althania
icon
التغطية الحية

شهران بعد سقوط الأسد.. كيف تغيرت الحياة في مدن الساحل السوري؟

2025.02.09 | 06:01 دمشق

66
كيف تغيرت الحياة في مدن الساحل السوري؟ - تلفزيون سوريا
اللاذقية - مظفر إسماعيل
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- بعد سقوط نظام بشار الأسد، شهد الساحل السوري استقرارًا نسبيًا وتحسنًا في الأمان، مع عودة الحياة الطبيعية وامتلاء المقاهي والحدائق بالناس.
- رغم التحسن الأمني، يواجه السكان تحديات اقتصادية، حيث يعيش العديد منهم في فقر مدقع، وتبقى المخاوف من انقطاع الرواتب قائمة رغم وعود الحكومة الجديدة بزيادتها.
- التحديات الأمنية والخدمية مستمرة، مع حالات قتل وخطف وانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الوقود، مما يستدعي تحسين البنية التحتية وفتح الدوائر الحكومية.

مرّ شهران على سقوط نظام بشار الأسد، ولا يزال المستقبل ضبابياً بالنسبة للمتخوّفين من السوريين، وعلى رأسهم أبناء الساحل، الذين كان النظام المخلوع يتخذ منهم بيئة حاضنة وموالية له، ولو من حيث الشكل.

مشهد غامض فرض نفسه على البعض، رغم أن عجلة الحياة الطبيعية عادت إلى الدوران منذ الأيام الأولى لسقوط النظام، رافقها ارتياح شعبي نتيجة للوضع الأمني المطمئن، قياساً بما كان متوقعاً بسبب ما زرعه النظام الساقط من فتن وخصومات بين أبناء ومكونات الشعب السوري.

ورغم كثرة الأحاديث في سوريا عامة، وفي الساحل على وجه الخصوص، عن مستقبل البلاد والساحل تحديداً، ومع انتشار الشائعات حول تقسيمه أو ضمّه إلى تركيا أو منحه حكماً مستقلاً ضمن حكومة فيدرالية، وسيطرة حالة من التوتر وعدم الاستقرار على الشارع في اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس، وجميع المناطق الساحلية، فإن السوريين في الساحل يعيشون حياة طبيعية وهادئة بعيداً عن أي منغّصات، غير تلك التي صنعها النظام السابق.

حالة الترقب تلك دفعت كثيرين إلى متابعة أوضاع السوريين في مناطق كانت محسوبة على النظام، ليصبح التساؤل الأبرز في سوريا وخارجها: كيف يبدو المشهد في الساحل السوري؟ وكيف يقضي أبناء الساحل أيامهم؟

المشهد العام في الساحل

يعيش السكان في مدن وأرياف الساحل السوري حياة طبيعية، حالهم كحال جميع السكان على امتداد الأراضي السورية، فالأسواق مفتوحة، والتجارة مستمرة، والمدارس تواصل فتح أبوابها، كما أن حركة السير والمواصلات باتت أفضل برأي الكثيرين، بغض النظر عن كلفة الأجور المرتفعة.

5

وإذا نظرنا إلى الأمور الترفيهية، نجد الحياة طبيعية جداً، والمقاهي ممتلئة بالناس، والحدائق ممتلئة أيضاً، كما أن حركة السيارات والتنقّل في حالة جيدة جداً.

المشهد النهاري رائع جداً، ويوحي بأن الحياة عادت إلى طبيعتها بعد أيام قليلة من التوتر الذي ساد البلاد عقب سقوط النظام، ليرافق ذلك تحسّن تدريجي مستمر في المشهد الليلي، الذي بدأت مساحته تتسع بعد ارتفاع مستوى الأمان في المدن وخارجها. فعاد الناس إلى السهرات عند بعضهم بعضا، وعادوا إلى التأخر في الحدائق والملاعب الشعبية والشوارع، بفضل النجاح الكبير الذي حققته إدارة الأمن العام في بسط الأمن في أرجاء الساحل.

الوضع المعيشي

وفيما يخص الوضع المادي الذي يسيطر على المشهد في الساحل، فلا بدّ من الاعتراف بأن الفقر كان متغلغلاً بين أبناء وأسر وبيوت الساحل السوري قبل سقوط النظام بسنوات، بل طوال فترات سيطرة بشار الأسد على الحكم.

فالساحل كان ولا يزال رمزاً للفقر وانعدام الأمن الغذائي، كما أن أكثر من 92% من سكانه كانوا يعيشون حياة البؤس والفقر المدقع خلال السنوات الماضية. وكانت التقارير الإعلامية والأممية، وحتى الحكومية في بعض الأحيان، تلوّح بأن اللاذقية على وجه التحديد تعيش حياة حرمان من كل شيء، وعلى رأس تلك الحاجيات الأدوية، الوقود، المازوت، التدفئة، حليب الأطفال، اللحوم، الفواكه.

