icon
التغطية الحية

طباخ سوري يجمع التبرعات لافتتاح مطعمه في لندن (صور)

2020.10.02 | 17:54 دمشق

photo_2020-10-02_17-16-35.jpg
تليغراف- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لم تدخل مهنة الطباخ في حسابات عماد الأرنب عندما كان يعيش في دمشق. فقد أخبرنا أن أسرته كغيرها من العائلات السورية تمنت لابنها أن يصبح طبيباً أو مهندساً، بيد أنه كان لديه شغف دائم حيال الطعام، لذا أخذ يساعد أمه في أعمال المطبخ منذ نعومة أظفاره.

وبعدما عمل في مجال الأزياء لفترة قصيرة، أقنع عماد والده في عام 1999 بالسماح له باستخدام أحد متاجره، حيث بدأ ببيع سندويش الدجاج والبطاطا، وأخيراً أخذ يجرب توابل جديدة في إعداد سندويش استلهم نكهاته من المطبخ الهندي والمكسيكي، فنجح في ذلك نجاحاً منقطع النظير، ما مكنه من تأسيس أول مطعم له من بين ثلاثة مطاعم أخرى أقامها في مدينة دمشق التاريخية.

ويأمل هذا الرجل أن يفتتح مطعماً آخر خلال الشهر المقبل، ولكن في لندن هذه المرة، لكنه سيذكره بشكل مؤثر بكل ما تركه عندما سافر.

وبعد أن شهدت دمشق وحلب اضطرابات كبرى خلال شهر آذار/مارس 2011، ظن عماد أن العنف سينتهي في غضون أشهر، "كما حدث في دول أخرى شهدت الربيع العربي" حسب قوله. ثم تنقل عماد مع أسرته من بيت لآخر خمس مرات خلال ثلاث سنوات بدءاً من عام 2012، في محاولة لتجنب المخاطر التي تحيق بهم، ثم اضطر إلى إغلاق مطاعمه الثلاثة في العاصمة، وهي كاستيلو المتخصص بالوجبات السريعة مثل سندويش الشاورما، والحاتم الذي يقوم بتغيير لائحة الطعام بشكل أسبوعي ويقدم وجبات مطبوخة على الطريقة المنزلية، ومطعم بانينو وهو مطعم كبير يقدم شيئاً من كل شيء.

وفي عام 2015 قرر عماد أن يهرب من البلاد تاركاً وراءه 13 سنة من الخبرة في مجال المطاعم، إلى جانب عائلته التي لن يرى بعض أفرادها مجدداً. وهكذا سافر إلى لبنان قبل أن يعبر إلى تركيا فاليونان، فمقدونيا، فصربيا، فهنغاريا، فالنمسا، فألمانيا، ثم فرنسا. بعضها وصله بالقارب أو سيراً على الأقدام أو بواسطة دراجة هوائية. ويتذكر عماد ما جرى معه فيقول: "كانت رحلة مرعبة للغاية" لا سيما في هنغاريا التي عبرها وهو يختبئ في صندوق سيارة، ويعلق على ذلك بالقول: "أخبرني الجميع بأنهم إن أمسكوا بي فإنهم سيوسعونني ضرباً، أي أن العملية لم تكن آمنة".

وبعدما أمضى 64 ليلة وهو ينام على عتبات كنيسة في كاليه، طرده شرطي أبدى عدائية كبيرة مع 13 شخصا آخر من تلك الكنيسة، فتوجه نحو إنكلترا أخيراً، على ظهر شاحنة، حيث دخلها في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، أي منذ خمس سنوات بالضبط.

كانت شقيقة عماد وعمته تعيشان هناك بالأصل، وكذلك أولاد عمومته الذين ولدوا في المملكة المتحدة، إلا أن الدافع الأساسي للمجيء إلى بريطانيا كان اللغة، فوالدة عماد، واسمها سمر، التي توفيت بعد مرور شهر تقريباً على وصوله إلى بريطانيا، كانت قد درست اللغة الإنكليزية في الجامعة وزرعت تلك اللغة بابنها منذ نعومة أظفاره، فقد كانت تقرأ أمامه قصائد شكسبير ومسرحياته، وحول ذلك يقول: "لقد علمتني شيئين أستخدمهما اليوم، وهما الإنكليزية والطبخ".

