يمكن للتسريبات التي نقلت عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن تشكل عناصر متكاملة لفضيحة سياسية بأضلاع متعددة تطول دولاً وجهات حاكمة ومقررة فيها.
مصطلح الفضيحة يُطلق هنا ليس وفق المعيار العلمي أو السياسي، بما أن ظريف كان يقدّم قراءته السياسية المزودة بمعلومات ووقائع وشواهد. بل يُطلق المصطلح لسبب واحد وهو آلية التعاطي معه من قبل جهات متعددة في إيران وفي الولايات المتحدة الأميركية. وقد تستخدم الفضيحة على شكل مشابه لاستخدام فضيحة ووتر غيت للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، أو فضيحة إيران غيت أيضاً، وهي فضيحة الحصول على سلاح إسرائيلي في حرب الخليج الأولى ضد العراق.
لن تقف حدود تسريبات ظريف عند حدّ الاعتذار الذي قدّمه وزير الخارجية الإيراني قبل أيام، ولا حتّى عند حدود تقاعده بينما كانت هناك جهات تفضّل أن يكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية.
أولاً لا بدّ من الإشارة إلى أن ظريف يعتبر أحد صانعي الدبلوماسية الإيرانية المتقاربة مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك لصالح إيران وليس لصالح أي طرف آخر. والرجل استفاد من مناخ أميركي ملائم للمصالح الإيرانية، تمّ تعزيزه في الميدان وفق التعبير الذي استخدمه أي في إشارته إلى دور الحرس الثوري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والذي من خلاله نجحت طهران في تعزيز ومراكمة أوراقها التفاوضية.
هو بداية، تعبير عن حقيقة الصراع الهائل داخل إيران وداخل مرتكزات الحكم فيها، لكنه ينطوي على حقيقة التنافس الكبير بين "الإصلاحيين" والمحافظين ليس على الانتخابات الرئاسية فقط، بل على جملة ملفات أولها التنافس على معركة خلافة المرشد
هو بداية، تعبير عن حقيقة الصراع الهائل داخل إيران وداخل مرتكزات الحكم فيها، لكنه ينطوي على حقيقة التنافس الكبير بين "الإصلاحيين" والمحافظين ليس على الانتخابات الرئاسية فقط، بل على جملة ملفات أولها التنافس على معركة خلافة المرشد، فمن يريد تعزيز أوراقه حالياً يريد فرض رؤيته على الولي الفقيه الذي يفترض أن يخلف علي الخامنئي، ومعروف منذ سنوات تركيز الحرس الثوري الإيراني على هذا الاستحقاق وفرضه من يريد. بالإضافة إلى فرض الحرس لمرشح يخلف حسن روحاني.
هذه الحالة تعكس واقعاً من الضياع السياسي حتّى الآن في إيران على صعيد المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية. سابقاً كان بإمكان أي شخص معرفة اتجاه الانتخابات ونتائجها في إيران، بينما الآن لم يظهر المرشحون بعد، وذلك بسبب وجود توجهين لم يحسم بينهما المرشد، توجه الحرس الثوري الذي يريد تأخير إنجاز مفاوضات الاتفاق النووي إلى ما بعد الانتخابات فيضرب الإصلاحيين ويتمكن من الفوز بالرئاسة، وتوجه الإصلاحيين الذين يستعجلون الوصول إلى الاتفاق لتتعزز حظوظهم.
كل ذلك يأتي وسط تساؤلات كثيرة داخل إيران حول الجهة التي عملت على تسريب كلام ظريف، فهل هي محسوبة على الحرس الثوري، أم هناك تعمّد إصلاحي في التسريب لتوجيه ضربة للمحافظين، أم أن جهة ثالثة تعمّدت التسريب وكانت قادرة على تسجيل اختراقات متعددة داخل إيران لأهداف كثيرة، والمقصود هنا إسرائيل.
كلام ظريف لم يتسبب في إحراقه وحده، لا بل أدى إلى إحراق وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري بشكل كامل
كلام جواد ظريف ناقض أموراً كانت تعتبر من المسلمات في إيران، خصوصاً في كلامه حول قاسم سليماني ومعارضته للاتفاق النووي، وليس هو من أقنع الروس في الدخول إلى سوريا، بل موسكو هي التي تريد الدخول لأسباب جيوستراتيجية، كما كشف أن موسكو كانت ضد الاتفاق النووي بسبب التخوف من تقرب طهران من واشنطن.
كلام ظريف لم يتسبب في إحراقه وحده، لا بل أدى إلى إحراق وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري بشكل كامل. والأمر الذي سينعكس سلباً على طريقة إدارة المفاوضات من قبل الإدارة الأميركية، خصوصاً أن المفاوضين الأميركيين مع إيران ولا سيما روبرت مالي وويندي شيرمان هم من أبرز عناصر التفاوض أيام كيري. ذلك أمر سيكون له كثير من التداعيات في الداخل الأميركي، ما يعني تلقي ضربة قوية لإدارة بايدن، وهي التي سيركز عليها أعضاء الحزب الجمهوري في ضرب توجهات الديمقراطيين والتعاطي معها كفضيحة تطول كل أركان إدارتي أوباما وبايدن معاً.