icon
التغطية الحية

صحيفة "ييني شفق" التركية تحتفي بالمثقفين السوريين المهجّرين في المنافي

2021.08.22 | 22:42 دمشق

mthqfwn_swrywn-_tlfzywn_swrya.png
إسطنبول - متابعات
+A
حجم الخط
-A

احتفت صحيفة "ييني شفق" التركية بمجموعة من المثقفين السوريين المُهجّرين من وطنهم والمنتشرين في بلدان المنفى واللجوء على امتداد جغرافيا العالم.

وتحت عنوان "روح المنفى في سوريا" استعرضت الصحافية التركية PEREN BİRSAYGILI MUT أسماء أدباء ومفكرين وفنانين سوريين وسلّطت الضوء على تجاربهم ونتاجاتهم الإبداعية خلال مراحل اغترابهم القسري، لأن "قصائدهم وقصصهم ورواياتهم وفلسفاتهم وموروثاتهم الفكرية هي التي تمنحهم هوية حقيقية" وفق تعبيرها.

واستشهدت الكاتبة بعبارة من رواية Üç İstanbul  للأديب التركي الراحل "مدحت جمال كونتاي/Mithat Cemal Kuntay"، قال فيها: "المهاجر شبح يمشي بلا نهاية وبلا وجهة.. يأكل خبز شبح آخر لا يعرف اسمه".

وتابعت بيرين: انتشرت الآن آثار أقدام الشخص المنفي، الذي يصفه كونتاي بأنه "يمشي بلا توقف"، في جميع أنحاء العالم. هذه المأساة العظيمة، التي جمعت ملايين الرجال والنساء والأطفال ذوي الخصائص المختلفة، في هوية واحدة، تقف على سريرنا كعنصر درامي.

نشاهدهم أحيانًا وهم يكافحون للوصول إلى اليابسة في قارب مؤقت على الحدود، حيث يمشون غرقًا في الوحل، وأحيانًا في البحار، وأحيانًا عندما تضرب أجسادهم هامدة على الشواطئ. وما يكمن أمامنا هو حطام لن نفهمه أبدًا ما لم نقع في نفس الموقف، مهما حاولنا التعاطف. حتى التفكير في التشرد يكفي لجعلنا نفقد نومنا.

الشاعر السوري نزار قباني المتوفى عام 1998 في إحدى قصائده. "كيف يا سادتي يغني المغني بعدما خيطوا له شفتيه؟ هل إذا مات شاعر عربي يجد اليوم من يصلي عليه؟" ويمضي: "لا يبوس اليدين شعري وأحرى بالسلاطين أن يبوسوا يديه". الشاعر الذي عاش في المنفى لسنوات عديدة، لم يكن فقط من ممثلي الشعر العربي المهمين، بل كان أيضًا من أقوى رواة تجارب الشعب السوري، الذي اضطروا لتحمل كل أنواع القهر والعنف.. ولعقود.

غادر عشرات الكتاب والفنانين السوريين بلادهم خلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي هربًا من براثن الديكتاتورية البعثية. ذهبوا أولاً إلى البلدان المجاورة مثل لبنان، ثم بحثوا عن محطات أخرى. وبعد الحرب التي بدأت في عام 2011، ازداد عدد الكتاب والمفكرين والفنانين الذين يعيشون في المنفى.

مع موجة الهجرة الكبيرة التي ظهرت بعد نكبة فلسطين، بدأ العديد من المثقفين الفلسطينيين يعيشون في المنفى، بل وصل جزء كبير منهم إلى سوريا، وخاصة دمشق، وحصلوا على دعم كبير من العالم الثقافي لهذا المكان. هذه التجربة السابقة لا تجعل الكتاب السوريين هم الأوائل في هذا الصدد، لكن تعقيد وضع بلادهم وبعض الجماعات العربية الموالية للديكتاتور والدعاية المكثفة المناهضة للطائفية تجعلهم موضوع صراع أكثر صرامة، ربما. وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي تجعلهم يحتلون مكانًا مختلفًا تمامًا في فئة "أدب المنفى".

هذه التجربة غير العادية تشكل مثالًا رائعًا للكتاب والفنانين في أنحاء مختلفة من العالم. الألم الذي تحمّلوه، والرحلات الصعبة التي كان عليهم أن يمروا بها، والقلق الشديد الذي شعروا به تجاه شعبهم خلال كل هذا.. إنه دائمًا على مكاتبهم.

