icon
التغطية الحية

شبان يفرون من الجزيرة السورية بأثمان باهظة.. من المسؤول؟

2022.03.07 | 07:02 دمشق

45921990_401.jpg
غازي عنتاب- عبد العزيز الخليفة
+A
حجم الخط
-A

تعتبر المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال وشرق سوريا، المنطقة الأغنى في سوريا من حيث الثروات الباطنية من نفط وغاز، كما تعتبر المنطقة خزان سوريا الغذائي وفيها تتركز زراعة محاصيل القمح والشعير والذرة إضافة لإنتاج القطن، لكن هذه المناطق الشاسعة تعاني الآن ومنذ بداية العام الحالي من نزيف بشري هائل لسكانها وخاصة الشباب الباحثين عن لقمة العيش في الدول المجاورة، رغم خطورة اللجوء عبر الحدود العراقية والتركية على السواء، والتي كان آخرها القبض على 22 سوريا من "الحشد الشعبي العراقي" في شباط الماضي خلال عبورهم الحدود العراقية بشكل غير شرعي. 

"بالزور عم نلحق" 

هكذا وصفت سيدة من القامشلي وهي أم لأربعة أطفال وتقيم بمنزل مستأجر وضعهم المعيشي، وتقول السيدة لتلفزيون سوريا في اتصال هاتفي، إن زوجها اعتقل في 20 شباط الماضي من قبل "الحشد الشعبي العراقي" بينما كان يحاول العبور إلى العراق للعمل في كردستان، بقصد إعالة عائلته. 

وتضيف السيدة -طلبت عدم ذكر اسمها- أن زوجها كان يعمل في "الدهان" ويحصل لقاء عمله على ما يصل إلى 500 ألف ليرة سورية في أحسن الأحوال، ندفع منها 100 ألف لصاحب المنزل، ونعيش في الباقي، "وهذا العمل يقتصر على الصيف.. الشتاء يمضيه كله تقريبا في المنزل بدون عمل" وهو ما دفعه للاستدانة أكثر من 1000 دولار من الأصدقاء والأقارب بهدف الوصول إلى كردستان بقصد إعالتنا، لم يستطع أخذنا معه لخطورة العبور ولأننا لن نستطيع كعائلة دفع أجرة المهرب. 

ممنوع الفرار من التجنيد

(علي.م) شاب من الحسكة طلب عدم ذكره اسمه الكامل، يقول إنه حاول الفرار من المنطقة مرتين وفي المرتين فشلت المحاولة، ويضيف لتلفزيون سوريا، أن حاجزا لقوات "قسد" قبض عليه في ريف تل تمر  أواخر العام 2020 وتم زجه بالتجنيد الإجباري مع آخرين كانوا يحاولون الفرار، وأنه بعد ذلك عدل عن فكرة السفر وبدأ بالعمل على دراجة نارية في التوصيلات القصيرة داخل مدينة الحسكة، حيث يعتمد كثير من أبناء المنطقة على خدمة التوصيل التي تقدمها الدرجات النارية، وكان يعيل عائلته عن طريق ذلك، إلا أن "الإدارة الذاتية" منعت  تجول الدراجات النارية في المدينة مؤخرا، ما حوله إلى "يائس وعاطل عن العمل" ولم يبق أمامه إلا طريق الهجرة عن طريق الوصول إلى منطقة العمليات التركية نبع السلام ثم العبور إلى تركيا، ويشير إلى أنه باع دراجته وحصل على مساعدة من شقيقه وحاول الوصول إلى منطقة رأس العين شمال الحسكة، إلا أن حاجزا لقوات "قسد" قبض عليه وحبس لمدة ثلاثة أيام وتم إطلاق سراحه بعد التأكد من إنهائه لما يطلق عليه "واجب الدفاع الذاتي" لكن بعد أن خسر كل شيء حتى حلم النجاة.

"عند الله ألف باب" 

أما (أحمد، ع). وهو شاب في نهاية العشرينيات، فله سبب مختلف، فقد أكل الجفاف قطيعه من الأغنام، التي يتوارث هو وعائلته تربيتها منذ أجيال، يقول إنه وصل إلى رأس العين حيث يقيم مع عشرات الشبان في منازل للمهربين، بهدف الوصول إلى أقاربه في تركيا والعمل معهم بالزراعة فهي المهنة الوحيدة التي يجيدها إضافة إلى رعي الأغنام. 

