شهر تموز لا يُسقط النظام!

2020.07.29 | 00:01 دمشق

95786059-6pda1fdsba3zck4uq6okw37iu2d7as2zhdbozdj1h3n.jpg
+A
حجم الخط
-A

ها هو شهر تموز ينتهي وبشار الأسد ما زال على رأس السلطة في دمشق، بينما الأشخاص والجهات التي بشرت بسقوط النظام في هذا الشهر كحد أقصى، يمارسون وظيفتهم الإعلامية وكأن شيئاً لم يكن.

صحفيون كبار ومؤسسات إعلامية مرموقة روجت منذ ثلاثة أشهر لرحيل الأسد، ووجدوا تفاعلاً كبيراً بين السوريين المعارضين وفي أوساط الثورة، إلى الحد الذي وصل معه الحماس بالبعض إلى إعلان ترشحهم لرئاسة الجمهورية!

بعض هؤلاء الصحفيين موظفون لدى دول وأجهزة استخبارات، وبعضهم لا هدف له سوى استقطاب الجمهور لزيادة عدد قرّائه ومتابعيه ومشاهديه، وكل ذلك على حساب السوريين المساكين، الذين طال انتظارهم للحظة الخلاص.

تلاعب بالشعب السوري المكلوم، وعبث لا طائل منه، بينما جزء كبير من المتابعين يسقطون في كل مرة بفخ المتلاعبين بهم، مستغلين الأمل الوحيد الذي يعيش عليه الملايين منذ سنوات، وهو سقوط نظام الأسد والعودة إلى وطنهم وحياتهم الطبيعية.

بالمقابل يستمر النظام بمسيرة تدمير ما تبقى من البلاد ومن منظومة المجتمع الاقتصادية والأخلاقية، من إجراء انتخابات هزلية وإمعان بممارسة النهب والإفقار، ما زاد من معدلات الجريمة والانتحار وانتشار تعاطي وتجارة المواد المخدرة..

وبالنظر إلى ما يفعله الطرفان المتلاعبين بالسوريين، النظام من جهة، وكثير من وسائل الإعلام والصحفيين الباحثين عن الشهرة أو المرتبطين بأجهزة المخابرات، فإن الحقيقة التي يمكننا استخلاصها، هي اتفاق الطرفين على "تخدير الشعب السوري" وتدميره نفسياً، بعد أن تم تدمير المجتمع ومقدراته.

بالمقابل تقف المعارضة، سواء الرسمية أو غير الرسمية، عاجزة عن القيام بأي فعل أو لعب أي دور للمساهمة في الحد من هذا التدهور، وكيف يمكنها أن تفعل وهي منقسمة تتجذر الاختلافات فيما بينها كل يوم أكثر، وغالباً فإن هذه الخلافات لا تقل عبثية.

لا تختلف في ذلك المعارضة العسكرية عن المعارضة السياسية عن قوى المجتمع المدني، من ناشطين ونقابات وجمعيات. فهيئة المفاوضات تتجه نحو المجهول مع الفشل في حل خلافات مكوناتها، واللجنة الدستورية تتجهز للاجتماع القادم المحدد في ٢٤ آب بدون مرجعية سياسية رسمية بالنسبة لوفد المعارضة المنبثق عن هيئة المفاوضات، والأطباء يواجهون وباء كورونا الذي بدأ يتفشى في الشمال وهم ثلاث نقابات متنافسة، والإعلاميون يخوضون حرباً شعواء فيما بينهم وهم المتوزعون أصلاً على العديد من الروابط والمنظمات.. وهكذا دواليك.

واقع هو أبعد ما يكون عن اقتراب لحظة سقوط الأسد، بل إن كل هذا المعطيات تصب في صالح نظامه الذي يحظى بدعم مستميت من حلفائه وصمت وتجاهل من المجتمع الدولي، الذي يغوص في بحار مشاكله الاقتصادية والسياسية، وكل ذلك على حساب استمرار قهر الشعب وآلامه وفقره وتشرده.

صورة سوداوية بلا شك، لكنها ليست صادمة، لأن الجميع يعرفها، وكثيرون منا يعترف بها، لكن المؤلم أن أحداً لا يفكر أو يخطط أو يعمل من أجل معالجة ما نحن فيه رغم إمكانية ذلك.

لكن المعالجة لا تكون برفع الشعارات أو الاستمرار في ترديدها بحيث يتم إفراغها من أي مضمون، بل بإطلاق مؤسسات المعارضة، وفي مقدمتها الائتلاف الوطني، والشخصيات البارزة، مبادرات جدية من أجل مواجهة هذا الواقع وتحديد المسؤولين عن الوصول إليه وإقصائهم، وإعادة إنتاج هذه المؤسسات وفق معايير ومتطلبات الظرف الجديد، والانطلاق منه نحو عمل سياسي وعسكري يمكن الوثوق به وبناء الآمال عليه، بدل هذا التلاعب العبثي بآمال السوريين وتطلعاتهم.

لقد كان أكبر أخطاء كثير من المعارضين والثوار أنهم اختاروا العزلة، بسبب اليأس الذي وصلوا إليه أو الإقصاء الذي مورس بحقهم، ما جعل الساحة ملكاً للانتهازيين وغير المختصين أو الضعفاء، واليوم فإن الاستمرار في ترك ميدان اللعب فارغاً إلا من قلة لا زالت تواجه هذا الواقع وحيدة وبدون أجنحة، يقدم خدمة كبيرة للنظام الذي لا يسقط بِعدّ الأشهر أو اختيار أكثرها حراً أو برداً، بل بالعمل الجاد الذي يبدأ من التفاصيل الصغيرة وصولاً للأهداف الكبرى، وهذا ما لا يبدو ممكناً حتى الآن.