ضوابط رأس المال في تركيا وتأثيرها على متغيرات الاقتصاد الكلي

2022.09.07 | 05:49 دمشق

الاقتصاد التركي
+A
حجم الخط
-A

في الرابع والعشرين من يونيو الماضي أعلنت وكالة التنظيم والرقابة المصرفية التركية حظر البنوك من تقديم قروض جديدة بالعملة المحلية للمجموعات التي تمتلك حيازات كبيرة من الدولار واليورو.

وقالت الوكالة إن هذا الإجراء سينطبق على الشركات التي لديها عملات أجنبية في دفاترها تزيد قيمتها على 15 مليون ليرة تركية (890 ألف دولار) وتتجاوز 10 في المئة من إجمالي أصولها أو إيراداتها السنوية.

أحدثت هذه الخطوة صدمة في القطاع المصرفي التركي، حيث اعتبرها الكثيرون من الاقتصاديين الخطوة الأولى من سلسلة إجراءات تطبيق ضوابط على رأس المال في اقتصاد طالما اعتمد على التمويل الأجنبي.

تعتبر هذه الخطوة الأحدث في سلسلة من المحاولات غير التقليدية لدعم الليرة المتعثرة من دون تشديد النقدية ورفع الفائدة وهي السمة الطاغية على السياسة النقدية العالمية، وكانت الليرة قد اكتسبت ما يصل إلى خمسة في المئة مقابل الدولار في مرحلة ما بعد الإعلان بشكل مؤقت.

في هذه الدراسة سوف نقوم بتوضيح مفهوم ضوابط رأس المال بشكل عام، وبتحليل أثر الإجراءات المتخذة من قبل هيئة الرقابة النقدية التركية على سعر الصرف الليرة والحساب الجاري ومعدل التضخم والحساب الجاري التركي بعد أكثر من شهرين من تطبيقها.

1- مفهوم ضوابط رأس المال:

يعرف صندوق النقد الدولي ضوابط رأس المال بأنها (أداة يمكن لحكومة أو مصرف مركزي أو هيئة مالية أخرى أن تتحرك بواسطتها لتنظيم تدفق النقد إلى داخل بلد معين أو إلى خارجه).

وتشمل الإجراءات التدفق النقدي الداخل والخارج من الدولة، حيث تشمل السيطرة على تدفق رأس المال إلى الخارج من أجل الحيلولة دون اكتساب المواطنين الأصول في الخارج، والعكس الذي يمنع المضاربين الأجانب من شراء الأصول المحلية، بأنه سيطرة على تدفق رأس المال إلى الداخل.

ويمكن أن تشمل هذه الإجراءات نطاق الاقتصاد بأكمله أو تستخدم لاستهداف صناعات أو قطاعات محددة، وهي تستخدم عادةً لدعم نظام مالي مضطرب أو عملة تعاني الضغط والتقلبات الحادة.

ومن أشهر الأمثلة على استخدامها هو تطبيقها من قبل روسيا للحيلولة دون انهيار الروبل بسبب العقوبات الغربية المفروضة على الاقتصاد الروسي بسبب غزو أوكرانيا، وتطبيقها من قبل اليونان بين عامي 2015 و2019، عندما وقعت البلاد في أزمة الديون السيادية الأوروبية. والأرجنتين حاليا لمواجهة أزمة البيزو الأرجنتيني وتلبية لشروط صندوق النقد الدولي.

ويرى خبراء الاقتصاد الليبراليون والمؤيدون للسوق الحرة أن ضوابط رأس المال تعارض مفهوم الاقتصاد الحر وضارة بالنمو الاقتصادي.

ويرى خبراء الاقتصاد الليبراليون والمؤيدون للسوق الحرة  أن ضوابط رأس المال تعارض مفهوم الاقتصاد الحر وضارة بالنمو الاقتصادي

2- أثر ضوابط رأس المال على سعر صرف الليرة:

 نظريا تعتبر ضوابط رأس المال من الأدوات الرئيسية التي تستخدم في معالجة أزمات العملة عندما تعاني من التقلبات الكبيرة من خلال تقليل عرضها وزيادة الطلب عليها، وهذا ما كان الهدف الرئيسي للإجراءات التركية، حيث ستضطر الشركات التركية التي تتجاوز حيازاتها من العملات الأجنبية 890 ألف دولار إلى البدء في بيع ممتلكاتها من العملات الأجنبية واستبدالها بالليرة التركية من أجل استمرار نشاطها التجاري لأنها لم تعد قادرة على الاقتراض بالليرة التركية، بالإضافة إلى الاتهامات التي وجهها المركزي التركي لبعض الشركات بالمضاربة على سعر صرف الليرة من خلال الاقتراض بفائدة منخفضة بالليرة التركية واستخدام هذه القروض في شراء العملات الأجنبية.

