icon
التغطية الحية

ظاهرة الشعوذة في سوريا.. مَن المستفيد؟

2020.12.03 | 12:27 دمشق

shwdht.jpg
ملايين الليرات يدفعها سوريون للمشعوذين (إنترنت)
إسطنبول - فؤاد عزام
+A
حجم الخط
-A

لم يبق لديه ما ينفقه من مال لمعرفة مصير ابنه الوحيد المغيب منذ العام 2013، دفع القسم الأكبر مِن مدخراته لأحد المتنفذين دون جدوى، تقلّص حلمه بأن يعرف فقط إن كان على قيد الحياة أم لا، باب واحد لم يطرقه أبو عادل الرجل الذي تجاوزعمره السبعين عاماً، كما قال وهو غرفة أحد المشعوذين المعروفين في الأوساط الشعبية بمنطقة الحسينية في ريف دمشق ولكن ما يزال ينتظر ابنه. 

المشعوذون باتوا أحد الحلول التي يلجأ إليها بعض الأهالي ممن سدت أمامهم الأبواب، ما جعل أمر اللجوء إليهم مثل الغريق الذي يتمسك بحبال الهواء كما يقال في الأمثال الشعبية، ولا سيما أن الحديث عن حضور المشعوذين في المجتمع، ازداد في الأوساط الشعبية في وقت تروج فيه وسائل إعلام النظام لهذه الظاهرة بأشكال مختلفة بهدف امتصاص الأزمات في الظروف الحالية الصعبة، وفي ظل انسداد حلول لتداعيات الحرب في المناحي الإنسانية والاجتماعية والمعيشية وغيرها.

ويمكن تصنيف هؤلاء المشعوذين الآن ضمن قائمة تجار الأزمات التي تطول مختلف الشرائح الإجتماعية، ولا سيما تلك الأكثر ضعفا ممن يبحث بعض المنتمين إليها عن حلول في ظل انتشار الفقر وانسداد أفق حل أزماتهم وتحسين أوضاعهم التي أفرزتها تداعيات الحرب.

معرفة الغيب ليست الأمر الوحيد الذي يطرحه المشعوذون خلال استعراض مهاراتهم، إنما أيضاً الادعاء بقدرتهم على حل الأزمات المعيشية والأمراض وفك السحر والرصد وجلب الحبيب وتزويج البنات، ففي منطقة الدويلعة القريبة من دمشق يطرح أحد المشعوذين استعداده لإخراج الشيطان من الجسد وجلب الحبيب.

 

ضحايا الشعوذة 

إحدى ضحايا مشعوذ الدويلعة سمر (اسم مستعار) ذكرت خلال تواصل موقع تلفزيون سوريا معها "أنها ذهبت إلى المشعوذ بعد أن أقنعتها إحدى صديقاتها بأن سبب عدم زواجها رغم أنها جميلة هو احتمال أن تكون مرصودة، وأن الشيخ يستطيع أن يفك الرصد مقابل 150 ألف ليرة سورية".

وقالت سمر "كان أمام الشيخ وعاء يحتوي الجمر ويتصاعد منه دخان برائحة البخور، يرتدي لباسا مزركشا غريبا، ويكسو ريش هدهد وجلد ثعلب جدار يستند إليه، وهو لم يسألها بداية عن سبب قدومها إلا أنه كان يتمتم بكلمات غير مفهومة، وفجأة وضع يده على رأسها وقال لها أخبروني الأسياد الآن أنك مرصودة ومشكلتلك ستحل بعد اتباع التعليمات، وأخرج حجاب من جوار مجمر البخور وطلب منها وضعه في أعلى باب غرفتها لمدة شهر، وأن تعطيه 150 ألف ليرة، إلا أنها بعد أن عادت إليه بعد شهر ونصف أخبرها بأن السحر كان شديداً ويجب فكه بأن يقوم هو بنفسه بفعل فاضح معها، لكنها خرجت مسرعة من المكان".

محمود (اسم مستعار) يقول إن قصته مع الشيخ بدأت بعد أن أُغلقت أبواب المشافي الحكومية في وجهه بحجة عدم وجود أجهزة كافية لغسل الكلى، بينما الأطباء أكدوا له أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا له شيئا أكثر من الدواء فهو يحتاج إلى غسيل دائم وليس لديه المال الكافي للذهاب إلى مشاف خاصة، لكن أحد معارفه أخبره أن هناك شيخاً لديه الحلول لمعاناته، ذهب اليه ووعده الشيخ بأن وضعه سيتحسن بعد أن قرأ عليه طلاسم وأعطاه حجابا وزجاجة يمسح بما تحتويه من ماء وجهه بها ثلاث مرات في اليوم، وأخذ منه 50 ألف ليرة سوريّة.

 

أسباب لجوء بعضهم للشعوذة 

لا شك أن العامل النفسي يعد الدافع الرئيس للجوء بعضهم إلى المشعوذين بعد عجزهم عن التوصل إلى حل لمعاناتهم ومشكلاتهم، في ظل تفاقم الأزمات المعيشية، على الرغم من أن الثقافة الاجتماعية لدى السوريين بشكل عام بعيدة عن هذا الجانب إذا ما قورنت ببلدان أخرى في المنطقة، وأن الدين الإسلامي يرفض السحر والشعوذة، إذ يُجمع رجال دين كثر على أن أي “رقية” تخرج عن قراءة القرآن الكريم هي دخول في الدجل.

