icon
التغطية الحية

"صالون زهرة" والدراما السورية اللبنانية بعد انهيار لبنان

2021.09.04 | 05:24 دمشق

"صالون زهرة" والدراما السورية اللبنانية بعد انهيار لبنان
بيروت - عمر بقبوق
+A
حجم الخط
-A

عندما بدأت موضة المسلسلات اللبنانية السورية المشتركة، كانت البنية التحتية في سوريا منهارة تماماً والناس فيها يعانون من الممارسات الوحشية التي اتبعها نظام الأسد للاحتفاظ بالسلطة، من قتل وحصار وتهجير، وكان لبنان هو الملجأ الأول للسوريين أو المحطة التي ينبغي عليهم المرور بها للنجاة، ولا سيما سكان العاصمة دمشق التي كانت الحاضنة الرسمية لصناعة الدراما في سوريا منذ نشأتها؛ ليشهد العقد الماضي هجرة عدد كبير من الكوادر الفنية السورية إلى بيروت، التي نشأ بها نوع جديد من العلاقات في الوسط الفني، كان أبرز انعكاساته الدراما المشتركة.

إن المسلسلات التي تنتمي لهذه الفئة لم تحاول يوماً أن تتقمص دور المرآة التي تعكس الواقع، بل كانت تصور حكايات مغرّبة عنّا، فهي استندت بالأساس إلى نصوص أجنبية مبنية على نوع من العلاقات الاجتماعية لا يشبهنا. لذلك لم تنقل هذه المسلسلات بشكل قصدي التطور في شكل العلاقة بين سكان البلدين ولم تدع أنها حاولت فعل ذلك، لكن المحاولات المستمرة التي بذلها صنّاع الدراما المشتركة لمنطَقِة العلاقات بين الشخصيات السورية واللبنانية خلقت بعض الهوامش في الحكايات، التي عكست بعض الجوانب الواقعية، التي سرعان ما تحولت إلى صور نمطية بدورها. إذ بات يشار في هذه المسلسلات إلى لبنان كوجه النقيض لسوريا، فهو بلد الاستقرار والأمان، حيث يلتقي رجال الأعمال والأغنياء من كلا البلدين، وفي الشوارع الخلفية يتجول اللاجئون السوريون ليواجهوا الفقراء وصغار الكسبة ويصارعوهم من أجل البقاء.

نتيجةً لذلك كانت الشخصيات السورية في المسلسلات المشتركة متشابهة إلى حد بعيد، فهي لا تخرج عن ثلاثة أنماط:

النمط الأول هو الملياردير الغني الذي يعيش بفضل أمواله في عالم منفصل عن الواقع السياسي الاجتماعي.

النمط الثاني هو رجل العصابات القادر على استثمار الظرف العام وتسخيره لصالحه.

النمط الثالث وهو اللاجئ السوري الفقير، الذي يمر بالهامش ولا يؤدي دور البطولة أبداً؛ حيث إن جميع المسلسلات المشتركة كانت تتم في أحياء الأغنياء بتأثير الواقعية الفائقة التي استوردناها من المسلسلات المكسيكية والتركية المدبلجة.

 

 

اليوم تغيرت المعادلة، فانهيار البنية التحتية في لبنان أيضاً جعلت سكان البلدين يعيشان في وحدة حال. ذلك انعكس في الدراما لأول مرة في مسلسل "صالون زهرة"، الذي لا يزال يعرض على منصة "شاهد"؛ حيث إن المسلسل الذي كتبته نادين جابر وأخرجه جو بوعيد تدور أحداثه في حي لبناني شعبي، وأبطاله هم الكوافيرة "زهرة" التي تؤديها ندين نجيم والمنجد "أنس" الذي يؤديه معتصم النهار. وبغض النظر عن الطريقة التي صوّر بها الحي الشعبي، فإن المسلسل يمثل نقلة نوعية في بيئته الدرامية، بابتعاده عن القصور الفارهة ونمط الحياة المغالى بترفه نحو بيئة أكثر بساطة.   