وعند سؤال (أحمد) عن خطورة العبور ومصاعب الحصول على وثائق رسمية في تركيا للقادمين الجدد، يقول، "عند الله ألف باب"، موضحا أنه يعتزم العمل في الرعي وربما الزراعة وهو ليس بحاجة لوثيقة رسمية للعمل بهذه المهن. 

ويشير إلى أنه عبر من منطقة جبل عبد العزيز إلى رأس العين، قبل نحو شهر حيث ينتظر فرصة مناسبة للعبور، وأنه ليس وحده بل هناك العشرات الذين يصلون يوميا إلى الحدود، بعضهم نجح بالعبور وبعضهم عاد بعد أن يئس. 

تشمل كل الفئات

المدير التنفيذي للشبكة الآشورية لحقوق الإنسان، حسام القس، يقول، إن الهجرة تشمل كل فئات المجتمع وكل مكونات الجزيرة السورية من عرب وكرد وسريان آشوريين، وبشكل خاص الشباب وذلك لسهولة حركتهم بالمقارنة مع باقي الفئات العمرية. 

ويضيف "القس" لتلفزيون سوريا، إن أسباب الهجرة من مناطق شمال سوريا متنوعة، فضلا للأسباب الاقتصادية وفقدان الأمل خاصة في أوساط الشباب، هناك التجنيد الإجباري المفروض من "قسد" والنظام، والأسباب الأمنية التي تتعلق بملاحقة البعض وبالتالي "تهجيرهم". 

ويلفت إلى أنه رصد شخصيا العديد من العائلات غادرت مناطق "قسد" لأسباب تتعلق بالتعليم، موضحا أن "الإدارة الذاتية" تفرض مناهج مؤدلجة على المدارس وهي فضلا عن ذلك غير معترف بها، ما دفع بالعائلات إلى النزوح الداخلي باتجاه مناطق سيطرة النظام بهدف الحصول على تعليم "معترف به" لأطفالهم وأبنائهم. 

 الموارد المسروقة 

الصحفي سامر الأحمد، يرى أن هجرة الشباب بمختلف انتماءاتهم المذهبية والمناطقية يرجع لعدة أسباب، أولها يتعلق بكل سوريا وهو الظرف المتعلق بالحرب والوضع الاقتصادي المتردي في سوريا. 

ويستطرد "الأحمد" بحديثه لتلفزيون سوريا، قائلا إن الجزيرة السورية كانت "تنتج 200 ألف إلى 300 ألف برميل نفط يوميا في مطلع الثورة من حقول الشدادي، وتنتج نحو 15 ألف أسطوانة غاز من حقل السويدية، وقرابة مليون طن من القمح وهي الأعلى إنتاجا للقطن في سوريا"، معتبرا أن هذه الأرقام توفر حياة كريمة لسكان الجزيرة لولا تسخيرها من قبل "الإدارة الذاتية" لصالحها وليس لصالح السكان. 

ويوضح أن النشاط الاقتصادي الأساسي في الجزيرة السورية هو الزراعة، ولكن "إدارة قسد" وبدلا من دعم الفلاحين في الجفاف، قامت برفع أسعار المحروقات عليهم، ولم تؤمن البذور ولا السماد الذي إن توفر يكون بأسعار خيالية، كما احتكرت شراء محاصيلهم منهم، كما فرضت ضرائب على النشاطات التجارية والزراعية،  فضلا عن "الإتاوة" التي يفرضها حزب العمال الكردستاني"، إضافة إلى التجنيد الإجباري، كل ذلك جعل الشبان أمام خيارين أمام القبول بالتطوع في "الأجهزة العسكرية" التابعة لـ "قسد"، أو محاولة الخروج بأي ثمن.

ويختم، أن هناك عشرات الحالات التي يعرفها بشكل شخصي، باعت أراضيها وسيارتها بهدف العبور إلى تركيا ومنها إلى أوروبا رغم ضخامة المبلغ المطلوب لرحلة تهريب كهذه والذي قد يتجاوز 10 آلاف دولار، ولكنه الخيار المتبقي أمامهم.