شروط التخلّص من الاستبداد

2020.07.25 | 00:02 دمشق

7ca1d3f68cf1f683c42af44d.jpg
+A
حجم الخط
-A

السعي في رفع الاستبداد من أهم الموضوعات المطلوب حلها، والتي يجب الابتداء بها. وهناك ثلاثة شروط مبدئية لرفع الاستبداد واستبداله وهي: شعور الأمة بآلام الاستبداد، والتدريج، وتهيئة البديل. فالشرط الأول: على الأمة أن تشعر بآلام الاستبداد وما يحدثه من تفاوت وفوضى بين الناس، وما يزرعه من ذل وضعة في قلوبهم، وذلك حتى تستحق الحرية لأن نوالها عفواً لا يفيد الأمة في شيء، لأن من لا يتعب في تحصيل شيء، لا يهتم بحفظه "فلا تلبث الحرية أن تنقلب إلى فوضى، وهي إلى استبداد مشوش أشد وطأة كالمريض إذا انتكس"، والحرية النافعة في فكر الكواكبي إنما هي التي تحصّلها الأمة، بعد الاستعداد لقبولها، وبذلك تتمكن من الحفاظ عليها.

فيجب على الأمة أن تتمسك بالطباع الجيدة، وتطلب الحرية والعدالة، وتقدّر قيمة الاستقلال، وتعرف مزية النظام على الفوضى "وخلاصة البحث أنه يلزم أولاً تنبيه حس الأمة بآلام الاستبداد، ثم يلزم حملها على البحث في القواعد الأساسية السياسية المناسبة لها بحيث يشغل ذلك أفكار كل طبقاتها". فمن أراد تخليص أمته من أسر الاستبداد، عليه أولاً، أن يبث فيها العلم بسوء حالتها، وأن يبين لها إمكانية التغيير. وسرعان ما ينتشر الشعور الحاد بآلام الاستبداد بين الناس حتى يكاد يشمل أكثر أفراد الأمة مما يؤدي بالناس إلى التحمّس فينادون مع المعري:

" إذا لم تقم بالعدل فينا حكومةٌ     فنحن على تغييرها قُدراء"

ومن يبعث في أمته الحياة، ويوقظها على الشعور بآلام الاستبداد، هو الإنسان الذي يجهد في ترقية معارفه، بالتلقي والمطالعة، وبإحراز علم يكسبه في قومه موقعاً محترماً، ويحافظ على آداب قومه وعاداتهم، محتفظاً بوقاره، متجنباً مصاحبة الحكام، وملتزماً بحسن الأخلاق، يحب وطنه، ويساعد الضعفاء، ويغار على الدين.

فلا بُدَّ أن تبدأ مقاومة الاستبداد بتعميم الوعي الذي بواسطته يمكن التفريق بين الخير لإلجاء الحاكم إليه، وبين الشّر لردع الحاكم عنه، لأنّ الأمة إنما جاءت بالحاكم ليستخدمها، وهي لا تستطيع معرفة ذلك إلاّ إذا انتشر فيها العلم الذي يقضي على الخوف المزروع في نفوس الرعيّة. وذلك لأنّ معرفة حقيقة ضعف المستبد يُزيل خوف الناس منه، إذ يرونه عاجزاً لا حول له ولا قوة إلاّ بجهلهم وانصياعهم. «فإذا ارتفع الجهل وتنوّر العقل زال الخوف» وبدأ النّاس في معرفة مكامن مصالحهم.

فالوعي هو أوّل خطوة على طريق إزالة الاستبداد، فإذا عمّت المعرفة، «عند ذاك لا بد للمستبد من الاعتزال أو الاعتدال» لأن انتشار العلم يكسر قيود الأسر، ويلجم المستبدّين «وكم أجبرت الأممُ بترقّيها المستبدَّ اللئيم على الترقي معها والانقلاب» فيتحول من منتقم حاقد إلى رئيس عادل يخاف الحساب.

وحتى يعمّ العلم في الأمة، لا بُدَّ أولاً من الاعتراف بالجهل، وذلك يكون بداية المعرفة، فلا ندّعي علماً بما لا ندري عنه شيئاً، ثم نحاول أن ننهل من العلوم، التي «توسّع العقول وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب، وكيف المنال، وكيف الحفظ» وبذلك نتعرّف إلى حقوقنا وحدودها، ونتعلَّم كيف نطالب بها، وكيف نحصل عليها ونتمسّك بها، مما لا يدع مجالاً لاستبداد حاكم أو ولي. وهذا يتطلَّب تحقيق الشرط الثالث من شروط الاستبداد واستبداله، ألا وهو تهيئة بديل الاستبداد، قبل مقاومته، وذلك حتى لا يصبح الأمر مجرّد استبدال مستبد بآخر.

ففي كلّ عمل لا بُدَّ من معرفة الغاية، ومعرفة الطريق الموصلة إليه، لنتمكَّن من الإقدام عليه. ولا تنفع المعرفة الإجمالية العامّة، بل لابُدَّ من معرفة الغاية، معرفة واضحة، ورسم الخطَّة الموصلة إليها، رسماً واضحاً ودقيقاً. فإذا أردنا استبدال الاستبداد علينا تهيئة ماذا نقيم مكانه، تهيئة موافقة لرأي الأغلبية، التي يجب أن تكون مقتنعة بضرورة التغيير المطلوب وتساعد الصحف والمراسلات المنتظمة على إقناع الرأي العام بالتغيير المطلوب. وموافقة الرأي العام ضرورية، حتى لا يكون الإقدام على التغيير ناقصاً، وحتى لا ينضمّ بعض الناس إلى ضرب المستبدِّ، فتكون الغلبة في جانبه. فلا بدّ من تقرير شكل الحكومة المطلوبة، بديلاً عن الاستبداد، قبل مقاومته حتى لا يقع الخلاف في أثناء محاولة إزالته. ويشدد الكواكبي على أهمّية تعميم الشكل المطلوب لا الاقتصار على موافقة الخواص، وذلك لأننا إذا أردنا له النجاح فلا بُدَّ أن يأتي مترافقاً بقبول الرأي العام.

هذا فضلاً عن أنَّ بثّ الوعي وإقناع العامة بالشكل المطلوب هو أمر واجب على كلّ إنسان يرى في نفسه القدرة على ذلك. فعلى كلّ إنسان قادر أن يرتّب بين أوقاته وأشغاله ويترك الشغل الذي لا يجد له وقتاً كافياً أو يفوضه إلى من يفيه حقّ القيام به.

«والخلاصة أن الراغب في نهضة قومه عليه أن يهيئ نفسه ويزن استعداده ثم يعزم متوكلاً على الله في خلق النجاح» وهذه من وظيفة عقلاء الأمة وسراتها. فإذا عرفنا أنّ الأمة هي مجموعة أفراد، أدركنا تأثير الفرد الواحد في أمته، وأمكننا القول إن اجتهاد كلّ فرد في ترقية نفسه كفيل بترقي الأمّة كلّها.

كلمات مفتاحية