icon
التغطية الحية

صعود الصناعة الدوائية في إدلب.. هل يكسر هيمنة النظام على سوق الدواء؟

2022.03.15 | 07:12 دمشق

artboard_9.jpg
معمل ريفا فارما للصناعات الدوائية في ريف إدلب (تلفزيون سوريا)
+A
حجم الخط
-A

يتفق صعود الصناعة الدوائية في محافظة إدلب، وسط إقلاع عدد من المصانع الدوائية في الإنتاج والتوريد للسوق المحلية، مع سياسات عامة لدعم الأمن الدوائي في منطقة شمال غربي سوريا، وكسر هيمنة الدواء القادم من مناطق سيطرة النظام، وفي إثر هذا التوجّه تسعى مصانع محلية من جهة ومؤسسات حكومية من جهة أخرى إلى الوصول لاكتفاء ذاتي من خلال زيادة الإنتاج الدوائي المحلي، وتسهيل استجرار المواد الأوليّة والدواء المستورد.

وقفز الاستهلاك للمنتجات الدوائية المصنّعة محلياً من 5 في المئة إلى 35 في المئة من إجمالي الاستهلاك الدوائي العام، في العام الماضي، في حين ارتفعت أعداد الأصناف والمستحضرات المحلية في السوق من 35 مستحضراً إلى 200 مستحضر، بحسب أرقام "وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ السورية".

ويوجد في محافظة إدلب معمل دوائي واحد، فيما تجري عدة شركات أخرى "مصانعة" داخل المعمل ذاته، ويتوجّه معمل آخر للافتتاح خلال الأشهر القليلة القادمة.

الدواء محلي الصنع

ينتشر في أسواق إدلب الدوائية ثلاثة أصناف رئيسية للدواء، وهي القادمة من مناطق سيطرة النظام فيما يعرف بـ "الدواء الوطني"، والدواء المستورد عبر المعابر الحدودية (الدواء الأجنبي)، وأخيراً الدواء المصنّع محلياً.

وتعتمد المنطقة على الدواء القادم من مناطق سيطرة النظام بنسبة تصل إلى 60 في المئة، بعد أن كانت تتجاوز الـ 90 في المئة، وهي مؤشر على اقتحام الصناعة الدوائية المحليّة للسوق المحلية وزيادة استهلاكها من الأهالي إلى جانب المستورد.

ومع حاجة المنطقة إلى "دواء قادم من مناطق سيطرة النظام"، بهذه النسبة الكبيرة، تحضر تساؤلات حول إمكانية الاستغناء عن هذه الأدوية وتحويل وجهة الطلب، نحو السوق المحلية أو الخارجية (الأجنبية)، هرباً من الاحتكار أو الاحتكام إلى حركة المعابر.

في هذا السياق، يوضح محمد السعيد وهو مدير الرقابة الدوائية والشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة التابعة لـ "الإنقاذ"، أنّ "الاستغناء عن الدواء المورّد من النظام يتوقف على فهم وتعاطي المجتمع مع الصنف الدوائي ويحتاج ذلك إلى العمل التوعوي إلى جانب دعم الصناعة المحلية وهو ما تعمل عليه الوزارة في الوقت الحالي".

وتخضع الأدوية المصنعة محلياً، والمستوردة على حدّ سواء، لـ "رقابة دوائية"، بحسب "السعيد"، وهي تكون عبر الشؤون الصيدلانية التي تعنى بمراقبة الصنف الدوائي ضمن الأسواق المحلية، والرقابة الدوائية وتتولى ملف ترخيص الأضابير الدوائية، أما المخابر الدوائية فمهمتها تحليل العينات من الناحية الجرثومية والكيميائية والفيزيائية.

معمل ريفا فارما للصناعات الدوائية في ريف إدلب

"كسر احتكار النظام"

يقول الصيدلاني محمود السبع وهو مدير التسويق لشركة "ريفا فارما"، وهو أول معمل دوائي انطلق في محافظة إدلب عام 2016، إنّ "إنشاء المصنع جاء من حاجة الأهالي للمستحضرات الدوائية الملحّة مثل خافضات الحرارة وغيرها، وبالتدريج وصلت الشركة إلى إنتاج كمي ونوعي في السوق الدوائية المحليّة".

