة طقوس استقبال المولود الجديد بكل ما تقتضيه من تجاهل لكل شيء، فالفلكيون جهزوا عدتهم وبدأت توقعاتهم باكتساح الشبكة العنكبوتية من برج الحوت إلى العقرب إلى أخبار كوكب نبتون وعطارد، وكما كل عام يوجد الكثير من الجمل الغامضة والتوقعات المبهمة، لكن وبشكل غريب يخصون الطغاة بمزيد من توقعات السيطرة ويعدون الضحايا بزيادة أعدادهم.

أما وسائل الإعلام ومراكز الإحصاء والدراسات فشمرت، كما كل عام، عن ذراعيها لتبدأ بتلخيص أحداث عام كامل ببضع مقالات ومقاطع فيديو والكثير الكثير من الأرقام، لتخص المنطقة العربية بمشاهد الدمار والموت المتنقل على كامل الخريطة مع أخبار تبدو معلقة على واجهة عرض ساخر: الدول الأكثر تفاؤلاً في العام 2020، مع ملاحظة فرعية: العرب غير سعداء.

لا شك أن ما تقوم به مراكز الدراسات ببضعة أرقام جوفاء ورسوم بيانية باهتة، يبدو مدهشاً من عدة جوانب، حيث يتم تلخيص معاناة مئات الآلاف وكل تلك الدماء والآهات والبيوت المدمرة، عداك عن  اغتيال الأحلام وتبديد الآمال، هكذا تنتهي وببضع كلمات ومنحنيات غبية قصص اغتيال شعوب كاملة، أرقام لا روح فيها.. فأين ألم الفقد وأين صرخة الأم والابن والزوجة والأب؟ أرقام لا تحكي قصص العشاق والطموحات بغدٍ أحلى.

الكثير من الأخبار على بوابة العام الجديد تبدو عديمة القيمة لا معنى لها للعرب

الكثير من الأخبار على بوابة العام الجديد تبدو عديمة القيمة لا معنى لها للعرب فمن لا يعيش تحت نيران القذائف والبراميل يمضي يومه بين قصص السجون والتعذيب محاذراً في كلامه متلفتاً حوله فثمن اللاحرب ببلاد العرب ليس الرخاء كما قد يعتقد البعض بل هو الصمت والرعب والموت البطيء.

هو عام جديد كما يسمى لكنه لم يكن يوماً جديداً بالنسبة لمنطقتنا، ففي حين يجمع العالم على الأمل بمستقبله، بما أن حاضره أفضل من ماضيه، يعيش العرب سنة بعد سنة وعقداً بعد عقد يترحمون على السنين التي مضت.

حسناً! هو عام جديد، لكن وكما يبدو واضحاً لا أحد يهتم، فمن المسلم به أن ما سيتغير هو في كل مكان عدا بلاد العرب، فجبران باسيل سيتابع بحثه الحثيث عن حلول لإلغاء كل أحد عداه، والسيسي سيتابع طرح دعاياته المثيرة للشفقة بينما تتوسع سجونه وتطول عصي أتباعه، وفي سوريا وليبيا ستستمر آلة القتل الروسية في حصد الأرواح دونما سبب واضح إلا غرور بوتين وفي لبنان كما سوريا كما العراق سيتابع خامنئي تلاوة صلواته على سجاجيد دمائنا.

عالم لا يخربه كل هذا الظلم والقهر والوجع لا يستحق أصلاً الاستمرار

والإحصاءات تتحدث عن عدد الضحايا السوريين ومقارنتها بالأعوام السابقة، بحثاً عن أقل الأعوام دموية، وثمة محللون سيخرجون لشرح كيف أن اللاجئين السوريين هم وراء خراب العالم.. ربما هم كذلك، ولم لا.. فعالم لا يخربه كل هذا الظلم والقهر والوجع لا يستحق أصلاً الاستمرار.

أي عام جديد وأي عام مضى، نكذب ونحتفل ونتبادل التهنئات والتمنيات بعام أفضل ونكمل همساً دعواتنا بأن لا يكون أسوأ مما سبقه، أي عام جديد وأي عام مضى وأي كذبة كبرى نحياها بين أرقام الإحصائيين وتوقعات الفلكيين.

كلمات مفتاحية