واليوم، وبعد تحرر البلاد من نظام بشار، دخلت كميات كبيرة من البضائع إلى المدن الساحلية، وبات منظر البسطات يسيطر على المشهد في المدن، بما تحمله من بضائع وحاجيات بأسعار وجدها أهالي الساحل رخيصة لأبعد حد، رافق ذلك انخفاض كبير في أسعار اللحوم والخضر والفواكه، وصلت في بعض الأحيان إلى 500%.

5

عبد الله نوفل، صاحب أحد المحال التجارية في اللاذقية، يعتبر أن الأسعار باتت رخيصة جداً في الساحل السوري، قياساً بما كانت عليه أيام النظام البائد، مؤكداً في الوقت نفسه ضرورة العمل على رفع مستوى المعيشة، من خلال الإسراع في زيادة الرواتب التي وعدت بها الحكومة الحالية بعد استلامها زمام الأمور في البلاد.

أما "ب. ش" من طرطوس، فيؤكد أن انخفاض الأسعار، مهما بلغت وتيرته، سيبقى وهمياً بالنسبة لكثير من العائلات التي فقدت مصادر دخلها، سواء كانوا من موظفي وزارة الدفاع أو ممن اضطروا للنزوح إلى الساحل بسبب الفوضى التي تحدث في بعض المحافظات السورية، وفق قوله، مشيراً إلى أن الأسعار المنخفضة لا تعني شيئاً لمن لا مال لديه.

وضع الموظفين

من الأمور التي تضيق الخناق على الأسر الفقيرة في الساحل، مسألة تقليص عدد الموظفين في الحكومة، والتي استوجبت منح إجازة مأجورة لعدد كبير من الموظفين الذين تمّ تعيينهم بطرق غير صحيحة في أيام النظام المخلوع، نتيجة للمحسوبيات والفساد الإداري.

إضافة إلى مسألة انقطاع رواتب المتقاعدين العسكريين منذ أيام النظام المخلوع، وعناصر جيش الأسد الذين يؤكدون باستمرار أنهم كانوا موظفي حكومة في حقيقة الأمر، بعيداً عن أعمال القتال والحرب.

ورغم توضيح الحكومة أن الإجراء مؤقت ريثما تتمّ معالجة الأمر، ووضع كل موظف في مكانه المناسب، فإنّ المخاوف لا تفارق الموظفين، خاصةً أن الرواتب ستشهد في الأسابيع القادمة زيادة كبيرة قد تصل إلى 400%، ليصبح الوضع بالنسبة للكثيرين في الساحل متأرجحاً بين انخفاض الأسعار من جهة، وبين انقطاع الرواتب أو قلة الموارد، بتعبير أدق، من جهة أخرى.

"ي. غ" من جبلة، وهو عسكري سابق في صفوف الجيش، يقول إنّ النظام الساقط تعمّد قطع كل سبل العمل على أبناء الساحل، ومنع إنشاء المعامل، وحارب الزراعة ليجبرهم على التطوع في الجيش، مشيراً إلى أنه حالياً بلا راتب، علماً أنه تطوع في الجيش قبل عام 2011 كنوع من وظيفة الدولة، وتقاعد في العام الماضي، مطالباً الحكومة الحالية بالنظر في أمرهم على اعتبارهم غير متورطين بأي جرم تجاه أبناء الشعب السوري.

أما "ف. م" من ريف اللاذقية الشمالي، فتوضح أنها تعيّنت بموجب مسابقة لوزارة التربية عام 2021 كمرشدة نفسية في إحدى مدارس دمشق، وبسبب عدم توفر الشاغر المطلوب لشهادتها في محافظتها، وبعد سنة من التعيين والدوام في العاصمة، تقدمت بطلب تحديد مركز عمل تحت بند الالتحاق بالزوج، بعد تكبد معاناة البعد عن أطفالها.

وتشير إلى أنها بموجب قرار وزارة التربية الأخير، قدمت طلباً للنقل إلى اللاذقية، لكن لم يرد اسمها في قوائم المنقولين، رغم أنها لا تُعتبر مفصولة حالياً.

وتضيف: "لا أستطيع أن أتحمل أعباء السكن والدوام في محافظة أخرى بعيداً عن زوجي وأطفالي، وفي حال لم ألتحق قبل 15 يوماً من قرار النقل، أُعتبر مفصولة تلقائياً"، مؤكدة أن هذا القرار أثّر بشكل كبير على وضعها الاقتصادي، كونها كانت تساعد زوجها في مصروف البيت نظراً لغلاء المعيشة وصعوبة الأوضاع الراهنة.

الملف الأمني

يُعتبر الجانب الأمني الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لأهالي الساحل السوري، خاصةً مع انتشار كثير من الأخبار التي تتحدث عن حالات قتل وخطف لم تتوقف منذ الساعات الأولى لسقوط النظام.

