صدى إفلاس دولة لبنان في الاقتصاد السوري

2022.04.06 | 05:57 دمشق

msrf-lbnan.jpg
+A
حجم الخط
-A

كثيراً ما وصف المحللون العلاقة بين الاقتصادين السوري واللبناني بأوصاف تدل على ارتباط وتشابه وتفاعل وتأثير متبادل يتجاوز الحدود الجغرافية، ومن هذه الوصوفات بأن لبنان وسوريا اقتصاد واحد في بلدين، وتعد سوريا ثالث سوق للصادرات اللبنانية، كما تحتل فروع المصارف اللبنانية العاملة في سوريا المرتبة الثانية في حجم الاستثمار والودائع، وتشكل ودائع السوريين في المصارف اللبنانية نحو 25،5٪ من حجم الودائع الكلية البالغة 177 مليار دولار، هذا ما عدا الإشارة إلى سوق التهريب والاتجار بالممنوعات المزدهرة بالاتجاهين بسبب فساد السلطة السياسية المشترك بين البلدين.

ويُظهر الاقتصادان درجة عالية من الارتباط المركزي على مستوى الصدمات الخارجية وصدمات العرض والطلب المحليين، ويشتركان في ضعف البنى الإنتاجية وقلة الصادرات وارتفاع تكاليف الاستيراد وانهيار كبير في قيمة العملة، وكما تضرر الاقتصاد السوري من جراء قرارات المصرف المركزي اللبناني إبان تفاقم الأزمة المالية في لبنان وانتشار جائحة كوفيد-19 وبعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، كذلك تضرر القطاع المصرفي اللبناني ذو السمعة العريقة من الحرب في سوريا، وبدت التشوهات البنيوية واضحة في كثير من القطاعات الاقتصادية اللبنانية.

ماذا يعني إعلان إفلاس الدولة؟

عندما تعلن الدولة إفلاسها هذا يعني اعترافها بشكل علني بعجزها عن سداد مدفوعات أقساط ديونها الخارجية والفوائد عند استحقاقها، ويُوصَف هذا العجز بأنه عجز سيادي، وفي حال انهيار الدولة وانهيار عملتها الوطنية وإعلان عجزها، تتخلّص بنسبة قد تقارب 70% من ديونها غير أنها في المقابل تفقد الثقة في الأسواق المالية وتلجأ وكالات التصنيف الدولي إلى خفض تصنيفها الائتماني والتوصية بعدم الاستثمار فيها.

تعاني الحكومة خلال فترة المديونية صعوبات في التدفقات النقدية وذلك يعود لأسباب كثيرة منها عدم الاستقرار السياسي، وضعف الاستثمار، وسوء إدارة أموال المستثمرين، والفساد الإداري والمالي، وهذا يضر بسمعة البلد الائتمانية وزيادة معدلات الفائدة، مما يعيق عملية اقتراض أموال إضافية، وغالباً يسبق هذه الحالة أزمة اقتصادية عامة في البلاد، وهذا ما حصل في لبنان ويحصل في سوريا منذ عشر سنوات ويتفاقم.

في أوقات الأزمات والاضطرابات والكوارث يحتاج السكان إلى الإنفاق الحكومي أكثر من أي وقت مضى، وجميعنا لاحظ خلال جائحة كوفيد -19 كيف استجابت الحكومات في معظم البلدان للإنفاق على الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية وتمويل نظم البطالة، والنتيجة هي زيادة الإنفاق وانهيار الإيرادات. هذا مزيج قاتل لأي ميزانية، ويثير شبح حدوث أزمة مالية في البلدان المتقدمة، وكيف وقد اجتمعت في لبنان وسوريا كل موجبات انهيار الإيرادات مع إنفاق حكومي مثقل بالعجز المتراكم؟!

هل تستطيع الدول إعلان إفلاسها بسهولة؟

الإفلاس بالنسبة للشركات أو الأشخاص هو إجراء قضائي يقوم فيه القاضي وأمين المحكمة بفحص أصول ومسؤوليات الأفراد والشراكات والشركات التي أصبحت ديونهم مربكة لدرجة أنهم لا يعتقدون أن بإمكانهم سدادها وتقرر المحكمة ما إذا كان سيتم إبراء الذمة من الديون، بمعنى لم يعودوا ملزمين قانونًا بدفعها. يمكن للمحكمة أيضًا رفض القضية إذا اعتقدت أن الشخص أو الشركة لديها أصول كافية لدفع فواتيرهم وديونهم. وتمت صياغة قوانين الإفلاس لمنح الناس فرصة للبدء من جديد عندما تنهار مواردهم المالية، سواء كان الانهيار ناتجًا عن قرارات سيئة أو سوء حظ، يمكن للمشرعين أن يروا أن الفرصة الثانية هي تراجع حيوي في الاقتصاد الرأسمالي.

إن محاولة إعلان إفلاس الدولة بالتأكيد أمر مختلف وأكثر تعقيداً وسيثير قضايا قانونية واقتصادية وسياسية يجب أخذها بالحسبان، فقد لا يكون الدستور أو الأوعية القانونية مستعدة لإضفاء الشرعية على إعلان إفلاس الدولة، وكذلك من الناحية الاقتصادية يتطلب الأمر تعاملا دقيقا لأن الإعلان سيجعل الحياة أكثر كُلفة على المواطنين وستلجأ الحكومة إلى خفض التكاليف عن طريق تسريح عاملين وتقليص الفرص ورفع الضرائب. بالإضافة إلى الدور الذي ستلعبه التجاذبات السياسية المحلية والإقليمية والدولية ولا شك في أن قرار الإعلان وتقديم طلب الإفلاس هو عمل سياسي بطبيعته وهو حكم على الطريقة التي ينبغي أن تدير بها الدول على أفضل وجه أعباء الإنفاق والسلطات الضريبية. ولكن بالنتيجة إن وقع الإفلاس سواء تم الإعلان عنه أم لم يتم هذا لن يعيق آثاره من الظهور. وفي واقع ما يحصل في لبنان لا توجد أوعية قانونية كافية تضبط واقعة الإفلاس ولا يوجد اقتصاد يقوى على تحمل تبعاته في ظل فعل سياسي معطل، والصامد الوحيد في وجه هذه العاصفة المديدة الأثر هو المواطن الذي لم يتمكن من النجاة، والمقاربة مع الخراب الاقتصادي المتراكم في سوريا تشير إلى أن إفلاس لبنان مالياً ودخوله في نفق الأزمة الاقتصادية الخانقة ما هي إلا البطاقة الحمراء التي ستزيد شرخ الثقة بالمناخ المالي والاقتصادي في سوريا التي غامر باقتصادها نظام الحكم المستبد لتمويل حربه ضد شعبه الحالم بالحرية، وذلك من خلال تكبيلها بديون سيادية مديدة والتفريط بالكثير من مواردها لصالح حلفائه المغامرين من الروس والإيرانيين، وأضعف قيمة عملتها من جراء سياساته المالية والنقدية الفاشلة، أما السلطة التشريعية والقانونية فهي معطلة ومسيسة وأصبحت لا تحوكم إلا إرادة الحاكم.