ويضيف "السبع" لموقع تلفزيون سوريا، أنّ "الشركة تطمح إلى الهروب من هيمنة النظام على السوق الدوائية في المنطقة وتحقيق اكتفاء بما يلبي احتياجات سكان المنطقة وما يتوافق مع المعايير العالمية للصناعة الدوائية".

تحديات.. الصراع مع "دواء النظام"

يتحدّث أحمد الحسين وهو مدير عام أول مصنع دوائي انطلق في محافظة إدلب (ريفا فارما) عن أبرز التحدّيات والمعوّقات التي واجهتهم منذ التأسيس، وحتى البدء بمرحلة إنتاج نوعية بعد عام 2021.

يقول "الحسين" لموقع تلفزيون سوريا، إنّ "دولار المصانع الدوائية في مناطق سيطرة النظام كان مدعوماً من قبل الأخير، أي إن سعر تصريف الدولار الواحد، لتلك المعامل كان يوفره بـ 2000 ليرة سورية، في حين كانت تسعيرته بمناطقنا تتجاوز الـ 3000 ليرة، وهذا الأمر أحدث فرقاً كبيراً في التكلفة، وبالتالي كانت معامل النظام توفر بسعر أرخص وعروض أفضل". وهذه من أبرز المعوّقات التي واجهت المعامل الدوائية في بداية انطلاقتها.

أما في الوقت الحالي، فيوضح "الحسين" أنّ الأمر بدأ يتحسن بعد "ارتفاع تكاليف الشحن من مناطق سيطرة النظام إلى منطقة شمالي غربي سوريا، إلى جانب فرض مصانع الدواء هناك كميات محددة على الصيدليات والمستودعات، في حين يعتبر محدثنا أن الكميات مفتوحة وكيفية في إدلب، وهناك فسحة حرية في العملية الشرائية والتوزيعية دون أي قيود".

وحالة التقارب بين تسعيرتي الدواء المصنع محلياً والقادم من مناطق سيطرة النظام، ضحيتها فقط "المستهلك" الباحث عن سعر أقل ومنافس يناسب حالته المعيشية، وهو ما يُعتبر غائباً اليوم في ظل ارتفاع أسعار الدواء.

مشكلات تقنية

واعترضت انطلاقة شركة "ريفا فارما" إلى جانب "منافستها الدواء القادم من مناطق النظام"، مشكلات تقنية على اعتبار أنّ الوضع الأمني نتيجة القصف المستمر من النظام وروسيا، كان تهديداً حقيقاً، وأبرزها المشكلات الفنية.

يوضح "الحسين"، أنّ بداية إنشاء المصنع واجهت تحدياً كبيراً وهو تأمين فنيين خلال عمليات تركيب الآلات والأنظمة، فضلاً عن صعوبات استيراد الآلات وقطع الصيانة".

ومن الناحية التنظيمية، يعتبر محدثنا "السعيد" أنّ "لا عراقيل أمام مصنعي الدواء في إدلب، إلا تلك التي تحتّم تطبيق المعايير العليا للصناعة الدوائية، وهو ما لا يمكن التغاضي عنه، إذ إنّ التوجّه نحو تصنيع الدواء بمواصفات عالميّة".

وتعتمد شركة "ريفا فارما" الشركة الأكثر إنتاجاً للأصناف في المنطقة، على تجارب طويلة لمتخصصين سواء من الناحية الطبية أو التعامل مع السوق الدوائية، إذ عمدت إلى استقطاب خبرات لها تجارب في شركات دوائية سورية.

صعوبات التسويق

لا تقتصر العملية التنظيمية، بحسب "السعيد"، على منح التراخيص بأنواعها، إنّما هناك تأمين الصنف الدوائي المحلي وانتشاره في السوق والتّرويج له، تجنباً لكساد هذه الأدوية، ودعماً للمصانع المحليّة.

وأمام طول أمد انتشار الدواء السوري، تواجه الصناعات الدوائية الجديدة الصاعدة في المنطقة، تحدي إزاحة هذه المنتجات وإمكانية إقناع المستهلك بالتخلي عنها والاعتماد على المنتج المحلي الجديد.

