icon
التغطية الحية

صراع بين الميليشيات الإيرانية والروسية على حلب كأنها "غنيمة حرب"

2020.02.24 | 11:25 دمشق

024875-01-05.jpg
حي الزهراء في شمال غرب مدينة حلب (رويترز)
تلفزيون سوريا - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

عاد الصراع والتنافس مجدداً بين ميليشيات النظام الإيرانية والروسية في حلب بعد أن توسعت الميليشيات على حساب المعارضة السورية وسيطرت على مناطق واسعة في الضواحي والأرياف الشمالية والغربية والجنوبية، وتعود أسباب الصدامات المباشرة بين الميليشيات إلى محاولات تقاسم النفوذ والهيمنة، وعمليات السلب والسرقة المنظمة للممتلكات الخاصة بالمُهجّرين، والمعامل والمنشآت الصناعية.

وبدا أن ميليشيات النظام الإيرانية والروسية تتعامل مع المناطق التي سيطرت عليها حديثاً في طوق حلب كغنيمة حرب، وهي سياسة لطالما كانت سائدة في حلب منذ سيطرة الميليشيات على الأحياء الشرقية نهاية العام 2016، وما تبعها من توسع في السيطرة في الريف الشرقي على حساب تنظيم الدولة.

وفي ظل هيمنة الميليشيات على مختلف القطاعات الحيوية في حلب وتنافسها المستمر على تقاسم النفوذ والسيطرة، تبدو الوعود التي تتحدث عن إعادة إنعاش حلب والتي يروّج لها إعلام النظام مجرد حملة دعائية، اعتاد على ترويجها أثناء عمليات الاجتياح التي تنفذها الميليشيات في مختلف المناطق السورية، وفي حلب خاصة التي زارتها مؤخراً "حكومة عماد خميس"، التابعة لنظام الأسد، مطلقة مجموعة كبيرة من الوعود.

صدام مسلح

قسمت مليشيات النظام الإيرانية والروسية المناطق التي سيطرت عليها في ريف حلب والضواحي لعدة قطاعات، وتقاسمتها فيما بينها، واستولت المليشيات الروسية ممثلة في "لواء القدس" و "الفيلق الخامس" و "الفرقة 25 مهام خاصة" على بعض النقاط والمواقع على جانبي الطريق الدولي حلب-دمشق، وشمالاً على جانبي الطريق الدولي حلب-غازي عينتاب.

أما الميليشيات الإيرانية فاستولت على الحصة الأكبر والتي تضمنت عدداً من المناطق والتجمعات الصناعية الصغيرة في محيط المدينة وأطرافها الريفية، كالمنصورة ومعامل حيان والراشدين وخان العسل والليرمون وغيرها، ونشرت عدداً كبيراً من عناصرها في التجمعات الصناعية والمنشآت التي حولت بعضها إلى عسكرية، وفرضت على أصحاب المعامل والمنشآت مبالغ مالية ضخمة مقابل السماح لهم بتفقد ممتلكاتهم وزيارتها باعتبارها تقع في مناطق عسكرية ولا يسمح بدخولها بدون إذن أو التصرف فيها بدون إشعار الميليشيا المسلحة المسؤولة عن القطاع.

وتحويل المناطق التي تتقدم فيها ميليشيات النظام إلى مناطق عسكرية، هي سياسة متبعة منذ إطلاق عملياتها العسكرية في أيار/مايو 2019، وتم تطبيقها من ريف حماة الشمالي وخان شيخون وصولاً إلى حلب، فتحويل الجغرافيا الجديدة إلى منطقة عسكرية يعني بالضرورة هيمنة مطلقة لميليشيات النظام.

وبعد أيام قليلة من سيطرة النظام على بلدة حيان شمالي حلب شهدت البلدة صدام مسلح بين الميليشيات الإيرانية والروسية، حيث قامت مجموعة مسلحة تابعة لميليشيات "نبل والزهراء" أو كما تسمى "حزب الله السوري"، ويقودها، علي هلال بلوي، باقتحام منطقة معامل حيان التي تسيطر عليها ميليشيا "لواء القدس الفلسطيني" المدعومة من روسيا في محاولة منها للسيطرة على عدد من المعامل التي يملكها مقربون من ميليشيا "حزب الله"، وحصلت اشتباكات بين الطرفين، قُتل على إثرها قائد المجموعة المقتحمة، علي بلوي، وجرح آخرين.

وتداولت مواقع إعلامية موالية للنظام في حلب معلومات حول الحادثة المفترضة، وقالت إن "علي هلال بلوي قام باصطحاب أحد أصدقائه ممن يملكون أحد المعامل في بلدة حيان لتفقد معمله والاطلاع عليه، ولم يعلم علي بلوي أنه سيواجه إرهاباً آخر، ألا وهو إرهاب لصوص التشويل والإتاوات، وبعد ملاسنة مع مَن يدعون أنهم يحمون تلك البيوت والمعامل والأرزاق، قام المدعو وليد السرب التابع للواء القدس مع مجموعة مسلحة والموجود في بلدة حيان بداعي الحراسة والحماية بإطلاق النار على علي بلوي مما أدى إلى مقتله على الفور".

وشهدت منطقة معامل حيان خلال الأيام القليلة الماضية توتراً بين الميليشيات بعد مقتل بلوي، واضطرت المجموعات التابعة لـ "لواء القدس" للانسحاب من المنطقة بعد أن طوقتها ميليشيات "نبل والزهراء"، وتبع ذلك مساعٍ لامتصاص التوتر بين الطرفين قادها قائد "لواء الباقر" المدعوم من إيران، خالد المرعي، ونجح في التوسط بينهم ووقف التصعيد بشرط أن يسلم "لواء القدس" قاتل بلوي، وتنسحب مجموعاته من المنطقة.