وحالة المنفى، التي أصبحت عالقة بهم كجلدهم، هي مسؤولية تجعلهم يشعرون بأن مصير الملايين من الناس يقع على عاتقهم، وهم لا يتوقفون عن العمل لأنهم يشعرون بهذه المسؤولية بشدة. هل يمكن أن يكون هناك موضوع أدبي وفن أنبل من هذا؟ وهل هناك مثال أكثر قيمة لنا الآن؟

نوري الجراح

نوري الجراح شاعر سوري من مواليد دمشق، اشتهر في بلادنا بمجموعته الشعرية "قارب إلى ليسبوس" الذي ترجمه إلى التركية محمد حقي سيشين، وهو يكتب الشعر منذ ما يقرب من 40 عامًا. عاش في المنفى تقريبًا منذ السنوات الأولى التي بدأ فيها الكتابة، أقام مؤقتًا في مدن مثل بيروت ونيقوسيا ليقيم أخيراً في لندن. تم نشر العديد من كتبه البالغ عددها نحو 20 كتابًا حتى الآن؛ وتُرجم بعضها إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية واليونانية. وفي إحدى قصائده يصب الغضب والألم في قلبه، كما في هذا النص:

"أيها السوريون الهلاكيّون.. السوريون المرتجفون على السواحل، الهائمون في كل أرض، لا تملأوا جيوبكم بترابٍ ميت، اهجروا الأرض تلك ولا تموتوا. موتوا في المجاز ولا تموتوا في الحقيقة. اتركوا اللغة تفنكم في أوصافها، ولا تموتوا وتُدفنوا في تراب..".

أحمد برقاوي

الفيلسوف أحمد برقاوي، يعيش في المنفى منذ 2013، اضطر إلى مغادرة بلاده بعد تدريس الفلسفة في جامعة دمشق لمدة 30 عامًا. ورغم أنه ولد في دمشق، إلا أنه يحمل هوية فلسطينية- سورية، فهو ابن عائلة هُجّرت من فلسطين إبان النكبة، وعانى من ألم التشرد مرتين. على الرغم من أن البرقاوي، الذي يُعتبر من أهم الفلاسفة الأحياء في العالم العربي، لديه العديد من الكتب في الفلسفة والمجتمع والفكر، إلا أنه للأسف لم تتم ترجمة أي منها إلى لغتنا.

إبراهيم الجبين

إبراهيم الجبين، الحائز على جائزة ابن بطوطة لأدب السفر عام 2020 عن تحقيقه لكتاب "الرحلة الأوروبية من دمشق إلى روما وباريس وميونيخ وفيينا وبلغراد وبودابست وصوفيا واسطنبول لـ فخرى البارودي"، له العديد من الكتب ليس فقط في أدب الرحلات وإنما في الرواية والشعر. ومن رواياته: "يوميات يهودي من دمشق" و"عين الشرق".

يشير المؤلف، الذي يعيش في المنفى في ألمانيا منذ عام 2011، إلى حقيقة عن الشعب السوري تتجاوز بكثير الحقائق التي يتم ضغطها في دقيقة أو دقيقتين من الأخبار التلفزيونية أو التحليلات الباردة بناءً على الأرقام. لا يوجد كتابٌ مترجم إلى التركية حتى الآن، ونتمنى أن يكون قريبًا.

تيسير أحمد خلف

تيسير خلف، الذي رُشح لجائزة الرواية العربية الدولية عام 2017 عن كتابه "مذبحة الفلاسفة''، باحث ومؤلف له أكثر من 30 كتابًا. بالإضافة إلى أعماله في مجالات الرواية والقصة القصيرة وأدب الرحلات، له أعمال مهمة في التاريخ العربي والفلسطيني. ومن أعمال تيسير الذي غالبًا ما يستخدم الأحداث التاريخية في رواياته، كتابه عن القدس تحت الحكم العثماني. إنه لشرف عظيم أن يقيم المؤلف في بلادنا بإسطنبول. ولسوء الحظ أيضاً لم تترجم كتبه إلى لغتنا.

موفق قات

اسم آخر كنت متحمسة جدًا لمقابلته، هو رسام الكاريكاتير موفق قات. بصراحة، باستثناء ناجي العلي، لم أكن أعرف أسماء كثيرة من العالم العربي في هذا مجال رسم الكاريكاتير، ولذلك كنت متحمسة للغاية وسعيدة عندما شاهدت رسوماته. وشعرت بالأسى قليلاً لمعرفة هذه الموهبة العظيمة في وقت متأخر. موفق قات ليس رسامًا كاريكاتيرًا فحسب، بل هو أيضًا أحد أهم الفنانين التشكيليين والمخرجين في سوريا. وقد رسم مئات الرسوم المتحركة حتى الآن لتصوير المأساة الكبرى في بلاده. يعيش قات الحائز على العديد من الجوائز حالياً في المنفى في تورنتو بكندا.

وختمت الكاتبة بالقول: لسوء الحظ لم أتمكن من إدراج سوى هذه الأسماء في مقال واحد، وآمل أن نتمكن من التركيز على العديد من الأسماء القيمة لاحقًا. فبلدنا هو البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين، وأنا أعرف مئات الأشخاص الذين يحاولون أن يكونوا بلسمًا لجراحهم بصداقة كبيرة.

ومن أجل أن يكون لدينا تعاطف أقوى مع هذه المأساة الكبرى التي تحدث بالقرب منا، يجب أن نتعرف على الكتاب السوريين في المنفى، أي الروح الحقيقية لسوريا. عندها فقط سنكون مرتبطين بروابط غير قابلة للكسر.