عائلة الأسد سلسلة من المآسي والكوارث

2020.06.15 | 00:00 دمشق

sd.jpg
+A
حجم الخط
-A

أصبح قرب سريان تطبيق قانون سيزر الشغل الشاغل لكافة السوريين، العامة قبل المثقفين، الموالين قبل المعارضين؛ فشعارات الثورة بإسقاط الأسد وعائلته تتردد في مناطق كانت عصية على ذلك، فالواضح أن هذه الكلمات غير قابلة للفناء مهما استدعى النظام من جيوش وسفك الدماء.

السوريون على مفترق طرق، فقد لاحظ المتابعون خلال الأيام الماضية مؤشرات جديدة غير مشاهدة سابقًا؛ من صراع داخل عائلة الأسد أدت الى وضع شركات رامي مخلوف تحت الحراسة القضائية وانهيارات سريعة على العملة السورية، بالإضافة الى عمليات سيطرة روسية على الساحل السوري بعقود طويلة الأجل وطرح مواقع مهمة في سوريا بعقود استثمار لا تتناسب قيمتها مع أهميتها، مثل محطة الحجاز بقيمة 850 ألف دولار سنويًا، إلا أنَّ التباين في تناول الموضوع أضحى ظاهرًا للعيان؛ والسؤال المطروح:

هل سيكون لقانون قيصر نتائج إيجابية أم سلبية على السوريين الذين يعانون بشدة منذ قرابة عقد؟!!

إنّ اختلاف المقاربة تجاه قانون سيزر تعود لأسباب عدة، فالفريق الأول يرى أنها تستهدف حصرًا الطبقة الحاكمة التي مارست الإرهاب ضد السوريين وكل من تحالف معها من الفاسدين، أما الفريق الثاني ورغم أنه جزء من المعارضة فإنه يخشى من منعكسات سلبية على المجتمع السوري وآخرون تأثروا برواية النظام التي تحاول أن تتهم المعارضة السورية وأميركا وتركيا بما وصلت إليه الأمور.

إذا ما عدنا إلى شرح قانون سيزر وأسبابه فهذا القانون تم إقراره بعد قصة طويلة من المعاناة.

لا أظن أحدًا توقع أن تتحول صور سيزر؛ وهو الاسم الرمزي لمصور في الطبابة الشرعية العسكرية، انشق عن النظام حاملا توثيقه لصور المعتقلين السوريين بعد تعذيبهم حتى الموت، لملف يتربع على سلم الأولويات الأميركية في التعامل مع نظام الأسد.

لقد كان دور الجالية السورية رائعا ومميزا في عملية تمرير القانون في مجلسي النواب والشيوخ؛ لقد احتاجوا إلى ثلاثة أعوام من المتابعة واللقاءات مع شخصيات نافذة في الوسط السياسي لإقناعهم بمدى أهميته وهذا مما يؤكد على مقدرة الجاليات السورية في المهجر على ممارسة دور مهم في انتقال سوريا إلى دولة المواطنة والحريات.

إن الواقع السوري المأساوي الذي يعانيه السوريون ليس إلا نتيجة طبيعية لأداء سيئ استمر قرابة نصف قرن من الفساد والمحسوبية والقمع والفشل واستبعاد للكفاءات وتهجيرها.

إن مشروعية قانون سيزر قائمة على ان نظام الأسد ما يزال مستمرا في افتعال الحروب واستهداف المدنيين السوريين والمشافي والمدارس بكافة الوسائل العسكرية وإن عمليات الاعتقال والتعذيب ماتزال قائمة في ظروف لا إنسانية مما يتطلب تفعيل عملية المحاسبة لكافة المشاركين بتلك العمليات، خاصة أن النظام استخدم كافة مؤسسات الدولة في ذلك من المصرف المركزي إلى المؤسسات الإنسانية ناهيك عن الجيش والأمن والشرطة وحزب البعث.

إن مقاربة البعض لحالة مأساوية قادمة على سوريا لا تلحظ الفشل الواضح لإدارة الدولة السورية منذ انقلاب حزب البعث عام 1963 وانقلاب حافظ الاسد الكارثي في 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970 .

إن الواقع السوري المأساوي الذي يعانيه السوريون ليس إلا نتيجة طبيعية لأداء سيئ استمر قرابة نصف قرن من الفساد والمحسوبية والقمع والفشل واستبعاد للكفاءات وتهجيرها.

