صفقة تبادل.. بل حفظ روسي إسرائيلي لماء وجه بشار الأسد

2021.02.18 | 23:51 دمشق

screen-shot-2021-02-17-at-4.50.06-pm-640x400.png
+A
حجم الخط
-A

يمكن الحديث مجازاً عن الاتفاق الروسي الإسرائيلي الأخير باعتباره صفقة تبادل بين إسرائيل ونظام بشار الأسد بوساطة روسية، إلا أن الأمر ليس كذلك بالتأكيد لأننا لسنا بصدد صفقة أبداً، وإنما تفاهم ثنائي روسي إسرائيلي تام يأخذ أبعاداً جوهرية سياسية وأمنية بقشرة أو إطار إنساني مع سعي من الجانبين لحفظ ماء وجه بشار الأسد ونظامه ولو شكلياً وإعلامياً فقط.

للتذكير فإن التفاهم بين روسيا وإسرائيل يتضمن إعادة شابة إسرائيلية من مستوطنة موديعين عليت للمتدينين المتطرفين يقال إنها دخلت بالخطأ إلى الأراضي السورية وتحديداً إلى مدينة القنيطرة في الجزء المحرر من هضبة الجولان مقابل إفراج الاحتلال عن أسيرين سوريين من السجون الإسرائيلية.

هذا ليس دقيقاً طبعاً، فالأسيرة نهال المقت ليست معتقلة وإنما تقوم بتنفيذ حكم لخدمة الجمهور لمدة ستة شهور وهو نظام معمول به في المنظومة القضائية الإسرائيلية والغربية، ورغم ذلك وافقت روسيا على إدخالها ضمن الصفقة بل وإبعادها عن قريتها وأهلها وذويها. أما الأسير الآخر ذياب قهموز والذي قضى ثلث مدة محكوميته، فقد وافقت روسيا على إدخاله ضمن الصفقة والإفراج عنه وإبعاده أيضاً عن قريته المحتلة، الأمر الذي رفضه القهموز والمقت ويرفضه الأسرى في العموم.

لا يقل عن ذلك أهمية الضجة التي أثارها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لأسباب سياسية انتخابية خاصة به رغم أنها فضحت من جهة أخرى عمق العلاقة بين روسيا وإسرائيل في سوريا التي هي أكثر بكثير من تنسيق وأقل بقليل من تحالف. 

لا شك أن موسكو تسعى لشرعنة وتعويم نظام الأسد، ونيل رضا تل أبيب كمقدمة لرضا واشنطن والغرب بشكل عام

خلال الأسبوعين الماضيين أي منذ دخول المواطنة الإسرائيلية الأراضي السورية بالخطأ، كما يقال في الإعلام الإسرائيلي واعتقالها من قبل جهات تابعة لنظام الأسد، تحدث نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزيرا الخارجية والدفاع غابي أشكنازي وبيني غانتس مع نظيريهما الروسيين سيرغي لافروف وسيرغي شويغو، بينما التقى السفير الإسرائيلي في موسكو صحبة الملحق العسكري بالسفارة مع نائب وزير الدفاع الروسي، وجاءت البيانات الصادرة عن الاتصالات واللقاءات لافتة جداً وحميمية لدرجة أن العنوان العريض للاتصال بين نتنياهو وبوتين كان الحفاظ على التنسيق الأمني في سوريا والمنطقة.

إضافة إلى ذلك سافر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات إلى موسكو الأربعاء بطائرة خاصة بصحبة مسؤول ملف الأسرى بالحكومة الإسرائيلية يارون بروم. وكان يفترض أن يعودا مع المواطنة الإسرائيلية لولا عراقيل مؤقتة ناتجة عن رفض الأسيرين الأبعاد الذي أملته روسيا وقبل به عبد المأمور بشار الأسد.

الفترة نفسها شهدت أيضاً نبش جنود الاحتلال الروسي مرة أخرى لمقبرة الشهداء بمخيم اليرموك المدمر بحثاً عن رفات الجنود الإسرائيليين المفقودين منذ أسرهم في معركة السلطان يعقوب بلبنان حزيران يونيو 1982، وهذا يتم بمشاركة بقايا جيش الأسد وبإمرة الروس طبعاً كونه أي بشار لا يستطيع قول لا للقوة الكبرى القائمة بالاحتلال. إن أراد أصلاً.

