تشكّل البنية البدائية لشبكات المياه وطرق إيصالها، أزمة كبيرة لسكّان المخيمات العشوائية في ريف إدلب، كما تشكّل قلة كمياتها بما لا يسد الاحتياجات الرئيسية والمتطلبات الأساسية، بيئة خصبة لتفشي فيروس "كورونا" بين خيام النازحين، وسط تزايد معدلات الإصابات في منطقة شمال غربي سوريا.
ولا يتوقف الأمر على رداءة سبل توفير المياه أو قلتها، إنما تواجه بعض المخيمات العشوائية الصغيرة في ريف إدلب كارثة إنسانية حقيقية في ظل غياب جهة مانحة توفر المياه لقاطني هذه الخيام في ظل الجائحة، وظروف معيشية صعبة تَحُدّ من قدرتهم على تأمينها بصورة شخصيّة.
مخيمات محرومة من المياه
يشتكي مدين رحيل الضاهر، وهو مهجر يقيم في مخيمات منطقة الشيخ بحر بريف إدلب، حرمانهم، مع كتلة خيام تصل إلى 35 خيمة، من مشاريع الإصحاح والمياه لتأمين أدنى مستلزمات المعيشة، وهو ما يحدث قلقاً لدى سكّان المخيم على حدّ تعبيره وسط مخاوف من تزايد عداد الإصابات بـ"كورونا".
ويوضح الضاهر، الذي يشغل عضو إدارة مخيم شامنا ويضمّ كتلة الخيام، لـ"تلفزيون سوريا" أنّ "ظروف المخيم المأساوية تعود إلى رفض عدد من المنظمات الإنسانية ضم المخيم إلى مشاريع مياه تقدمها، وذلك لغياب خطة توسعة ضمن المشروع".
ويقتصر استعمال المياه في ظل شحها وغياب المشاريع الداعمة لهذا القطاع وفقاً للضاهر على الشرب وبعض الاستخدامات الشخصيّة، وهو ما يهدد بتحول المخيم إلى بؤر إصابات بالفيروس.
ويشابه وضع مخيم شامنا بريف إدلب الشمالي الغربي أوضاع الكثير من المخيمات العشوائية في إدلب، في تدهور مستوى الخدمات المتوفرة المرتبطة بالمياه والإصحاح والنظافة.
بنية بدائية
علاوةً على تراص خيام النازحين إلى جانب بعضها بعضاً، وهو ما لا يتوافق مع أدنى معايير الوقاية من فيروس "كورونا" المستجد، تحضر بنية قطاع المياه والإصحاح البدائية مشكلة رئيسية لتفشي فيروس كورونا، إذ تعتمد العوائل على دورة مياه وخزان وأباريق مشتركة فالخدمات الأساسية المقدمة للمخيمات محدودة.
تصل المياه إلى المخيمات عبر صهاريج، وفقاً لمدير مخيم المفرق شمال إدلب، أبو نوّاف، الذي قال لموقع "تلفزيون سوريا" إنّ "عملية نقل المياه على هذا الشكل تجعل سكّان المخيم عرضة للإصابة، نتيجة الاحتكاك المباشر مع سكان المخيم وسائقي المخيمات وتجمعهم، فضلاً عن بنية بدائية في قطاع المياه".
دورات المياه
ويتجمع في مخيم سيالة شمال إدلب قرابة 16 عائلة على دورة مياه واحدة مسبقة البناء، وفقاً لأبي محمود، أحد سكان المخيم، في حين أنّ كتلة من الخيام ما زالت تفتقر إلى دورة مياه واحدة.
ويشير في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" إلى أنّ بعض العائلات وفي ظل جائحة "كورونا" اضطرت إلى تجهيز دورات بدائية جداً من بعض الأخشاب والأغطية، إلى جانب حفر فنيّة لتصريف المياه الآسنة وتجميعها.
وتضطر عشرات المخيمات العشوائية إلى تجهيز دورات مياه وحمامات بدائية على الطريقة المذكورة آنفاً، في ظل غياب بنية تحتية لقطاع الإصحاح، كما أنّ مساهمات المنظمات الإنسانية في مشاريع المياه والإصحاح ما زالت نسبية وغير كافية على التغطية الكاملة.
اقرأ أيضاً: ألمانيا تقدم دعماً بقيمة 20 مليون يورو لمواجهة الشتاء في سوريا
مواد التعقيم
المنظفّات والمعقّمات الشخصية، إضافةً إلى الكمّامات، تتصدر قائمة احتياجات المهجرين في المخيمات العشوائية في ظل جائحة "كورونا"، كما يشتكون شح المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الإنسانية.
وتعمل المنظمات الإنسانية على توزيع سلال تعرف بـ"سلال النظافة"، كل ستة أشهر أو سنة أحياناً، في حين تغدو بعض المخيمات محرومة تماماً من السلال والمساعدات المتعلقة بمواد التنظيف والتعقيم.
ابتسام العيسى، مهجرة من منطقة جنوب إدلب، تضع مواد التعقيم على أولوية الاحتياجات إلى جانب المياه، وتوضح أن أطفالها "معرضون بشكل يومي لمختلف أنواع الفيروسات والجراثيم نظراً لطبيعة المخيم العشوائية وغياب أماكن اللعب أو حتى الطرقات النظيفة، فأزقّة المخيم عبارة عن ممرات طينية."
وتضيف لموقع "تلفزيون سوريا" أنه "لا يمكن تحقيق العزل الاجتماعي، فالأطفال يلعبون معاً ويحتكون ببعضهم بعضاً وهم في ذلك عرضةً لنقل الفيروس إلينا".