سوريا منذ ذلك الوقت تسير وفقًا للدفع الذاتي ولمهارات الشعب السوري التي يشهد لها العالم أجمع فهي تضم منذ بداية القرن العشرين طبقة لا يستهان بها من مهندسين وأطباء وأكاديميين ومعلمين وصناعيين وتجار ومزارعين يمتلكون مهارات مميزة، بالإضافات الى جامعات ومدارس متخصصة وبنية تحتية تفخر بها، فعندما زارها مهاتير محمد في مطلع الخمسينيات تمنى أن تصبح ماليزيا شبيهة بسوريا، يابان الشرق الأوسط آنذاك.

كانت سوريا الأكثر امتلاكا للموارد البشرية والأكثر صادرات حتى أن سوريا كانت تصدر الأقمشة والألبسة إلى أوروبا وتركيا وكانت تعتبر نمرًا اقتصاديا قادما يتفوق على كوريا الجنوبية في النمو الاقتصادي .

لقد قادت عائلة الأسد منذ الاستيلاء على السلطة لهدف محدد وهو تحقيق مصالح الخارج على حساب السوريين، اعتمدوا في ذلك على الطائفة العلوية ضمن سردية تقول لهم إني مُخلص لكم من الواقع السيئ الذي تعيشونه، والتي تراكمت لأسباب عديدة من بينها وجودهم في مناطق جبلية وعرة، لكن مساعدته لهم كانت بحصر تطورهم عبر المؤسسة العسكرية وانخراطهم ضمن الأجهزة الأمنية فلم يقم بوضع أية رؤى تساعدهم على التطور من خلال رفع مستوى التعليم والاستفادة من جمال المناطق التي يسكنوها والتي يمكن أن يكون قطاع السياحة أحد بواباتها الرئيسة ورافدًا أساسيًا للاقتصاد .

استمر نهج نظام الأسد بالاعتماد على القطاع العام، فقرارات التأميم التي صدرت ما بعد انقلاب 1963 قام بتجذيرها في بنية الاقتصاد السورية واستمر باستخدام مصطلحات سلبية اتجاه أصحاب المصانع والأراضي المصادرة والتي هاجر أغلبيتهم إلى لبنان والأردن ومصر والخليج وأسند إدارة شركات القطاع و مؤسساتها إلى شخصيات غير كفوءة و فاسدة حتى أخمص قدميها وترتبط غالبيتها خاصة في الشركات الكبرى بقرابة له أو من منطقته، شكل هؤلاء طبقة فاسدة ربطت مصالحها مع الحكم بعيدًا عن أية مشاريع طموحة و تعزيز للمهارات المتوارثة لدى السوريين جيلًا إثر جيل فَضُربت الصناعة في حلب والتجارة في دمشق.

أما الزراعة فكانت أحد مصادر الفساد الكبرى من خلال استملاك الأراضي وتوزيعها لاحقا على المقربين من خلال الاتحاد العام للفلاحين؛ تم تعزيز ذلك باستخدام شعارات ديماغوجية، المصنع لمن يعمل به والأرض لمن يزرعها وإن الإقطاعيين والرأسماليين والبرجوازيين هم وراء كل مشكلة في سوريا.

استمر الفشل بعد استلام الأسد الابن الذي نشأ وملعقة الذهب في فمه، أيضًا أصبح المجتمع منبهرًا بالتجربة الخليجية والماليزية والتركية، فقام بتسويق رغبته بالتحول الاقتصادي تحت مسمى اقتصاد السوق الاجتماعي وفق النموذج الألماني دون أدنى اعتذار عن النهج السابق، ناهيك عن إرجاع الحقوق لأصحابها.

كانت عائلة الأسد تخفي رغبتها بسيطرة اقتصادية على مؤسسات الدولة من خلال خصخصة موجهة تجاه أسرته والمقربين منهم.

كانت عائلة الأسد تخفي رغبتها بسيطرة اقتصادية على مؤسسات الدولة من خلال خصخصة موجهة تجاه أسرته والمقربين منهم.

نماذج الفشل لنظام الأسد أكثر من أن تعد أو تحصى فلولا الدعم الكويتي بعد تحريرها والتي أصرت أن يكون دعمها محصورا في إنشاء مشاريع البنية التحتية في قطاع الاتصالات والكهرباء والصرف الصحي والطرق، لبقيت سوريا إلى ما قبل الثورة بلا كهرباء ومياه نقية.

إن محاولة النظام بين الفترة والأخرى ابتداع قصة مكافحة الفساد الواهية، لا تنطلي على طفل صغير فعند مجيء الأسد للحكم كانوا مجرد عائلة صغيرة في القرداحة، الآن يعرف الجميع أن عائلة الأسد ومخلوف وشاليش والأسعد ومهنا تملك مليارات الدولارات، فعند موت جميل الأسد المتحكم بميناء اللاذقية اختلف الورثة على مبالغ نقدية في البنوك وكانت تبلغ قرابة ثلاثة مليارات دولار وأملاك رفعت أكبر من أن تعد أو أن تحصى، وعند وفاة باسل المفاجئة تم إجراء تسوية مع البنوك السويسرية حتى لا تضيع تلك الودائع الضخمة على العائلة.