وقد يؤخذ على الذين يعولون على المشعوذين كأمل وملاذ بأنهم يحمّلون تبعات اعتمادهم على المشعوذين، إلا أن هناك سؤالاً مهماً يبرز في هذا الإطار وهو مَن الذي دفع بكل من أبو عادل وسمر ومحمود للذهاب إلى المشعوذين؟

للإجابة عن هذا السؤال من المهم قراءة الظروف التي أحاطت بقصص هؤلاء، تلك الظروف والأوضاع هي دون شك نتيجة طبيعية للحرب، ودخول مكونات كثيرة في دائرة الضعف واليأس، بعد ما حدث فيها من اعتقالات وتغييب قسري، وهجرة مئات الآلاف من الشبان، إضافة إلى الأزمة المعيشية التي جعلت معظم الأهالي ضحايا يهيمون على وجوههم يبحثون عن حلول لا يمكن عزلها عن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية وغيرها.

 

النظام مسؤول عن انتشار ظاهرة المشعوذين 

لا يتحمل أبو عادل مسؤولية عدم عثوره على ابنه ولا يتحمل محمود مسؤولية عدم شفائه من مرضه وكذلك سمر، فنموذج هؤلاء هو الحلقة الأضعف في المجتمع وقد تتعدد لدى أفراده ومكوناته طرق الخروج من أزماتهم ، ولكن هؤلاء اختاروا بسبب اليأس طريقاً معروفاً لدى فئات أخرى بأنه لا يؤدي إلى نتائج.

المسؤولية الأساسية لانتشار ظاهرة المشعوذين في المجتمع يتحملها النظام، كما يتحمل مسؤولية انتشار المخدرات والجريمة وغيرها، عدا كونه شجع بشكل مباشر أو غير مباشر انتشارها، فهو المستفيد الرئيس منها، ولا سيما أنها تزيح عنه وإن كان بشكل محدود بعض أعباء الحلول وتشغل الناس بعضها ببعض من جانب ومن جانب آخر فإن ازدياد عدد المشعوذين لم يكن ليصل إلى ظاهرة لولا استخدام النظام نفسه مشعوذين من نوع آخر بهدف التأثير على مواقف الأهالي من الأزمات.

 

النظام يستخدم المشعوذين للتأثير على الأهالي 

على سبيل المثال فقد أظهرت صفحات موالية للنظام أخيرا المدعوة ميسون الدبس في أكثر من شريط فيديو كـ"عالمة فلك" تتحدث بأنه جاءها في الغيب أن المظاهرات الأخيرة في السويداء لن تؤدي سوى إلى دماء، وهددت متحدثة باسم النظام بأنه سيكون هناك قوة مفرطة ضد الأهالي وفي نفس الوقت قالت إن الأوضاع ستكون بألف خير حيث سيعم الرخاء والازدهار في البلاد. 

وفي إطار أشمل استخدم النظام مشعوذين من لبنان لمواجهة أزمات كبرى تهدد وجوده بهدف التأثير على الأهالي، ففي محاولة لتهدئة حالة الهلع عند بدء فيروس كورونا بالانتشار في سوريا استضافت قناة سما المشعوذة (ليلى عبد اللطيف) في برنامج "لازم نحكي" وهو من تقديم تمام بليق ورنا شميس، وادّعت أنه لن يكون هناك تفشٍ للوباء في سوريا ولبنان، وأرفقت حديثها بتوقعات بأن تكون نهاية "الأزمة السورية" قريبة جداً، وأن أي حل مستقبلي في سوريا يمر من خلال بشار الأسد، وولادة حكومة جديدة تضم كفاءات وشخصيات من المعارضة وأن الليرة السورية سوف تتحسن وسيعود جميع اللاجئين.

وليلى عبد اللطيف ليست المشعوذة الأولى التي تظهر على الإعلام السوري، فقد سبقها زميلها (مايك فغالي)، الذي تستضيفه قناة سما في بداية كل عام، وأثار موجة عارمة من السخرية عندما خابت توقعاته حول سعر صرف الدولار، وعلى  الرغم من ذلك فقد أعادت استضافته وهو يرتدي لباساً غريباً مكرراً في حديثه أكثر من مرة بأن مواجهة الأوضاع الصعبة لا تكون إلا من خلال خزعبلات لا علاقة لها بالواقع سمّاها "فيض النور".

اقرأ أيضاً.. مايك فغالي: بشار الأسد سيطل إطلالة غريبة عجيبة بلباس آخر

 

من يكتب لمشعوذي النظام خزعبلاتهم؟

إظهار وسائل إعلام النظام مشعوذين يأتي على الرغم من مخالفة ذلك لـ قانون العقوبات، حيث تنص المادة 754 من القانون على أنه يعاقب بالحبس التكديري وبالغرامة من يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح، والتنويم المغناطيسي والتنجيم وقراءة الكف وقراءة ورق اللعب وكل ما له علاقة بعلم الغيب، كما يعاقب المكرر بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة حتى مائة ليرة، ويمكن إبعاده إذا كان أجنبياً.

وفي حين يهدف المشعوذون الصغار إلى الاستغلال المادي لأزمات الضعفاء، فإن هدف مشعوذي النظام التخدير لمرحلة معينة بتهدئة الأوضاع في البلاد وامتصاص الأزمات ريثما يتمكن  من فرض الأمر الواقع وجعل الأهالي يتأقلمون معه ما يعني أن جزءا كبيرا مما يقوله هؤلاء يكتب من قبل الأجهزة الأمنية، بينما تهدف الوعود المغلفة بخزعبلات وترهات وأقاويل وكلام غيبي وخرافات وشكليات غريبة كأداة للتأثير واستلاب عقول العامة والهدف الرئيس والعريض هو الاستغلال والمصلحة المادية وهما مكون رئيس من مكونات نظم الاستبداد.