صفقة تبادل الحقوق

2020.12.28 | 23:00 دمشق

_116031545_69d50cc1-64c5-49f5-99a9-b88343d765da.jpg
+A
حجم الخط
-A

خرجت العلاقات بين إسرائيل والمغرب إلى العلن من خلال قيام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب بالإعلان عن صفقة برعايته تعترف من خلالها إدارته بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، مقابل أن يعترف المغرب بدولة إسرائيل ويقيم معها علاقات طبيعية في مختلف المجالات.

وقد كانت هذه العلاقات سرية نسبياً على الرغم من نجاحها في ملفات عدة. فقد احتوت على تنسيق أمني واستخباراتي مهم للغاية، كما أشارت إليه الصحف الإسرائيلية، كمساعدة الموساد لأجهزة الأمن المغربية في اختطاف وقتل وإخفاء جثة المعارض المغربي اليساري المهدي بن بركة، وكذلك التجسس على أعمال القمة العربية في الرباط سنة 1966 مما ساعد الإسرائيليين كثيراً في حربهم ضد العرب سنة 1967. يُضاف إلى ذلك، تنظيم مشترك لهجرة مغاربة يهود الى الأراضي المحتلة تقدر الإحصاءات عددهم اليوم بين 700 ألف ومليون شخص.

اكتنف بعض البرود هذه العلاقات خصوصاً إثر الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في دول عربية أخرى كلبنان مثلاً. وكان البرود المغربي مرتبطاً بالخشية من تحرك الشارع الداخلي الذي وعلى الرغم من إشغاله، كما في بقية الدول العربية، في همومه المعيشية اليومية وفي صراعات إقليمية، إلا أن موقفه استمر واضحاً وحاسماً في رفض الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان المستمر ونظام الفصل العنصري الممارس بحق من احتلت أراضيهم. وتعزّز هذا البرود مع وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى تولي رئاسة الحكومة من ضمن عملية استقطاب واستيعاب واستخدام بدأ بلعبها ببراعة الملك الحسن الثاني، واستمر المخزن المغربي في إدارتها مع وصول الملك محمد السادس إلى القصر الملكي، برضا وشراكة الطرفين.

لن تحتفل الأوساط الإعلامية المغربية المقربة من السلطة، والمحرجة جدا كما تشير إليه التصريحات المتناقضة والمتلعثمة، بنفس درجة الوقاحة الإنسانية التي يمارسها إعلام الإمارات

وإن أهمل المراقب قضية المقايضة التي تمت والتي أكد جُلُّ الباحثين الجديين كما الدبلوماسيين السابقين في واشنطن على أنها يمكن أن تُلغى بمجرد وصول إدارة جو بايدن إلى البيت الأبيض، مع الإشارة إلى إمكانية وجود بعض العراقيل التي قد تؤخر ذلك، إلا أن المدافعين عن الخطوة، وعلى رأسهم رئيس الحكومة الإسلامي، والذي ما فتئ يُندّد بالتطبيع الذي جرى ويجري بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية كما السودان، وجدوا فيها انتصاراً وطنياً ثبّت أقدامهم في الصحراء الغربية وعزّز من قدرتهم على المناورة بخصوص كل القرارات الأممية المتعلقة والتي صدرت عن الجمعية العامة للأم المتحدة وكما تلك الصادرة عن مجلس الأمن، والتي يأتي القرار الترامبي لإضعافها.

لن تحتفل الأوساط الإعلامية المغربية المقربة من السلطة، والمحرجة جدا كما تشير إليه التصريحات المتناقضة والمتلعثمة، بنفس درجة الوقاحة الإنسانية التي يمارسها إعلام الإمارات وبنسبة أقل، كما يفعل إعلام البحرين. كما لن يخرج من المغربيين، حتى الأشد منهم قرباً إلى مركز صنع القرار، من يُهاجم القضية الفلسطينية ويُحمّل الضحية مسؤولية تعكير السلام في الشرق الأوسط كما فعل ويفعل دون أي خجل إعلاميون وباحثون إماراتيون ومن لف لفهم. سيكون الحذر واضحاً تجاه إثارة مشاعر الراي العام المحلي مع أن عملية تأخير الإصلاح السياسي، وبالتالي عدم الأخذ بالرأي العام ومطالبه السياسية كما الاقتصادية، قد أضحت هي القاعدة التي يُدار بها مستقبل البلاد دون خشية لائم. وقد تم ترسيخ العودة مبكراً عن الإصلاحات النسبية والشكلية التي قامت في المغرب بعد انطلاق احتجاجات الربيع العربي سنة 2011.

أوضح المؤشر العربي لقياس الرأي العام سنة 2019 / 2020 بجلاء أن نسبة تبلغ 88 في المئة من الرأي العام المغربي المستطلعة آراؤهم ترفض التطبيع مع دولة الاحتلال

وفي السنوات الأخيرة، استعاد الأمن أساليبه السابقة باللجوء إلى التهم الأخلاقية والمالية لمحاولة إسكات الأصوات النقدية في الصحافة أو في المجتمع المدني، والذي صدّق جزء منه بأن عجلة الإصلاح قد انطلقت فعلاً في البلاد وأنها، وإن تعرضت لعوائق ومسارات متعرجة، إلا أنها استطاعت أن تفسح بهامش نسبي للتعبير حاول من خلاله البعض المناورة.

لقد أوضح المؤشر العربي لقياس الرأي العام سنة 2019 / 2020 بجلاء إلى أن نسبة تبلغ 88 في المئة من الرأي العام المغربي المستطلعة آراؤهم ترفض التطبيع مع دولة الاحتلال. وبالتالي، فسيعم الحذر في إدارة هذا الملف شكلياً على الأقل. وربما جرت محاولات لتشتيت الانتباه عنه بالتشجيع على فتح ملفات داخلية تلعب دوراً امتصاصياً للغضب الشعبي أو ملفات إقليمية خلافية وما أكثرها.

على هامش ترقّب الأسلوب الذي سيتم اللجوء إليه لتجاوز هذه المقايضة التي يمكن اعتبارها على أنها "قسمة ضيزى"، يحتفل الإسرائيليون بصورة باعثة على الإحراج للطرف الآخر، وهم في هذا متميزون في اللامبالاة بمراعاة حساسية الملف لديه. وفي حركة تعبر عن استخفاف مقصود بالطرف المغربي وإضعاف لأي إمكانية تترك لديه القدرة على المناورة وتسمح له بالخروج بأقل الخسائر من هذه القسمة، فقد أرسلت تل أبيب لتوقيع اتفاقيتها مع الرباط، مئير بن شبات بحجة أنه من أصل مغربي. بن شبات هذا قاد عمليات الشاباك خلال عملية الرصاص المصبوب التي قامت بها القوات الإسرائيلية ضد قطاع غزة في 2008-2009. والتي أسفرت، وبناء على تقرير منظمة العفو الدولية، عن "قتل نحو 1400 فلسطيني، من بينهم نحو 300 طفل ومئات المدنيين العزل، من بينهم أكثر من 115 امرأة ونحو 85 رجلاً فوق سن الخمسين."