صفقة القرن.. من حلب إلى القدس

2019.01.04 | 22:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قبل عامين وفي مثل هذه الأيام، خرج وزير الدفاع الروسي مزهواً ليعلن وعلى الملأ بأنهم استطاعوا وقف مد الثورات والقضاء على الربيع العربي بعد سيطرتهم على مدينة حلب قلعة الثورة السورية. السيطرة التي جاءت بعد حصار طويل  وبعد أن حشدت للمعركة جيوش ثلاث دول بينها ثاني أقوى جيش في العالم مع عشرات الميليشيات الشيعية.

تيار أعداء الثورات أو ما اصطلح على تسميتهم تيار الثورات المضادة لم يخف دعمه للحملة الروسية الإيرانية على  فصائل الثورة السورية في عموم سوريا، وبعد احتلال حلب من قبل تلك القوات خرجت أبواق ومتحدثون باسم ذاك التيار للاحتفال ومباركة احتلال إيران لحلب عاصمة الشمال السوري. هذا الاحتفال يؤكد ربما  تلك الشائعات التي تحدثت عن أموال إماراتية موّلت التدخل الروسي الذي بدأ في شهر أيلول من عام 2015.

اليوم وبعد عامين على احتلال حلب وإجبار المعارضة على وقف جبهات القتال مع نظام الأسد الكيماوي كنتيجة طبيعية لمساري أستانا وسوتشي بدأ قطار التطبيع رحلته  وكانت الإمارات أولى محطاته!

ليست صدفة أن تكون الإمارات أول من يعلن عودة علاقاتها الرسمية مع النظام، فالعلاقة لم تنقطع  خلف الأبواب المغلقة، حيث كانت الإمارات ملاذا آمنا لكبار رموز النظام هم وأموالهم.

تيار أعداء الثورات أو ما اصطلح على تسميتهم تيار الثورات المضادة لم يخف دعمه للحملة الروسية الإيرانية على  فصائل الثورة السورية في عموم سوريا

والأهم أن الإمارات أعلنت بكل وضوح منذ بداية الثورات عداءها لقوى الربيع تحت عنوان محاربة الإسلام السياسي. وقدمت مع السعودية كل الدعم  لانقلاب السيسي على محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب. ولم تتوقف الإمارات يوما عن العبث بكل الدول التي حصلت فيها ثورات والبحث عن موطىء قدم في دول كشفت الثورات هشاشتها من الداخل وبينت أنها ليست أكثر من أشباه دول.

مؤخرا  كثر الحديث عما يسمى بصفقة القرن والتي تهدف لتصفية كامل القضية الفلسطينية والتسليم باحتلال إسرائيل كدولة يهودية على أرض فلسطين. الصفقة التي لم يعرف ماهيتها ولا بنودها في حال كان هناك صفقة ما مكتوبة ولها محددات وإجراءات تنفيذية. لكن مايحدث على أرض الواقع  بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة للقدس؛ كان بمثابة تحول جديد وجذري في تعاطي الإدارة الأمريكية مع طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ترامب فعل ماوعد به أسلافه لليهود لكن لم يجرؤ أحد من الرؤساء السابقين على تنفيذه. تحولٌ يشي بنوايا الإسرائيليين ومعهم كل داعميهم  لتصفية حقوق الفلسطينيين بما فيها حق العودة.

تصفية حقوق الفلسطينيين بحاجة إلى شرعنة وإلى غطاء عربي لها، ومن أفضل من أنظمة الحكم الحالية لتوافق على كل مايطلب منها مقابل البقاء في السلطة. ثورات الربيع العربي كشفت عن أن لا مؤسسات حقيقية في الدول العربية وأن المشاكل المالية والاجتماعية التي تنخر جسد كل الدول العربية مع انعدام تام للحياة السياسية كانت مهيئة للانفجار في أي لحظة.

الانفجار الذي حصل بالفعل بداية من تونس وصولا إلى سوريا كشف عن هشاشة النظام الرسمي العربي وضعفه على مقاومة إرادة الشعوب أو التعامل مع الانفجار الحاصل سوى بالحديد والنار، ولا يمكن حدوث ذلك دون غطاء ومباركة من المجتمع الدولي.

تصفية حقوق الفلسطينيين بحاجة إلى شرعنة وإلى غطاء عربي لها، ومن أفضل من أنظمة الحكم الحالية لتوافق على كل مايطلب منها مقابل البقاء في السلطة

يكون السؤال مشروعا هنا عن الربط بين احتلال حلب وصفقة القرن، لكن الإجابة لاتحتاج إلى الكثير من الشرح والتأويل. دول عربية تحكم بصناديق الاقتراع  ولديها هامش جيد من الاستقلالية  والمناورة في السياسية الإقليمية لن ترضخ لشروط تصفية القضية الفلسطينية وستحاول استغلال الهوامش المتاحة للتقليل من الخسائر وإحداث فارق ولو بسيط لصالح الفلسطينيين. لكن وجود أنظمة حكم قمعية لا هم لها سوى البقاء في السلطة ولو على وطن مدمر حاجة إسرائيلية  لتمرير كل الصفقات بدون أدنى مقاومة.

صفقة القرن الحقيقية والواضحة المعالم كانت عبر إجهاض الثوارت العربية وسحقها عسكريا ومنح مرتكبي المجازر في سوريا ومصر واليمن وليبيا شرعية الحكم والبقاء فوق كراسٍ تهزها رياح التغيير. ليسهل لاحقا تمرير كل الصفقات وليس فقط صفقة تصفية حقوق الفلسطينيين.

رغم الهزيمة العسكرية  لثوار سوريا في قلعتهم  بواسطة العدوان الروسي ورغم كل مايعتري المدافعين عن القضية الفلسطينية من ضعف وهشاشة نتيجة الانقسام الداخلي وغياب أي دور عربي فاعل. لكن ماغاب عن ذهن  وزير دفاع بوتين وهو يلقي بيان نصره المزعوم  فوق جثث أطفال حلب وعن ذهن أعداء الثورات أن الثورات لاتهزم عسكريا، خسارة معركة عسكرية لاتعني أبدا سحق الثورة ومطالب شعوب عرفت معنى الحرية والكرامة، ومايحدث في السودان اليوم  وربما لاحقا في أكثر من دولة عربية يؤكد بما لايدع مجالا للشك بأن كل محاولات هذه الأنظمة ومعها الغرب الذي يدعمها سرا وعلانية لن تجدي نفعا في إعادة عقارب الساعة للخلف.

لن يعيد أرض فلسطين سوى شعوب حرة ودول حرة تحكم بصناديق الاقتراع، أما مخلفات الاستعمار والتي تحكم البلاد العربية حاليا فقد دخلت مرحلة الموت السريري رغم كل مظاهر الاستقرار الخادعة التي يحاولون إيهامنا بها.. من تخيفه تغريدة ومنشور فيسبوكي ليس سوى نظام كرسيه من قش.