والإيجابي في الأمر أن غالبية أبناء الساحل يدركون تماماً أن الإدارة الجديدة وعناصر الأمن العام، يقومون بواجبهم على أكمل وجه، بل ويخوضون، برفقة الأهالي، عمليات أمنية للقبض على من يتسبب بإقلاق راحة الناس وتعريض حياتهم للخطر.

5

كما يدرك الجميع، كباراً وصغاراً، أن المطلوبين من أتباع النظام البائد يسعون بكامل جهدهم إلى جرّ الساحل إلى حرب، كي يفلتوا من الحساب، ويعلم الجميع أيضاً أن الفقر وانعدام الدخل لدى الكثيرين قد يدفع بعض ضعاف النفوس إلى استغلال الوضع المتوتر وتشكيل عصابات سرقة واختطاف، علاوة على وجود بعض العداوات العائدة إلى أيام النظام المخلوع، وما يتسبّب به ذلك من حالات ثأر وانتقام وما شابه.

لكن، وبرأي الجميع في الساحل، فالوضع الأمني ممتاز جداً قياساً بما كان متوقعاً أن يكون عليه بعد سقوط نظام دموي وتفكك الجيش وأجهزة الأمن والشرطة، إضافةً إلى أن الأوضاع تتحسن مع استمرار الأمن العام في اعتقال المطلوبين الذين يشكلون خطراً على حياة المدنيين في الساحل وسوريا عامة.

"س. ع" من اللاذقية ترى أن الوضع الأمني جيد قياساً بحجم الحدث الذي تعيشه سوريا في الوقت الحالي، وتطالب الحكومة بإعادة عناصر الشرطة إلى المخافر التي لا يوجد فيها عناصر، للحد من حالات وحوادث السرقة والخطف التي تشهدها مدن الساحل، وفق تعبيرها.

الواقع الخدمي

ويبقى الجانب المظلم الوحيد في حياة أبناء الساحل السوري هو الواقع الخدمي المتردّي للغاية، والذي لا يمكن تحسينه قبل إصلاح البنية التحتية المتعلقة به، فالكهرباء شبه معدومة، وواقع شبكة الإنترنت والهاتف تعيس للغاية، وأسعار الوقود مرتفعة إلى حدٍّ كبير، قياساً بالدخل.

فبعض طلاب الجامعات والموظفين يتكبّدون خمسين ألف ليرة يومياً كأجور مواصلات، في ظلّ انخفاض مستوى الدخل وتدنّي الرواتب وانقطاعها لدى البعض، والتأخر في زيادة الأجور التي وعدت بها الحكومة المؤقتة بعد استلامها زمام الأمور في البلاد.

من جهة أخرى، يطالب الأهالي بالإسراع في فتح دوائر النفوس والمحاكم المدنية، على اعتبار وجود عدد كبير من الأشخاص ممّن كانوا مطلوبين للنظام الساقط، ويحتاجون إلى أوراق ومستندات من الدوائر الحكومية.

فبعضهم كانوا يؤدّون الخدمة الإلزامية في الجيش وبحاجة إلى إصدار هويات جديدة على وجه السرعة، بعد تلف كثير من المستندات في شعب التجنيد. كما أن كثيرا من المتخلفين عن الخدمة والفارين من جيش النظام فقدوا وظائفهم وهوياتهم، ولم يتمكنوا من تجديد جوازات سفرهم أو رخص القيادة وغير ذلك.

5

"أحمد علي" من جبلة يؤكّد أن الساحل السوري كان يعيش حياة ذليلة في فترة حكم بشار الأسد، حيث كانت الكهرباء والماء والخدمات بشكل عام حلماً للمواطن، معتبراً أن الحال لم يتغير عمّا كان عليه، رغم الوعود التي قدّمتها الحكومة الجديدة.

ويطالب الحكومة بالإسراع في تنفيذ المشاريع الحيوية، وإجراء إصلاحات عاجلة فيما يخصّ البنية التحتية، التي كانت تعاني كثيراً في السنوات السابقة، كي تكسب مصداقيّة وتأييداً من قبل المواطنين، وفق قوله.

الخلاصة

المشهد في الساحل خلال الأسابيع الماضية يبدو جيداً للغاية، فكل شيء متوفر، حتى الأمن والأمان، ومخاوف أهالي الساحل تتبدّد شيئاً فشيئاً، مع ارتفاع نسبة التفاؤل برؤية سوريا الواحدة، التي تسودها العدالة الاجتماعية والمحاسبة لكل من تسبّب في قهر وقتل وإفقار وتهجير السوريين خلال السنوات الماضية.

لتبقى الحسرة الوحيدة، بحسب الكثيرين منهم، أنهم لم يستطيعوا أن يعبّروا بالشكل الذي يتمنّونه عن فرحتهم بالتحرّر من نظام جعل من أبنائهم وقوداً لآلة حربه، وتسبّب لهم بفقر وقهر يكفي لتوزيعه على العالم بأسره.