وعماد يحمل اليوم رخصة للإقامة في المملكة المتحدة إلى أجل غير مسمى، وقد بدأ العمل فيها بغسل السيارات، ثم بيعها، وبعدها افتتح مطعماً متنقلاً في عام 2017 ضمن شارع كولومبيا بلندن، وحول هذه التجربة يقول لنا: "أردت أن أطهو ما كانت أمي تطهوه لنا، وليس مجرد أي شيء يمكنك أن تجده في أي مطعم سوري، فهو يعشق الكبة والفطائر المحشوة بالجبن أو السبانخ أو اللحم، فقد اعتاد على مساعدة أمه سمر في إعداد أشهر الوصفات الكلاسيكية مثل الشاورما والحمص.

ومنذ وصوله إلى أوروبا، سعى عماد لمساعده غيره ممن عانوا من الترهيب والعنف الذي عانى هو منه، فأخذ يطبخ ويطهو في مخيم اللاجئين في كاليه فوق مدفأة تخييم تعمل على الغاز، فجمع حوالي 200 ألف جنيه إسترليني عبر ما قدمه لصالح جمعية تشوز لاف/اختاروا المحبة الخيرية، حيث التقى بعضاً من أعضاء تلك الجمعية في ذلك المخيم، ومعظم تلك التبرعات ذهبت لدعم مشفى الأطفال في حلب، ولهذا يخطط عماد للتبرع بمبلغ جنيه إسترليني واحد من كل فاتورة تدفع في مطعمه الجديد بلندن وذلك لخدمة القضية نفسها.

ويحاول هذا الرجل جمع مبلغ 50 ألف جنيه إسترليني ليقيم مطبخ عماد السوري بشكل دائم في مدينة سوهو (في الموقع الذي أخلته مؤخراً شركة دارجيلينغ إكسبريس التي تملكها أسماء خان)، حيث سيقوم هذا المطبخ بتقديم وجبات من اللحم المطبوخ بشكل بطيء والدجاج المشوي، مع الخبز المنفوخ الطازج بالإضافة إلى المقبلات السورية وعلى رأسها الفلافل، والجبنة الحلوم مع البطيخ وسلطة الزعتر وفتة المكدوس وهي وصفة تشتمل على باذنجان صغير مقلي ومحشو بلحم الضأن.

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

Yep... a vegan feast 😁😁

A post shared by Imad's Syrian Kitchen (@imadssyriankitchen) on

 

ويرى عماد بأن عمله في المطبخ السوري لا ينبغي أن يكون تقليدياً للغاية، بل يمكن أن يصبح أكثر حداثة، لكن يجب أن تستشعر النكهة السورية فيه، ولهذا يستخدم بهارات مثل الكمون والنعنع اليابس والبابريكا المدخنة في أطباقه، حيث يقول: "إننا نحب السمن والدسم والثوم في سوريا وكلها نكهات قوية، لذا لا أرغب بتغيير الوصفات، بل بجعلها أكثر قبولاً لدى ثقافات أخرى بحيث يدفعهم ذلك إلى الإعجاب بالأكل السوري".

ويتمنى عماد أن يخلق أجواء تشبه أجواء بلده، ليس فقط من خلال الطعام الذي يقدمه، بل أيضاً من خلال الأجواء التي يبثها مطعمه، ولهذا يقول: "أريد أن يحس الناس وكأنهم في مطعمهم، حيث يمكنهم أن يأتوا ليسترخوا هنا". وهذا يشبه ما حدث في مطاعمه المتنقلة ونوادي الغداء التي شارك فيها حيث يتناول الضيوف طعامهم على طاولات طويلة وبهية (ومن لا يستطيع دفع قيمة العشاء يمكنه أن يحصل على فلافل بالمجان)، فهدفه هو جمع الناس معاً، وهذا ما عبر عنه بالقول: "من الصعب القيام بذلك في الوقت الحالي، على أمل أن نقيم طاولتين طويلتين في المطعم مستقبلاً".

وبعد خمس سنوات في بريطانيا، وقع عماد بغرام العاصمة البريطانية، حيث يقول: "لندن موطني، فأنا أعتبر نفسي لندنياً" بيد أن فكرة العودة إلى دمشق، فقط لزيارة الأهل والأصدقاء لا تبارح تفكيره، ولهذا يقول: "أتمنى أن أعود كل يوم، لكن الأمر لا يعدو كونه حلماً اليوم".

المصدر: التليغراف