مها نوّاف، مهجّرة أخرى، تقول إن "المياه المتوفرة في المخيّم لا تلبي الاحتياجات الأساسيّة، فكيف لمواجهة فيروس كورونا وتطبيق قواعد الوقاية؟".
وتوضح لموقع "تلفزيون سوريا" أن عائلات المخيم الذي تقطن فيه يحتاجون لكمّية مضاعفة عن تلك التي تؤمنها لهم المنظمات الإنسانية، وتعتقد مها أّنّ الأطيان التي تغرق خيام النازحين هي سبب أساسي في استهلاك المياه، على اعتبار أنهم يحتاجون إليها لتنظيف ملابسهم وأثاث خيامهم من الطين والوحل.
احتياجات المخيمات
يوضح مدير مخيم المفرق شمال إدلب، أبو نوّاف، أنّ كمية المياه المتوفرة للشخص الواحد تتراوح بين 30 أو 35 لتراً يومياً.
ومن أجل أيام الاستحمام، تصبح الكميات المتوفرة من المياه أكبر، ولا تكاد المياه المخصصة للعائلة الواحدة تكفي، ما يسبب أزمةّ تدفع العائلات للتقنين في استخدام المياه، وفقاً لمصطفى علي المحمد، وهو مهجر من ريف معرة النعمان.
مدير فريق "منسقو استجابة سوريا"، محمد حلاج، قال لموقع "تلفزيون سوريا" إنّ نقص المياه في المخيمات هو واحد من الأسباب الرئيسية في تفشي فيروس كورونا بين النازحين.
ويقدّر حلاج الكمية المناسبة من المياه لمواجهة فيروس كورونا بكمية تتراوح بين 70 إلى 80 لتراً للشخص الواحد، يومياً.
وتحدّث حلاج عن تخفيض بعض المنظمات الإنسانية من منسوب المياه المخصص للمخيمات ضمن مشاريعها المقدمة، لافتاً إلى حاجة المخيمات الضرورية إلى مواد النظافة والتعقيم.
وأوضح أنّ نحو 200 ألف نسمة من النازحين في مخيمات إدلب العشوائية، يعانون من نقص شديد في البنى التحتية فيما يتعلق بمياه الشرب والصرف ودورات المياه، مشيراً إلى أنّ الطرق البدائية في نقل المياه وتأمينها للمخيمات يساهم في تسريع وتيرة العدوى بين النازحين.
وقدّم "حلاج" مجموعة من الحلول، أبرزها زيادة كميات المياه من قبل المنظمات الإنسانية، وبناء خزانات كبيرة للمياه وضخها بشكل دوري، ومحطات تحلية لتوفير مياه نظيفة، إضافة إلى تأمين مستلزمات النظافة والتعقيم، وخاصةً فئة الأطفال على اعتبارها فئة ناقلة لفيروس "كورونا".
اقرأ أيضاً: "قرية ملهم".. مساكن بديلة عن خيمة النزوح شمالي سوريا
مشاريع إسعافية
ومؤخراً، أطلق فريق "ملهم التطوعي" حملة تستهدف مخيمات النازحين، تعمل على توفير كتل دورات مياه في المخيمات، وتعزيز الخدمات التحتيّة من جور فنيّة وتمديدات صحيّة وعزل أماكن تجمع المياه المالحة، بهدف زيادة عدد الكتل المستخدمة وبالتالي التقليل من فرص التجمّع على المنشأة الواحد، كما أنّها تؤمن كميات إضافية من المياه لسكان المخيمات المستهدفة.
وتأتي أهميّة الحملة في هذا التوقيت، وفقاً لمدير قسم المأوى في الفريق، براء بابولي، إلى "تقليل انتشار الأوبئة مثل اللشمانيا والحشرات السامة التي تهدد حياة الأطفال"، ويشير بابولي إلى أنّ "ضعف الموارد المتعلقة بقطاع المياه وشحها يؤدي بشكل أو بآخر إلى التجمهر حول المنشآت كدورات المياه والحمّامات وخزانات المياه، مما يؤدي إلى زيادة في نسب الاختلاط وبذلك تزيد احتمالية الإصابة بفيروس كورونا".
ويضيف بابولي، لموقع "تلفزيون سوريا" أن "مئات العائلات التي تسكن المخيمات العشوائية تعاني يومياً من فقدان أبسط مقومات الحياة وخاصة النساء والأطفال، بعض هذه الأمور قد تبدو لنا بسيطة أو حتى منسيّة ولكنها تمثل احتياجاً حقيقياً يعاني منه سكان هذه المخيمات، فعدم توافر الحمامات أو حتى أنابيب الصرف الصحي تؤدي إلى حدوث تجمعات مائية ملوثة مما يؤدي إلى انتشار الأمراض".
ويتعذّر وجود إحصاءات حول أعداد العوائل المستفيدة من الحملة، على اعتبار أنها مفتوحة وما زالت مستمرة وتهدف للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المخيمات والعوائل المهجّرة، بحسب بابولي.
ويرتفع عدّاد الإصابات بفيروس "كورونا" على نحو متزايد في مخيمات شمال غربي سوريا، ووصلت أعداد الحالات المثبت إصابتها بالفيروس إلى 1278 إصابة، وفقاً لما أكده مدير فريق "منسقو الاستجابة"، محمد حلاج، لموقع "تلفزيون سوريا".
اقرأ أيضاً: وكأنها المرة الأولى .. معاناة النازحين تُعاد فصولها منذ 8 أعوام