شباب سوريا.. إلى أين؟

2022.05.15 | 06:53 دمشق

2019-08-27-16.24.03.jpg
+A
حجم الخط
-A

كلما تصفحنا مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما الصفحات السورية نقرأ ما يوجع القلب ويضني من جرائم بكل أشكالها وفساد تفشى حتى النخاع، وأشياء أدخلت على المجتمع السوري لم تكن معلومة للعامة من قبل، وإن وجدت تكاد تكون النسبة لا تذكر وتتم في الخفاء إما خوفا من عواقب التجريم أو خجلا من المجتمع لأن هذه الأفعال يعلم صاحبها أنها مشينة ولا تتناسب مع أخلاقيات المجتمع، لذا كان المجتمع يحرص على إخفاء تلك الأمور وعدم نشرها كي لا تؤدي إلى فساد أجيال قادمة، إضافة إلى السعي في ملاحقة هؤلاء من قبل المجتمع بعدة طرق منها العلاج ومنها العقوبات لمن كان متعمدا وألحق الأذى بالآخرين. ما ساهم أيضا في الضبط هو تمسك المجتمع بسياسة الحياء والعيب بحيث إن وقع أحدهم بإحدها كانت سياسة الاختفاء والبعد عن الأنظار هو الحل والستر حرصا على أفراد العائلة والمحيط.
أما اليوم فقد انتشرت كما النار في الهشيم إبان الحرب، وفقد هذا المجتمع الكثير من القيم الأخلاقية وبات التباهي في الجرائم والمعاصي والفساد دلالة على القوة والذكاء والدهاء ويعتبر شطارة، وبات البقاء ليس للأقوى فحسب وإنما من هو أكثر فساداً.

على صعيد الدولة لا يقتصر الأمر على الضوابط الأمنية المفروضة على من ارتكب تلك الجرائم وإنما يأتي قبلها تأمين وتوفير ما يضمن ارتقاء وصلاح هذا المجتمع من خلال المنظومة التربوية والتعليمية