وبالحديث عن بيئة المسلسل الدرامية، يجب أن نشير إلى أن الصورة التي قدمها جو بوعيد عن الحي الشعبي اللبناني لا تشبه الواقع إطلاقاً، لكنها مألوفة بالنسبة للجمهور، فهي تشبه الصورة التي أسهم بوعيد نفسه برسمها عن الأحياء اللبنانية من قبل في الفيديو كليبات التي أخرجها قبل دخوله إلى عالم الدراما والسينما، فيمكن التماسها بكليب "ما تيجي هنا وأنا حبك" لنانسي عجرم وغيره؛ لنشعر في أثناء متابعة المسلسل أننا نتابع فيديو كليب طويل، ويعزز ذلك الإحساس الموسيقى الرقيقة التي وضعها مايك ماسي، والتي يمكن وصفها بأنها أفضل العناصر الفنية بالمسلسل جميعاً.

إن التحولات التي طرأت على البيئة الدرامية في هذا النوع من المسلسلات رافقتها العديد من التغيرات في نوع القضايا التي تبناها صنّاع المسلسل. هكذا يبدو واضحاً أن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها سكان سوريا ولبنان قد ألقت بظلالها على الدراما، فالمسلسل يبدأ بمحاولة متعثرة لنقل القطع المالي الأجنبي بشكل غير شرعي من لبنان نحو سوريا، حين يقوم "أنس" بدس الدولارات في الكراسي التي يصنعها، لكنها تذهب عن طريق الخطأ نحو صالون زهرة، بدلاً من عبورها الحدود اللبنانية – السورية؛ لتكون هذه البداية الفجة هي مدخلاً إلى الحارة الشعبية التي يحكمها شكل من العلاقات الذكورية الفجة، لا يكسرها سوى ما تمثله شخصية "زهرة" من أفكار نسوية. لكن كل القضايا التي يتم تضمينها في حوارات المسلسل تفقد قيمتها بسبب الأسلوب الإخراجي الذي يحوّل معاناة النساء إلى فيديو كليب مبتذل.

ومن خلال التمعّن بشخصية "زهرة"، فإننا نلاحظ وجود شرخ كبير ما بين النص المكتوب والنتيجة النهائي للمسلسل بعد إخراجه. فنحن نكتشف عادةً سمات الشخصية في النص الدرامي من خلال الحوارات التي يذكرها الآخرون عنها ومن خلال الحوارات التي تقولها بنفسها والأفعال التي تقوم بها؛ وشخصية "زهرة" بحسب هذه المعطيات تبدو غريبة تماماً عن الصورة التي نتجت عن أداء ندين نجيم وإخراج جو بوعيد، حيث إن الحوارات تكشف عن شخصية امرأة انسلخت عن الصور النمطية للنساء إلى درجة أن الرجال في الأوساط الذكورية باتوا يتعاملون معها كندٍّ لهم ويتخوفون من تأثيرها على النساء في محيطها، ليصل الحد في بعض الحوارات إلى وصفها بالمرأة المسترجلة. وهذه الصفات لا تتطابق بالتأكيد مع الممثلة الجميلة ندين نجيم، التي لم تبذل أي جهد لتغيير صورتها، بل إنها ترتدي بالمسلسل أزياء فاقعة وتضع المكياج وكأنها "توب موديل"؛ ليؤدي التضارب ما بين الصورة والحوار إلى تشويش يبعث على الإضحاك. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن النص يحمل قيمة أكبر من المنتج النهائي للعمل، بل إنه يبدو ضعيفاً بدوره في طريقة تناوله للقضايا النسوية على وجه الخصوص؛ فشخصية "زهرة" التي من المفترض أن نتلقاها كنموذج للمرأة النسوية المتمردة على قيم المجتمع الأبوي تبدو مليئة بالقيم الذكورية المناقضة لمبدأ الشخصية، يتجلى ذلك بشكل واضح في حواراتها مع عائلة خطيبة أخيها، حين تُنظر إلى علاقة الزواج من منظور ذكوري رجعي، فتوزع الأدوار بين الرجل والمرأة وفقاً لمفاهيم بطرياركية.