أصبح الفساد في سوريا عملية مافيوية تديرها عائلة الأسد والبقية مجرد موظفين صغار لديهم، يتخلون عنهم متى ينتهي دورهم أو يكبروا بشكل أكبر من المطلوب.

عسكريًا، استقطب النظام الفاشلين دراسيًا واستبعد المتفوقين دون أدنى مراعاة للتوازن الديموغرافي ضمن مشروع يستهدف حماية العائلة حصرًا؛ من خلال توزيع بعض المكاسب والمغانم للأكثر ولاء وطاعة فحول الجيش السوري إلى مؤسسة ميليشيوية لا تمت بأي صلة للسوريين ومصالحهم، مستعدة لقتلهم وقصف المدن والمشافي بقرار من بشار من دون أي مراجعة أو التفكير بأن هؤلاء شركاؤهم في الوطن.

أمنيًا، اعتمد على شخصيات فاسدة عميلة لأطراف دولية وإقليمية فكان الجهاز بندقية للإيجار وخدمات لمن يدفع أكثر فتم اعتماد منهج القمع والتعذيب من دون أي منهجية علمية للتزود بالمعلومات والمعرفة لحماية الأمن الوطني، فأصبحت أجهزة الاستخبارات وكرًا للمؤامرات ومقاسمة المدراء بالأموال التي تجبى من الشعب.

حزبيًا، اعتمد حزب البعث قائدًا للدولة والمجتمع يقوده القصر والأجهزة الأمنية ضمن واجهة الجبهة الوطنية التقدمية لأحزاب لا تمتلك الحد الأدنى من الشعبية والتواصل مع الجماهير.

سياسيًا، اعتمد على سياسة ضرب العمق العربي فضرب الفلسطينيين في أيلول الأسود عام 1970 ومن ثم استهدفهم في طرابلس وهجرهم إلى تونس، تحالف مع إيران ضد العراق والعرب، حاول زعزعة الاستقرار في تركيا بدعم حزب العمال الكردستاني فكاد أن يدفع الثمن لولا التدخل المصري.

ساهم في بناء الدولة الطائفية اللبنانية وضرب مشروع لبنان دولة الحريات ونموذج سويسرا الشرق فساهم في اندلاع الحرب الأهلية وأدخل الجيش السوري إلى لبنان تحت مسمى قوات الردع العربي التي كانت أحد وسائل الابتزاز التي يمارسها اتجاه دول الخليج. وتحول لاحقًا اللواء غازي كنعان إلى حاكمٍ فعلي، مقره في عنجر وليس في بعبدا ومن ثم تخلصوا منه بعد قتلهم للشهيد رفيق الحريري وانتهاء مهمته لامتلاكه معلومات يمكن أن تشكل خطرا على وجودهم.

إنَّ واقع سوريا السياسي والاقتصادي الأليم هو نتيجة طبيعية لعدم محاسبة عائلة الأسد وحزب البعث منذ مجيئهم بالانقلابات؛ فتجرؤوا على السوريين واستباحوا كل شيء، دمروا سوريا منذ مجازر حماة إلى مجازرهم الحالية التي شهد العالم بوحشيتها وهمجيتها التي تفوق ما حصل في العصور الوسطى والحروب العالمية من حيث استخدام الكيماوي وقتل مليون سوري حتى تحولت مادة الخبز في عهدهم إلى عملة صعبة.

عائلة الأسد حولت سوريا إلى دولة فاشلة اقتصاديًا بامتياز، ويمكن اختصار المشهد بمراقبة سعر صرف الليرة التي انخفضت قيمتها من 3.75 لكل دولار عند مجيء الأسد الأب ووصلت إلى قرابة خمسين ليرة قبل الثورة ثم لتصل حاليًا إلى قرابة 300 ل.س و يتوقع البعض وصولها إلى عشرة آلاف في نهاية العام الجاري مالم يكن هناك فرض لحل سياسي عادل وعاجل ينقذ السوريين من محنتهم.

سوريا لن تعود للوقوف على قدميها إلا بعد بناء نظام جديد عماده المواطنة ومحاسبة كل من أجرم بحق السوريين واستقطاب الكفاءات الذي تم تهجيرهم منذ عهد الأسد الأب واسناد المناصب لمستحقيها، فهل تكون نهايتهم مع نهاية عقود خمسة عجاف!!؟