طائر العنقاء في بلاد الربيع العربي

2022.04.16 | 05:01 دمشق

1_613.jpg
+A
حجم الخط
-A

تفكّر صناع الدراما في الاستفادة من الدمار والخراب الذي وقع في سوريا لتصوير أفلام سينمائية حربية، فالخرائب السورية ثروة بصرية وطنية، والرئيس هو الفنان الذي رسمها بريشة البراميل وحبر النار. المثل الإنكليزي يقول: لا تدع المصيبة تمر من غير أن تستفيد منها، وهو غير المثل القائل: مصائب قوم عند قوم فوائد، فالمثل الإنكليزي يحضُّ إثمار المصيبة التي تقع على المصاب وليس على غيره. وكان أول استفادة منها بتعليق صورة الرئيس على الجدران الصامدة بين الخرائب العظيمة والمجيدة، والموسومة بوسام صورة الرئيس. أغلب الظن أنَّ الشعب السوري هو قوم آخر غير قوم الفنان الرئيس.

وقد استفاد الإعلامي السوري شادي حلوة من المسغبة التي تمرُّ بالشعب السوري، فهبط إلى الشارع في مركبة فضائية اسمها "الناس لبعضا"، يسأل السوريين عن لغز أعيا العقول وهو حاصل جمع اثنين زائد ثلاثة، فلعل الشعب السوري نسي جمع وطرح الأعداد الأولية بعد هذه القارعة التي قرعت رأسه، فيهدي بعض المارة جوائز سنية؛ فروجًا أو فروجين على هذه المأثرة العظيمة والنبوغ العقلي، ويعود المذيع إلى بيته سعيدًا راضيًا لأنه أطفأ غضب الربّ بالصدقة.

انتشر هذا النوع من المسابقات في الشوارع العربية المنكوبة بالرؤساء البوابين، المصرية واليمنية والسورية، يطرح فيها السائل أحجيات سهلة على عابر يختاره

البرنامج سليل برامج حزورة رمضان، ربما تذكّر المشاهد غيث الإمارات الذي نزل من السماء، فضاع في شوارع مصر المفقرة، فراح يسأل عن اسم شارع أو سقية ماء، وكان يكافئ على جواب السؤال بمكافأة للمجيب تكفيه أود سنة كاملة، أما جائزة "الناس لبعضا" فهي وجبة عشاء واحدة، وبعض الأدعية، وضحكة كبيرة سعيدة لإشاعة البهجة، فالنظام لا يستطيع أن يكون بذكاء الإمارات التي تتدخل في الانتخابات الأميركية، إنها مثال "البيه البواب"، أدنى الموظفين وأحذقهم.

انتشر هذا النوع من المسابقات في الشوارع العربية المنكوبة بالرؤساء البوابين، المصرية واليمنية والسورية، يطرح فيها السائل أحجيات سهلة على عابر يختاره، وقد سأل الإعلامي أحمد رأفت كهلًا مصريًا عن اسم غطاء رأسه، ثم عن اسم متاع يحمله، ففاز بجائزة مالية قدرها 500 دولار، فسأل الكهل، وقد اشتهر بتقواه، واسمه الحاج عبد العظيم، عن شرعية الجائزة، أحلال أم حرام؟ متعجبًا من أن يفوز المرء بجائزة معرفة اسم غطاء الرأس أو اسم القفص، فلعل خلقًا جديدًا يتخلق ويتعلم الأبجدية. ويوتيوبر كردي من القامشلي يسأل صبيًا عن اسمه، ويعرض عليه عدة بطاقات، فيختار منها، ويفوز، فكلها بطاقات فائزة وإعلانات لمطاعم، جائزة على معرفة اسمه، ثم يذكّر الفائز بأن يضع له إعجابًا على صفحته عدة مرات، فهي صدقة مقابل ثمن، ووسائل التواصل تمنح الجوائز على الإعجابات، والقنوات تسعى لهذه الجوائز أكثر من سعي الناس لها.

 تفتقت عقول النخبة السورية الفنية عن برنامج تلفزيوني قبل سنتين مقتبس عن برنامج أميركي اسمه "أرب غوت تالانت" المقتبس بدروه من برنامج أميركي، فأطلقوا برنامجًا اسمه "سيريان تالنت"، تكثر فيه الإعلانات بحثًا عن المواهب والمنح الإلهية واللدنية في الطرب والغناء، وكلها أعطيات في الحنجرة وليست في العقل، وأثنت مقالات على موهبة إحدى "عضوات" اللجنة، واسمها شكران مرتجى، في تقليد أحلام ونجوى كرم، وهي الموهبة الوحيدة في البرنامج الذي توقف.

انتظرتُ برنامجًا مختلفًا من تلفزيون حكومي أو معارض أو من قناة أحد المغامرين على تقديم برنامج "فنِّ البقاء على قيد الحياة"، يصوّر مآسي السوريين في الاحتيال على دفع الموت جوعًا أو قهرًا، أو فنِّ إعداد وجبة الطعام من أمعاء الدجاج، أو فنِّ اكتشاف النار وإشعالها، أو فنِّ الاحتفال بثياب عمرها عشر سنوات في العيد، أو فرحة ولد بالعثور على قطعة بلاستيك في الزبالة، وكأنها من مخلفات غزو الفضاء، فكثير من الجيل ينتشر على أكوام الزبالة بحثًا عن فضلات قابلة للأكل.

السوريون جميعًا اشتركوا كرهًا في مسابقات موت، واستلموا بطاقات ذكية للاشتراك فيها، وهم يعبرون يوميًا مرحلة من مراحل مسابقة الحبار

كان يمكن عمل جوائز عينية لسوريين يبلغون ساحل آخر الشهر أحياءً، فهم يخوضون مسابقة الحبار القاتل، السوريون جميعًا اشتركوا كرهًا في مسابقات موت، واستلموا بطاقات ذكية للاشتراك فيها، وهم يعبرون يوميًا مرحلة من مراحل مسابقة الحبار، والحدود مقفلة، والجند يتربصون بهم، هناك جائزة يحرص عليها النظام، وهو صاحب موهبة و"تالانت" في البقاء على قيد السلطة الذهبي، ومن ذلك أنَّ النظام المصري الحارس أصدر عقوبة كبيرة لكل من يحاول الفرار من مصر وعبور أسوار الحدود نحو جنة أوروبا المحرمة.

تداولت وسائل التواصل فيديوهات لآباء يبكون من الجوع والذل. الفائزون في مسابقات معرفة حاصل: واحد زائد واحد هي التلفزيونات الحكومية التي تتصدق على الفائز بفروج، يجعله يطير فرحًا بكرم حاتم طي، وبالفروج الذي أمسى طائرًا خرافيًا مثل العنقاء والرخ والسيمرغ في سوريا الأسد.