صحفيون بهيئة رجال أمن يفندون المؤامرة الإعلامية

2022.12.22 | 06:18 دمشق

صحفيون بهيئة رجال أمن يفندون المؤامرة الإعلامية
+A
حجم الخط
-A

تريد قناة الميادين دائماً أن تجد لتوجهاتها وخطابها المائل منذ انطلاقتها إلى محور إيران بشكل فاقع، مكاناً على خارطة القنوات الإخبارية العربية. الأمر مشروع لشخصية وضيعة كمديرها غسان بن جدو، الذي كان يعمل في إحدى أهم القنوات، ثم ذهب ليؤسس منبره الخاص بأموال الممانعة وجُعالات محور المقاومة!

المثير في تاريخ هذه القناة أنها ومنذ بداية ثورات الربيع العربي لم تطل عنب الشام ولا بلح اليمن، فهي ورغم أنها كرست نفسها وصحفييها وبرامجها لمواجهة الثورات والثائرين، ظلت بعيدة عن أن تصبح الأولى في قائمة المتابعة لدى مؤيدي الأسد، الذين بقوا مخلصين للإخبارية السورية، ولم تصبح كذلك لدى جمهور الحوثيين الذين ما برحوا يشاهدون قناة المسيرة التابعة لهم.

لمن تتوجه قناة الميادين، في ممانعتها وخطابها المقاوم؟ طالما أن الجمهور الذي تتوجه صوبه لا يرى أنها مصدره الإخباري، فحتى جمهور حزب الله لا يزيح عن متابعة قناة المنار!

قناة بن جدو سرعان ما تعود إلى طبيعتها، أو لنقل المهمة الموكلة لها، عبر التشكيك بالثورات، وقذفها بالتهمة الأبرز أي العمالة!

بعض ملامح الإجابة يمكن أن يعثر عليه المرء، من خلال ادعاء بعض صناع برامجها أنهم يخاطبون "النخبة"، فتراهم يحضرون مثلاً الشاعر أدونيس ليحكي في حلقات، عن الشعر وعن أفكاره الفلسفية، ويستجلبون من هنا وهناك شخصيات أدبية لن يهتم بها الجمهور عموماً، لكن عرض سيرها الذاتية على الشاشة قد يُظهر أن القناة تراهن على استقطاب شرائح المثقفين.

لكن قناة بن جدو سرعان ما تعود إلى طبيعتها، أو لنقل المهمة الموكلة لها، عبر التشكيك بالثورات، وقذفها بالتهمة الأبرز أي العمالة!

وفي هذا المسار لن يكون أمراً غريباً أن تصنع "فيلماً وثائقياً" عن سنوات الثورة الأولى تحت عنوان "هذا ما حدث: دور الإعلام السوري في الحرب السورية"، تم بثه قبل فترة وجيزة، ويهدف إلى إبراز إنجازات صحافة الأسد في كشف أبعاد المؤامرة الكونية!

ولن يكون خارج السياق أن تظهر في ثناياه شخصيات لم تملك مُنجزاً مهنياً سوى التطبيل للنظام، كالدكتورة في كلية الإعلام نهلة عيسى، والصحفي حبيب سلمان المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ورفيق لطف الذي تم منحه لقباً صحافياً استقصائياً، وأخيراً شادي حلوة.

هذا المُنتَج لا يستدعي أن يتفرغ أي شخص لمشاهدته فيهدر نصف ساعة من الوقت في سبيل ذلك، لأن الموضوع ذاته أي الحديث عن المؤامرة التي تهدف إلى تدمير الدولة السورية، تم علكه مرات ومرات على شاشات وإذاعات وصحف ومواقع مؤيدي الأسد، لكن ما يستدعي الوقوف عنده فعلياً هو طبائع المتحدثين الشخصية!

أعرفُ وبشكل شخصي اثنين من المشاركين هنا، وأتذكر أنهما كانا لطيفين في علاقتهما مع الآخرين، وأنهما كانا في فترات سابقة، عرضة لسحق وفجور شخصيات متنفذة في مؤسسات النظام، فنهلة عيسى كانت ممنوعة ولأسباب قالت إنها "شخصية" من دخول مبنى التلفزيون في عهد وزير الإعلام الأسبق عدنان محمود، أما حبيب سلمان فقد تم التلاعب به في العام 2017، فصدر قرار من الوزير السابق رامز ترجمان بتعيينه مديراً عاماً لساعات، بدلاً من عماد سارة، ثم تم طي القرار، بعد أن تدخلت لونة الشبل لصالح إعادة الأخير إلى مكانه، ليظهر أنه تم استخدامه كشخص في الكر والفر، خلال معارك النفوذ في ردهات القصر الجمهوري!

لكن ما سبق لم يؤثر في تكوين المنطق في عقليهما، لا بل تكشف مداخلاتهم في الشريط أنهما يعانيان من نكوص ذهني، يتساويان فيه مع أي شبيح، فهما يكرران الأسطوانة ذاتها، التي أُمليت على الشبيحة والمؤيدين في مجموعات التوجيه الأمنية، خلال الأيام الأولى للثورة، والتي كانت تقوم على نفي ما يجري، وإنكاره، وتكرار الحديث عن وجود المسلحين في جهة المتظاهرين، وغير ذلك، وها هما يعيدان قراءة ما سجلاه في دفتر المحفوظات المخابراتي.

المشكلة التي تجعلنا نتوقف عند فيلم قناة الميادين، ليس محتواه بكل تأكيد، ولا حتى التحديثات التي يرى صناعه أنها تؤكد وجود المؤامرة، بل هي آليات التفكير التي لم تتزحزح قيد أنملة عن الرواية السابقة!

في الحالة السورية، وعند التدقيق في خطاب الصحفيين الذين يظهرون ليدافعوا عن الأسد، سيكتشف المشاهد أن هؤلاء يؤدون دوراً أمنياً

يقوم رجال الأمن عادة، حين يظهرون في المنابر الإعلامية بشرح الحيثيات التي ادعوا كشفها، ولا سيما أفعال الشخصيات المتورطة في الجرائم، ويوظفون من أجل العلاقة مع الرأي العام صحفيين يتولون هذه الشؤون!

لكن في الحالة السورية، وعند التدقيق في خطاب الصحفيين الذين يظهرون ليدافعوا عن الأسد، سيكتشف المشاهد أن هؤلاء يؤدون دوراً أمنياً، وعلى الأقل يتقمصون دور الشخصية المخابراتية، وحين يرى صحفيين يقودون المؤسسات الإعلامية، وكذلك أكاديميين يشرفون على تأهيل دارسي الصحافة، يتوضعون في المنزلة المتدنية ذاتها، لا بد أن يدرك كم هو عميق ومفزع تكوين العقل الجمعي للأسديين، حيث لا يمكن للسيالة العصبية الذهنية أن تنفصل عن عامود النظام الفقري، أي الفروع الأمنية، فهي أساس وجودهم، والحاكم الأوحد لمستقبلهم.