من الظواهر السلبية كعبادة الشياطين والمخدرات والاعتداءات والتحرشات الجنسية لا سيما على الأطفال والاختطاف.. والقائمة تطول، حقيقة هذه الظواهر موجودة في كل المجتمعات لكن تبقى القضية قضية نسبة وتناسب ومن خلال هذه النسبة يحدد صلاح وتوزان هذا المجتمع من عدمه.
هذه الظواهر موجودة في بلادنا فنحن لسنا بالمدينة الفاضلة الأفلاطونية، وتركيبة البشر مبنية على الخير والشر، لكن نمو الخير والشر يعتمد على البيئة الحاضنة ومدى صلاحها، فعلى صعيد الدولة لا يقتصر الأمر على الضوابط الأمنية المفروضة على من ارتكب تلك الجرائم وإنما يأتي قبلها تأمين وتوفير ما يضمن ارتقاء وصلاح هذا المجتمع من خلال المنظومة التربوية والتعليمية أولا ودعهما على كل الجوانب، فمن خلال التركيز على هذه المنظومة الهامة ودعمها بالبرامج التربوية والأخلاقية مع التعليم نضمن خلق جيل واع متوازن يسعى للتطوير والنجاح ضمن الأسس القيمية ومحاربة الفساد، لأنه يخالف مبادئه التي تربى عليها، كذلك المنظومة الصحية بالضمان والتأمين الصحي وتوفير الإمكانيات التي تشرف على ذوي الدخل المحدود فلا يضطر المرء إلى بيع كل ما يملك لأجل عملية على سبيل المثال أو اللجوء إلى أساليب منحرفة لإنقاذ من يهمه.. أضف إلى ذلك أن المجتمعات التي تعنى بالصحة العامة هي تؤهل أجيالاً أصحاء تقوم على بناء البلاد، أما على الصعيد الاجتماعي فذلك بتأمين احتياجات المواطن ولو بأدنى سبل العيش الكريم فلا يضطره للعوز، ليسعى المرء بإيجاد حلول وسبل سيئة للحصول على لقمة العيش مما يؤدي إلى فساد المجتمع وانتشار الجريمة بكل أشكالها. 
نأتي على الصعيد الأسري، والذي يعتبر نواة المجتمع لكن هذه المنظومة لن تكون فعالية بالاتجاه الإيجابي ما لم تتوافر البيئة الصالحة التي توفرها الدولة والتي تقع على عاتقها من خلال ما ذكرنا أعلاه.
ماذا يحدث اليوم في سوريا؟
إبان الحرب على مدار عشر سنوات انتشرت ظواهر لم يألفها المجتمع السوري من قبل حيث كانت من المستهجنات لديه، على الرغم من وجودها إلا أنها كانت لا تذكر وتبقى حالات شاذة وكان لا يزال مجتمعنا مسيطراً عليها آنذاك على سبيل المثال:
ظاهرة عبدة الشياطين باتت اليوم منتشرة وبشكل فاضح، ولم تعد التجمعات في أوكار محاطة بالسرية التامة، بل باتت بشكل علني وفي الأماكن العامة، وللأسف هذه الأماكن باتت معلومة للشعب، بالمقابل لم تتخذ أجهزة النظام الأمنية أي إجراء بهذا الشأن، بل على العكس كما ورد من أحدهم أنه قام بالإبلاغ عن موقع عام لهم فكان الرد من المخفر أننا نعلم وهم منتشرون كما الأخطبوط ولا نستطيع فعل شيء، كانت حجة النظام وأجهزته الأمنية قبل سنوات مكافحة الإرهاب وعدم التفرغ للجرائم الداخلية مما أدى إلى الانفلات الأمني وتفشي ظواهر لم تكن مألوفة على مجتمعنا، ونحن نسأل اليوم بعد أن تمكن النظام من فرض سيطرته على أغلب المناطق السورية بحسب تصريحات مسؤوليه، أين أفرع النظام الأمنية من هذا النوع من الإرهاب الجديد الذي اقتحم مجتمعاتنا؟ وتسبب باستفحال ظاهرة الانتحار والقتل في صفوف الشباب وتقيد الجريمة ضد مجهول أو لخلل نفسي؟ 
تجارة الرقيق الأبيض حيث بات السكن الجامعي وكراً لاستقطاب الفتيات في ريعان شبابهن مستغلين عوزهم وحاجاتهم والجوع ليتم بيعهم لمن يدفع أكثر واستغلالهم بأمور غير مشروعة.
انتشار المخدرات والاتجار بها علنا، ومراكز التصريف الجامعات والمدارس وكل أماكن تجمعات الشباب.
أين مؤسسات النظام من حالات الاختطاف والاغتصاب في وضح النهار في الشوارع العامة والأحياء وحتى المدارس لم تسلم منها، إضافة لعمليات النهب والسرقة والتشليح وطلب الفديات؟
أطفال الشوراع الذين باتوا يملؤون الأرصفة والتسول والمتاجرة بهم، بدل أن تجمعهم المدارس.
القضاء الفاسد والرشا والمتاجرة بلقمة العيش 
نحن لن نتحدث هنا عن الاقتصاد المنهار الذي بات معلوما للعالم ويغضون النظر عنه وتسبب بالمجاعة للكثيرين، نحن نتحدث عن جانب قيمي أخلاقي لا يقل أهمية عن العامل الاقتصادي الذي يؤدي انهياره إلى الجريمة والفساد.
نحن نتحدث عن شباب سوريا إلى أين أمام هذا الانفلات الأمني وتفشي أمراض مجتمعية جديدة انتشرت ولها الدور الأساس بانهيار مجتمع بأكمله، ولإعادة بنائه يحتاج لأجيال.
نحن لا نتحدث من خيال فكل يوم نقرأ على صفحات التواصل الاجتماعي ما تقشعر له الأبدان ونسأل أحقا هذا ما يحدث في سوريا؟
كذلك ما تعرضه المسلسلات فهي تعكس الواقع المعاش من فساد المسؤولين وما كان يدار وراء الكواليس واليوم أصبح على العلن والذي أوصل البلاد والعباد إلى هذا الحال.
عندما قال البعض سوريا لن تعود قبل خمسين عاما قد صدق. لكن من أي جانب؟ هل من ناحية إعادة الإعمار والبناء ونهضة الاقتصاد؟ للأسف لا. والسبب عندما تتوافر المقومات من شركات داعمة ورؤوس أموال واستثمار، سوريا لا تحتاج لإعادة إعمارها سوى سنتين أو ثلاث على أقصى تقدير لتكون سويسرا الشرق من حيث الإعمار والبنيان، لكنها تحتاج إلى خمسين عاما لإعادة بناء الإنسان عبر أجيال.. الإنسان الذي مات فينا وانعدام الضمير والقيم الأخلاقية تحت مسمى بدنا نعيش. 

الدولة السورية المنتظرة لن تستعيد عافيتها ما لم تعمل على بناء الإنسان الذي أكلته الحروب والعوز والجوع والفقد للممتلكات والأهل

أصبح كل شي مباحا حتى الجريمة في سبيل لقمة العيش، وبات كل من ينال لقمة عيشه ولو على دماء الآخرين بطلا.
الدولة السورية المنتظرة لن تستعيد عافيتها ما لم تعمل على بناء الإنسان الذي أكلته الحروب والعوز والجوع والفقد للممتلكات والأهل، ولن تقوم لها قائمة ما لم يكن هناك نظام يحكم بالعدل، ويسير على خطين متوازيين الأول: يقوم بعملية التطهير ويضرب بيد من حديد على كل فاسد، وتفعيل قانون المحاسبة والمساءلة، وأن الجميع تحت مظلة القانون من البواب إلى الرئيس، والخط الآخر الموازي: المضي بعملية البناء ابتداء من توفير أدنى سبل العيش الكريم في المرحلة الراهنة والتركيز على المؤسسات التربوية والتعليمية والصحية والاجتماعية.
فمهام الدول لا تقتصر على محاربة الاعتداءات الخارجية، إنما من أولى مهامها توفير الحماية والأمن لمواطنيها ومحاربة الخطر الداخلي الأكبر والذي ينتشر كالسرطان في المجتمع وهو الجهل، وتوفير العيش الكريم وأن تحمل على عاتقها مسؤولية الشعب، وإلا فلتدع الأمر لمن هو أهل له.