شهور عصيبة على شرق الفرات

2021.01.16 | 00:03 دمشق

news-271220-syria.biden_.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يبدو أن التصعيد العسكري الذي شهدته منطقة عين عيسى، شمالي الرقة، منذ منتصف شهر كانون الأول الماضي، سيكون الحلقة الأخيرة في مشهد التصعيد على أراضي شمال شرقي سوريا (شرق الفرات)، لا يهم من هي الأطراف المتنازعة في عين عيسى، بقدر ما يهم شكل النفوذ في المنطقة الشرقية بالعموم خلال الفترة المقبلة.

معادلات مختلفة تتحكم بمصير شرق الفرات وأطراف عدة تؤثر في الأحداث التي تنتظرها تلك المنطقة على الصعيدين العسكري والسياسي، لعل من أهمها وصول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض برئاسة جو بايدن؛ و هو الذي تعتبره آراء بعض المراقبين السياسيين سيكون ذا نهج سلبي ضد تركيا، وهو الحال نفسه قد يكون مع روسيا، ما يعني تقريب هذين الطرفين من بعضهما بالتحديد في مسألة النفوذ شرقي الفرات، خاصة أن هذه المساحة الجغرافية المثيرة لاهتمام كليهما لم تدخل ضمن حيز التفاهمات المعلنة بشكل يتيح عقد اتفاقات ثنائية تكون كافية لقول فصل هناك.

يؤدي تعدد الأطراف المتدخلة في المنطقة إلى تعقيد المشهد، فالسياسة الخارجية لواشنطن في سوريا لم تتحدد بعد، وفيما إذ كانت الولايات المتحدة في عهد بايدن ستُبقي على بضعة مئات من جنودها في الشمال الشرقي وهو ما قد يحصل فعلاً خاصة أن بايدن قد يتجه لأبعد من ذلك ويعمل على توفير وارد اقتصادي دائم لإدارة المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" (الذراع العسكري للإدارة الذاتية هناك والتي يشكل فيها الأكراد نسبة وازنة)، وهو الفصيل العسكري الذي تعتبره أنقرة امتدادا لـ "حزب العمال الكردستاني" الإرهابي في سوريا، ما يعني تباعدا أكبر بين الأميركي والتركي، في ظل وجود أميركي بحكم المنطقي هناك سياسيا وعسكريا، وبطبيعة الحال إذا لم تختار واشنطن التقارب مع موسكو، فإن الأخيرة وبحكم تفاهماتها السابقة المقبولة نوعاً ما مع أنقرة سواء في الشمال الغربي من سوريا بشكل رئيسي، وبمستويات أقل في ملفات أخرى خارجية متصلة، فإنها ستعادل استراتيجيتها في الشرق على الميزان التركي.

يُتوقع أن يكون بايدن صاحب نهج أقل تشدد وصرامة مع الإيرانيين في الاتفاق النووي الذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب، وهو ما قد ينساق بطبيعة الحال على الدور الإيراني في المنطقة وبسوريا خصوصا

لعل الاستعراض السابق هو أحد السيناريوهات المتوقع ترجمتها على الأرض في الشرق السوري، لكن ماذا أيضاً عن الوجود الإيراني المتنامي هناك أيضاً، وكيف سيكون التعامل الأميركي مع هذا النفوذ؟ في حين يُتوقع أن يكون بايدن صاحب نهج أقل تشددا وصرامة مع الإيرانيين في الاتفاق النووي الذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب، وهو ما قد ينساق بطبيعة الحال على الدور الإيراني في المنطقة وبسوريا خصوصا، وفي هذه الجزئية يثار التساؤل حول مدى بقاء تحالف أستانا الثلاثي (روسيا، تركيا، إيران) على حاله الذي شارف أساساً على الاندثار بفعل الظروف السياسية والتبدلات الميدانية، وكيف سيكون شكل الصراع بين الروسي والإيراني انطلاقا من شرق الفرات، بحكم أن الغارات الإسرائيلية المتكررة في الآونة الأخيرة تؤجج من الصراع وتلغي أي فرصة للاستقرار في المنطقة الغنية بالبترول وتريد موسكو السيطرة عليها عن طريق حليفتها دمشق.

وليس ببعيد عن النفوذ الإيراني يبرز خطر تنظيم "داعش" الإرهابي، والذي يتشابه مع الإيراني في تمثيله لمعضلة يصعب التغلب عليها بسهولة، وتحتاج لاستراتيجية حقيقية لمواجهة خطرهم، ولعل الوجود النشط لعناصر التنظيم الإرهابي في البادية السورية ووجود خلاياه النائمة في مناطق عدة من شرق الفرات يدفع للتكهن بأن المنطقة على صفيح ساخن بقدر تعرقل خطوط التفاهم بين القوى الدولية هناك ونشاط الأذرع المحلية لكل منها، ما يخلق توترا لن ينتهي في شرق الفرات، طالما أن لا وجود لأفق حل سياسي مستدام يمكن البناء عليه.

يبرز مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" (الذراع السياسي لـ "قسد")  كحامل سياسي لمشروع جديد تُعد له "الإدارة الذاتية" لتواجه به المعارضة السورية المدعومة من أنقرة

سياسياً؛ فإن نظام الأسد يستثمر في ملف المنطقة المحموم بالحد الأقصى وهو الذي أعلن في أكثر من مناسبة عجزه عن الوجود هناك لضعف إمكاناته، لذا فإنه يسعى لاستغلال المنطقة على الصعيد السياسي وتصدير بياناته حيال أنقرة وواشنطن بينما يعتمد على موسكو في الدخول بصفقات/ مساومات في بعض المناطق هناك عبر فترات متقطعة وهو ما سيعتمد عليه لاحقاً؛ خاصة في الشهور الثلاثة المقبلة (الفترة الأولية لتولي إدارة بايدن الحكم في الولايات المتحدة).

بينما يبرز مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" (الذراع السياسي لـ "قسد")  كحامل سياسي لمشروع جديد تُعد له "الإدارة الذاتية" لتواجه به المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، حيث من المنتظر تشكيل جسم سياسي جديد بموافقة بعض الدول العربية يقابل "الائتلاف" قد نرى فيه تحالفا بين "مسد" و "منصة موسكو" ونسبة غالبة من "منصة القاهرة" و"هيئة التنسيق" وشخصيات سياسية كان منها أعضاء سابقين في هيئة التنسيق والائتلاف من أجل إيجاد أداة يوظف أكراد مسد من خلالها إمكانية وجودهم في العملية السياسية واللجنة الدستورية بشكل شرعي. وهو الأمر الذي سيكون له ارتدادات على الأرض في ظل تسخين مستمر بين جزء من مكونات المنطقة، في ظل وجود أصوات رافضة لسيطرة الأكراد على الحكم هناك، والذي سيأتي منسجما مع تحركات عربية تهدف لتشكيل جسم سياسي وإداري عربي خالص في المنطقة يتلقى دعما عسكريا من قاعدة "التنف" الأميركية.