في هذا السياق، يقول "الحسين" لموقع تلفزيون سوريا، إنّ "المنتج الدوائي الذي ينتجونه يعمد إلى إثبات فاعليته بالدرجة الأولى، وتحقيق ديمومة حضور في السوق في الدرجة الثانية، أي إمكانية توفيره دائماً حين الطلب بخلاف باقي الأصناف القادمة من مناطق سيطرة النظام والأصناف المستوردة".

وتلعب الدعاية الفعّالة للدواء والمنتج دوراً هاماً، والوصول إلى الطبيب الموصّف للمستحضر، وإقناعه بنجاعة وفاعلية الصنف الدوائي، وهو ما قطعت فيه الشركة شوطاً جيداً، بحسب "الحسين".

ويقول "السعيد" إنّ "أولى أهداف وزارة الصحة في البرنامج الدوائي ككل هو دعم الصناعة الدوائية، لأنها تمثل نقطة أمن دوائي أساسي لا يمكن الاستغناء عنها".

وتعتبر مديرية الرقابة الدوائية في إدلب أنّ عملية تنظيم الصناعة الدوائية في المنطقة هي عملية دعم حقيقية، وأصدرت من أجل ذلك عدة قرارات ناظمة تشمل تراخيص المصانع الدوائية وخطوط الإنتاج والمستحضرات الدوائية والصيدلانية.

معمل ريفا فارما للصناعات الدوائية في ريف إدلب

هل تؤمن احتياجات السوق؟

تنتج شركة "ريفا فارما"، 130 صنفاً دوائياً للسوق المحلية، وتعتمد في الإنتاج خطة الأولويات، بحسب "الحسين".

وأمام حاجة السوق يعتبر الرقم صغيراً جداً، ولا يسدّ احتياجه، إلا أنّ العملية الإنتاجية المحلية تشهد تطوراً مستمراً، ما يشير بأرقام أكبر خلال الفترة القريبة.

يقول "الحسين"، إن "أبرز أولويات التصنيع في الشركة التي يديرها، هي الدواء الكريتكل (أي الهام والضروري)".

والأدوية المصنّعة، بحسب "الحسين"، وفقاً لأهميتها وحاجة السوق، على الشكل التالي: "أصناف العيادات القلبية والمزمنة والأطفال والعصبية، كما نولي اهتماماً لدواء يعرف بـ "الخبز اليومي"، وهي التي تستعمل يومياً والأكثر طلباً مثل مضادات التحسس والالتهابات، ومخفّض الحرارة، وبعدها تأتي الأدوية النسائية مثل "أمراض الالتهاب النسائية" ومن ثمّ أمراض الالتهابات البولية والأمراض المزمنة".

ويركّز التصنيع على إنتاج أصناف دوائية رئيسية من كل نوع مرضي، بحيث تغطّي الاحتياجات الدوائية العامّة، وفي الخطة الثانية تتّجه الشركة إلى زيادة السلة الدوائية للشركة (عدد الأصناف المنتجة) إلى جانب زيادة الأشكال الصيدلانية مثل "الأمبول".

الإبرة وتجهيزاتها

ما زالت الصناعة الدوائية المحلية فقيرة بإنتاج الإبرة وتجهيزاتها من "أمبول وبيالة"، والقطرات والبخاخات، وهي جميعها أدوية رئيسية وضرورية للسوق المحلية، وهو ما يجعل مساحة الدواء المحلي محدودة جداً في رفوف أية صيدلية في إدلب.

ويتفق صيادلة تحدثوا لموقع تلفزيون سوريا على ضرورة افتتاح معامل دوائية أخرى حتى تصل المنطقة إلى حالة اكتفاء دوائي كماً ونوعاً، بينما في صورة الإنتاج الحالية الحديث عن اكتفاء محلي مستبعد، لكن يمكن مع الوقت تحقيقه مع زيادة عدد المصانع كحد أدنى إلى ثلاثة معامل.