وزار قائد "لواء القدس"، محمد سعيد، بلدة نبل وشارك في مجلس عزاء القتيل بلوي، ورافقه عدد من قادة اللواء، وممثلون عن فرع حزب البعث، وقادة من الميليشيات الإيرانية والروسية في حلب.

الناشط الإعلامي حسين عبيد، أكد لموقع تلفزيون سوريا، أن منطقة ضواحي حلب وريفها التي سيطرت عليها ميليشيات النظام تشهد حملة سلب وسرقة منظمة، وبحسب عبيد، المنشآت والمعامل ليست الهدف الوحيد لميليشيات السرقة و"التعفيش"، إنما تطال أيضاَ المنازل والمحال التجارية في القرى والبلدات والجمعيات السكنية.

وبحسب عبيد، من الطبيعي أن تتنافس الميليشيات فيما بينها، وينشأ صراع على السيطرة في المناطق المحتلة وفق تعبيره، لأن ممتلكات المدنيين بقيت في المنطقة ولم يتمكن الغالبية العظمى من النازحين من إخراج ممتلكاتهم أثناء موجات النزوح التي حدثت بشكل مفاجئ بعد أن تقدمت الميليشيات في وقت قياسي في المنطقة وأوشكت حينها أن تحاصر مناطق أخرى، وبحسب عبيد، محال تجارية ومستودعات أغذية وغيرها من الممتلكات سرقتها الميليشيات ولم يستطع أصحابها إخراجها أثناء النزوح من المنطقة، والحال ذاته في المعامل والورش الصناعية.

حلب غنيمة حرب

في ظل هيمنة ميليشيات النظام، لا يبدو القادم أجمل في حلب كما تروج "حكومة عماد خميس"، التابعة للنظام، من حيث عودة النشاط التجاري والصناعي إلى المدينة وإنعاش كافة القطاعات الخدمية والإنتاجية، وهي وعود أطلقتها حكومة النظام أثناء زيارة غالبية وزرائها لحلب والتي استمرت لعدة أيام عقد خلالها جلسة لمجلس الوزراء، والتقى خلالها خميس ووزراؤه بالفعاليات الاقتصادية في حلب بعد أن تجولوا في عدد من المناطق التي سيطرت عليها ميليشيات النظام مؤخراً.

وفي هذا السياق، قال الاقتصادي المعارض، الدكتور عبد المنعم حلبي، لموقع تلفزيون سوريا "إن ما جرى ويجري على حلب هذه الايام من سرقة ونهب لن يكون فقط تكرار لسلوك ميليشيات النظام التي اعتدنا عليها خلال السنوات الماضية، إنما سيكون نهجاً طويل الأمد مبتكراً وسائل جديدة لإخضاع الناس وسلبهم".

وأضاف حلبي "لقد اكتمل مؤخراً احتلال حلب والتي ستكون أمام مرحلة صعبة للغاية، وستشهد زيادة في العمليات الإجرامية التي تقوم بها المليشيات من نهب وسلب وقتل وخطف وتجويع وإذلال، وذلك أضعاف ما عاشته المدينة خلال السنوات الماضية".

وحول التنافس والصدام بين المليشيات أكد حلبي، أن الصراع بين الميليشيات الروسية والإيرانية سياسة منسقة من قبل النظام والروس والإيرانيين، وبحسب حلبي، صراع الميليشيات لن يكون له تأثير فعلي على مصالحها المشتركة والعلاقة العضوية التي تحكمها.

وبحسب حلبي، من الطبيعي أن تروج حكومة النظام لخطط الإنعاش الاقتصادي في حلب، وتطلق وعود لتحسين الواقع المعيشي والخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم والكهرباء والماء والأمن، وبحسب حلبي، تكررت زيارات حكومة النظام إلى حلب خلال السنوات الماضية بعد سيطرة ميليشيات النظام على الأحياء الشرقية ولم تفِ الحكومة بأي التزام كانت قد وعدت بتنفيذه، ولن تغير الوعود الحالية أيضاّ في واقع ما تعيشه المدينة من هيمنة مطلقة للأجهزة الأمنية والميليشيات، وستكون حلب ضحية وكبش فداء إن صح التعبير وهي ستعامل كغنيمة حرب، وفق حلبي.

تكررت زيارة حكومة النظام لحلب في السنوات التي تلت سيطرة النظام على الأحياء الشرقية، وكانت اللجان الوزارية قد وعدت في أول زيارة لها بداية العام 2017 بإعادة الخدمات إلى الأحياء وتحسينها في كامل المدينة، وتحدثت عن خطط لإعادة تشغيل المناطق والمجمعات الصناعية، وغير ذلك من الوعود التي لم يتم تطبيقها بعد مرور ثلاث سنوات، حيث ما تزال الأحياء الشرقية بدون خدمات أساسية، وزادت نسبة المعامل والورش الصناعية المتوقفة عن العمل في الفترة ذاتها، وتحكمت الميليشيات في معظم القطاعات الحيوية بعد أن قسمت الأحياء لعدة قطاعات سيطرة ونفوذ، وكان لهيمنة ميليشيات النظام، والإيرانية منها على وجه الخصوص الدور البارز في إيصال حلب إلى ما هي عليه الآن من وضع أمني متردٍ وواقع اقتصادي منهار، ولن تفلح حكومة النظام مرة أخرى بالوفاء بتعهداتها، ولن يكون لافتتاح الطريق الدولي M5، وتوسعها في طوق المدينة أي دور في الإنعاش الاقتصادي المفترض.