عمليا لم تنجح هذه الإجراءات في كبح جماح انخفاض الليرة، حيث انخفضت بحدود 10% من إقرار هذه الإجراءات، مع استمرار العوائد الحقيقية منخفضة بحدود -67% خاصة مع الخفض المفاجئ الأخير لسعر الفائدة من قبل المركزي التركي بمئة نقطة أساس والذي شكل حالة معاكسة للسياسة النقدية العالمية، كما ساهم ارتفاع مؤشر الدولار الأميركي وارتفاع عائد سندات الخزانة الأميركية في استمرار خروج الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة وعلى رأسها تركيا.

يوضح المخطط المرفق سعر صرف الليرة عند الإغلاق الأخير وأداءها أمام الدولار بعد قرار خفض الفائدة الأخير:

 

Chart, line chartDescription automatically generated

 

 

 

3- تأثير ضوابط رأس المال على مؤشر أسعار المستهلكين (معدلات التضخم):

يعتبر تخفيض معدلات التضخم أحد الأهداف غير المباشرة لتطبيق ضوابط رأس المال من خلال ارتفاع سعر صرف العملة المحلية  وزيادة قوتها الشرائية وبالتالي ينخفض معدل التضخم من جهة الطلب السلعي، وباعتبار أن الليرة التركية استمرت بالانخفاض، استمر مؤشر أسعار المستهلكين على أساس سنوي في الارتفاع حيث ارتفع بحدود 10% من إقرار ضوابط رأس المال، حيث سجل في القراءة الأخيرة نسبة 80% عن شهر يوليو وبذلك تكون تركيا تحتل المرتبة الأولى من حيث معدلات التضخم بين مجموعة دول العشرين كما يوضح الجدول المرفق، كما يوضح المخطط المرفق أدناه الارتفاع المستمر في مؤشر أسعار المستهلكين وخاصة في العام الحالي مع بدء تطبيق النموذج الاقتصادي غير التقليدي:

Chart, line chart, histogramDescription automatically generated

 

TableDescription automatically generated with low confidence

 

 

4-  تأثير ضوابط رأس المال على الميزان التجاري:

نعتبر ضوابط رأس المال من العوامل ذات التأثير السلبي على قطاع التصنيع والتصدير في الاقتصادات التي تعتمد على التمويل الأجنبي كالاقتصاد التركي، بسبب زيادة تكاليف الائتمان والتشدد في شروط الحصول على القروض.

لم يظهر تأثير سلبي لهذه الإجراءات على قطاع التصدير حيث أشارت أرقام وزارة التجارة إلى بلوغ الصادرات أكثر من 125 مليارا خلال النصف الأول من العام الجاري، وهذا قبل ذروة الإنتاج الزراعي وزيادة الطلب على الأثاث والألبسة وحتى الأسلحة التركية.

في حين استمر العجز في الحساب الجاري الذي سجل في القراءة الأخيرة بحسب بيانات عن معهد الإحصاء التركي اليوم أعجز التجارة الخارجية للبلاد ارتفع 184.5 بالمئة على أساس سنوي إلى 8.167 مليار دولار في يونيو/ حزيران، مع ارتفاع الواردات بنسبة 39.7 بالمئة.

وأظهرت البيانات أن الواردات بلغت 31.595 مليار دولار بينما زادت الصادرات 18.7 بالمئة إلى 23.428 مليار دولار. ويعود ذلك إلى ضعف قيمة الليرة التركية التي رفعت من فاتورة الاستيراد واستمرار ارتفاع أسعار الطاقة عالميا.

5-  الخلاصة:

نعتبر ضوابط رأس المال هي الخطوة الحكومية الثانية في مواجهة أزمة الليرة التركية التي بدأت في سبتمبر الماضي حين قام المركزي التركي بعكس السياسة  النقدية بطريقة غير تقليدية.

الخطوة الأولى كانت ودائع الليرة المحمية والتي كلفت الخزينة التركية حوالي 200 مليار ليرة ولكنها لم تمنع الليرة من العودة الانخفاض والاقتراب من القاع التاريخي من جديد.

لم يظهر وفق ما سبق أي تأثير إيجابي لضوابط رأس المال على متغيرات الاقتصاد الكلي المتمثلة بالتضخم والميزان التجاري بالإضافة إلى سعر صرف الليرة، يعود ذلك إلى أنها خطوة غير كافية من المعايير والتي يجب أن تكون أكثر قسوة في تقييد الائتمان وسابقة لأوانها، حيث يجب أن تسبقها خطوات تعديل السياسة النقدية التي أصبحت خلف منحني التقدم بكثير، بالإضافة إلى إجراءات تتعلق باستقلالية المصرف المركزي والتزامه بقواعد الاقتصاد الحر دون تدخل سياسي، كما يجب التأكيد على أثر السياسة النقدية العالمية على الاقتصاد التركي بهدف اتخاذ الإجراءات التي تحد من التأثير السلبي لها والاستفادة من الفرص التي قد تتولد عنها.