لا بد من التذكير بحقيقة أن إسرائيل هي التي حددت معالم الصفقة وبناء على تمنٍّ روسي حددت أسماء الأسيرين لحفظ ماء وجه الأسد، والزعم أننا أمام صفقة تبادل أسرى وليس إفراج نظام الأسد عن المواطنة الإسرائيلية دون ثمن جدي ودون أي تفاوض من جانبه.

أما في المضمون والمغزى السياسي فقد كشف التفاهم الروسي الإسرائيلي تماماً طبيعة العلاقة الحميمة بين الجانبين، علماً أن روسيا بادرت لذلك لعدة أسباب منها موافقة إسرائيل على الواقع الذي فرضته في سوريا، وعدم التعرض لبشار الأسد ونظامه حتى مع الهجمات والغارات الإسرائيلية المكثفة التي باتت أسبوعية وحتى نصف أسبوعية ضد إيران وميليشياتها بما في ذلك بعض المعسكرات الرسمية التي تستخدمها لكن دون تعرض للنظام ورموزه ومؤسساته بشكل مباشر ومركز.

الموقف الروسي يعبر كذلك عن سياسة تقليدية تعتبر تل أبيب مدخلاً مجدياً وناجعاً للعاصمة الأميركية لواشنطن أو على الأقل اعتبار صيانة أمن إسرائيل قاعدة للتفاهم مع الولايات المتحدة حول قضايا وملفات إقليمية ودولية أخرى.

لا شك أن موسكو تسعى لشرعنة وتعويم نظام الأسد، ونيل رضا تل أبيب كمقدمة لرضا واشنطن والغرب بشكل عام، مع طرح سلّة متكاملة تتضمن رفع العقوبات وتسهيل المساعدات العربية والدولية لعملية إعادة الإعمار وفق الواقع الجاري الذي فرضته بقوة الاحتلال.

في كل الأحوال لا نتحدث أبداً، ولم نكن في أي مرة بصدد وساطة روسية للتوصل إلى صفقة تبادل جدية وعادلة بين النظام وإسرائيل، كما هو الحال مثلاً بين هذه الأخيرة وحركة حماس حيث الثمن أغلى بكثير، ومن يدخل من الإسرائيليين بالخطأ إلى غزة، يجري اعتقاله ولا يتم الإعلان عن أي تفاصيل متعلقة بأوضاعهم وإنما يجري ربط ذلك بصفقة تبادل أسرى جدية وعادلة.

يجب الانتباه أيضاً إلى أن النظام وافق على إبعاد مواطنيه الصامدين على أراضيهم رغم أن هذا منافٍ للمواثيق الدولية وتحدٍّ لاتفاقية جنيف الرابعة الحامية للمواطنين والسكان تحت الاحتلال، ولم يطلب حتى ثمناً جدياً فيما يتعلق بأسرى فصائل فلسطينية مناصرة له تدافع عما ارتكبه ويرتكبه من جرائم بحق السوريين والفلسطينيين، وتسوّق حتى الرواية المزعومة عن ممانعته ومقاومته لإسرائيل ومشروعها.

عموماً جرى إضفاء طابع إنساني على تفاهم سياسي - أمني فظّ وصارخ، واستغلال موصوف له على أعتاب الانتخابات الإسرائيلية مع تبجح نتنياهو باستخدام علاقته الشخصية مع الرئيس بوتين خاصة مع انتماء المواطنة الإسرائيلية إلى شريحة المتديّنين المتطرفين المتحالفين معه.

يجب الانتباه كذلك إلى أن بوتين عمل دائماً لخدمة نتنياهو انتخابياً أكثر من مرة في الفترة الأخيرة، وتجيير نظام الأسد لنفس المهمة. وفي العام قبل الماضي 2019 قام بإعادة رفاة أحد الجنود الإسرائيليين المفقودين في معركة السلطان يعقوب -زخاريا بوميل- وقبول روسيا بإبعاد أسيرين رفض أحدهما صدقي المقت شقيق نهال للإبعاد، بينما اعتقل نظام الأسد الأسير الثاني العائد وكان قد أنهى محكوميته تقريباً -أحمد خميس فلسطيني سوري- بل قام بتعذيبه في أفرعه الأمنية سيئة الصيت بما فيها الفرع المسمى زوراً وبهتاناً فرع فلسطين، ثم قام بوتين نفسه بزيارة تل أبيب بداية العام المنصرم في زيارة هدفت أيضاً إلى خدمة نتنياهو انتخابياً وبشكل مباشر.