وتلفت الصيدلانية هاجر السيد علي، العاملة في مدينة بنش بريف إدلب، إلى أنّ "المعامل المحلية وإن كانت قادرة على تأمين المستحضر الدوائي، إلا أنّها غير قادرة على تأمين الكم العددي للسوق المحلية".

وتطرح مثالاً حول ذلك في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، أنّ صنف "السيتامول 1000" وفّرته الصناعة المحلية، لكن خلال موجة كورونا الأخيرة، لم تكن قادرة على تغطية احتياجات السوق بسبب الطلب الكبير عليه نتيجة ارتفاع إصابات كورونا، ما سبب أزمة وانقطاعاً متقطعاً في السوق".

وتتطلع "السيد علي"، إلى "عملية تسهيل أكثر ومرونة أكبر في التعامل مع إجراءات افتتاح مصانع أدوية في المنطقة من حيث التراخيص وتسهيل عملية عبور الآلات والتجهيزات، إلى جانب إعطائها أولوية في عمليات التحليل".

وتطرح "السيد علي" في حديثها، "أهمية التّوجه نحو عمليات التعبئة الدوائية التي من شأنها أن تساهم في تعزيز الأمن الدوائي للمنطقة وزيادة الأصناف المحلية".

يوضح أحمد بج وهو صيدلاني في بلدة حزانو شمالي إدلب، أنّه توجّه خلال الفترة الماضية إلى الاعتماد بشكل رئيسي على الأصناف الدوائية المنتجة محلياً على اعتبار أنها متوفرة بشكل دائم".

ويضيف لموقع تلفزيون سوريا: "لا أتخوف من مسألة انقطاعها لعدم ارتباطها بالمعابر لأنها مصنعة محلياً، كما أنها أثبتت فاعلية وصار الأطباء يصفونها بالاسم للمرضى".

ويتابع: "لكن بالمقابل، تواجه هذه الأصناف انقطاعاً كمياً بسبب محدودية خطوط الإنتاج في المعمل وطلب كبير في السوق، وهذه أزمة أخرى تواجه المعامل المحلية ولا يمكن حلها إلا بزيادة عدد المعامل في المنطقة".

ويؤكد "بج" على ضرورة تعدد المعامل في المنطقة للوصول إلى حالة اكتفاء دوائي، لأنّ التعدد كفيل بحل مسألة الانقطاع في حال وقعت، فضلاً عن الوصول إلى حالة التنوع في الأدوية التي من شأنها تحقيق تكامل الأصناف في السوق المحليّة، وهو غير متوفر حتى الآن".

الأسعار

يرتبط سعر الأدوية في المنطقة بعدة نقاط أبرزها سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي وكذلك الضرائب المفروضة خلال عمليات النقل من مناطق سيطرة النظام السوري إلى منطقة شمالي غربي سوريا.

توضح في هذا السياق، "السيد علي" أنّ أسعار الأدوية محلياً متقاربة جداً مع الدواء السوري (القادم من مناطق سيطرة النظام)، وأحياناً يكون أكثر كلفةً على اعتبار أنّ "سعر تصريف الدولار لدى تلك المعامل مدعوم وأحياناً أقل كلفة، حسب الصنف".

وتعتبر أنّ الأدوية "الأجنبية" تكاد تكون الأرخص في السوق، لكن على حساب الجودة، وتوضح في هذا السياق أنّ "التاجر المستورِد يمكن أن يحدد طبيعة الجودة المطلوبة من المورّد الخارجي، وبناءً عليها يتمّ اعتماد جودة معينة".

الضرائب المفروضة

حول الضرائب المفروضة من الجهات الحكومية في المنطقة على الصناعة الدوائية، يشير "السعيد" لموقع تلفزيون سوريا، أنّها "لتغطية الكلفة التشغيلية للوزارة اتّجاه المنشآت، وتأخذ بعداً آخر وهو إجراء إلزامي رقابي، على المصانع الدوائية فقط".

ويعتبر محدثنا أنّ "هناك تسهيلات من الوزارة للصناعة الدوائية من جهة الضرائب، على اعتبار أنها مفروضة على المنشأة الدوائية وليس الصنف الدوائي، إذ إنّ الحالة الأخيرة من الممكن أن تكون ذات ثقل مادي كبير على صاحب المنشأة".