شرق الفرات.. بين الإرادة التركية وتخبط الولايات المتحدة

2019.10.09 | 17:57 دمشق

580.jpg
+A
حجم الخط
-A

من الواضح أن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا في توتر متصاعد، وبلغت محل تشكيك في بعض الأوقات، ومن أهم نتائج ذلك التوتر، والتي زادت في تفاقمه أيضاً، شراء تركيا لصواريخ إس 400 من روسيا، ووقف مشاركة تركيا في برنامج إف 35 من جانب الولايات المتحدة، ناهيك عن فرض بعض العقوبات الاقتصادية على تركيا، ولا يخفى أن أحد أهمّ أسباب ذلك التوتر الموقفُ من التصارع على سوريا، حيث اختارت الولايات المتحدة والتحالف الشراكةَ مع قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة تنظيم الدولة، بينما تعدّ تركيا تلك القوات، التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية (الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) تنظيماً إرهابياً، مما زاد في التباعد التركي الأميركي، ودفع تركيا إلى بناء علاقات مع روسيا.

تصاعدت نقطة الخلاف هذه إلى حدودها القصوى، إلى أن توصل الطرفان إلى صيغةٍ تخفف حدة الخلاف، من خلال تأسيس آلية ما يُعرف بالمنطقة الآمنة شرق الفرات، التي ظلت موضع خلاف حول عمقها ووجود قوات قسد فيها، حيث لم تكن

يعود عدم الحسم في الموقف الأميركي من الخطة التركية خصوصاً، ومن الموقف تجاه سوريا عموماً، إلى وجود تباين في المواقف والآراء بين أركان مؤسسة الحكم الأميركي

المطالب التركية محط قبول من قبل أميركا، ففي حين تصرّ تركيا على حقها وحدها في إدارة المنطقة الآمنة، بحيث تصبح مكاناً آمناً لعودة اللاجئين الذين يتزايد خطاب الكراهية ضدهم داخل تركيا، بقي الموقف الأميركي غير حاسم وتتخلله الخلافات.

ويعود عدم الحسم في الموقف الأميركي من الخطة التركية خصوصاً، ومن الموقف تجاه سوريا عموماً، إلى وجود تباين في المواقف والآراء بين أركان مؤسسة الحكم الأميركي؛ فالإدارة، التي أعلنت، على لسان رئيسها في العام الماضي، نيتها سحب قواتها من سوريا، وأدى ذلك إلى استقالة ماتيس، وزير الدفاع، وماكغورك، مبعوث التحالف لسوريا عقب ذلك، تعتبر أن هذه الحروب مكلفة لأميركا، ولا قيمة لها على المستوى الاستراتيجي، وبالتالي تميل إلى التنسيق مع تركيا، بينما يبرز موقف البنتاغون المدعوم من الكونغرس، بضرورة الحفاظ على المكتسبات الأميركية التي حققتها مع شريكها قوات سوريا الديمقراطية، والمتمثلة بهزيمة التنظيم العسكرية، والاستحواذ على ثلث مساحة سوريا بما تمتلكه من ثروات طبيعية، وقربها من الطريق البري الذي تسعى إيران لفتحه بين طهران ودمشق مروراً ببغداد، مما يوفر للولايات المتحدة نفوذاً يجب أن تستفيد منه بدلاً من التخلي عنه.

وسط هذا الارتباك وعدم الوضوح الأميركي، وإعلان البيت الأبيض ليل الأحد الماضي موافقة الرئيس ترمب على عملية عسكرية تركية تهدف إلى إبعاد قسد من الحدود السورية، معارضاً توصيات كبار المسؤولين في البنتاغون ووزارة الخارجية الذين سعوا للحفاظ على وجود صغير للقوات في شمال شرق سوريا، لمواصلة العمليات ضد داعش، أو القيام بدور موازن لدور إيران وروسيا، وبعد تفاهمات روسية تركية مشابهة للتفاهمات التي تمّت إبّان عملية غصن الزيتون في عفرين، تأتي دعوة الرئيس أردوغان حول عملية عسكرية وشيكة، يمكن أن تجري في أي وقت قريب (اليوم أو غداً)، معتمداً بشكل أساسي على حالة التمييز والاضطهاد التي يعيشها العرب في المناطق التي تسيطر عليها قسد، والتي يُقر بها الأميركان، ناهيك عن الدور الذي لعبته قوات حماية الشعب في تهجير السكان، وما يمكن أن تشكله تلك العمليات من تجييش كبير لدى المهجرين في السعي للمشاركة في تلك العملية، التي عدّها الجيش الوطني - الذي جرى الإعلان عن توحيده مؤخراً- واحدة من مهامه الأساسية.

وفي الجانب الآخر للصراع على سوريا، تقف روسيا وإيران، وعميلهما النظام، الذين يطالبون -ومن مصلحتهم- بالانسحاب الأميركي، حيث تصبح المنطقة المقصودة محل تفاهمات روسيا تركية، ناهيك عن المكاسب التي تحققها إيران في استكمال

العلاقة التي أسست بين الولايات المتحدة وقسد (الشريك) علاقة تعاقدية بهدف محدد وهو محاربة تنظيم "الدولة"

مشروعها بالربط البري بين طهران ودمشق عبر بغداد. وبالتالي يبدو من مصلحة السوريين أولاً، وتركيا والولايات المتحدة ثانياً، أن يتحقق التفاهم التركي الأميركي بخصوص المنطقة الآمنة وغيرها من المواقف حول سوريا، بحيث يشكل ذلك التفاهم نقطة ارتكاز لموقف حقيقي ضاغط على روسيا والنظام، في سبيل التوصل إلى حل سياسي من خلال تسوية سياسية تضمن الحدود الدنيا من مطالب السوريين في الكرامة والعدالة.

كانت العلاقة التي أُسست بين الولايات المتحدة وقسد (الشريك) علاقة تعاقدية بهدف محدد وهو محاربة تنظيم الدولة، وكثيراً ما تشبه زواج المتعة محدود المدة سلفاً، وكما أعلن ترمب، فإن التنظيم هُزم، ما يعني أن مبرر البقاء والتحالف مع قسد قد زال، على عكس رأي البعض من أركان الحكم في بلده، بينما ترتبط مع تركيا (الحليف) بعلاقات استراتيجية تعود إلى أكثر من سبعين عاماً، ومن المرجح أن يكون الموقف الأميركي هو السماح لتركيا بدخول الأراضي السورية التي تسيطر عليها قسد، ولكن بعمق لا يُنهي وجودها الفعلي، إلى أن يكون هناك ترتيب أو اتفاق بين تركيا وقسد، تحت الرعاية الأميركية.

وسيبقى حال السوريين كما هو منذ سبعة أعوام منذ أن تخلوا عن استقلالية قرارهم النسبية، ينتظرون ما تقرره الدول المتصارعة بشأنهم، ويتابعون ترمب بين تغريدة وأخرى، إلى أن يدركوا أن القرار الوطني المستقل لا يعني العداوة كما لا يعني التبعية في الوقت نفسه.