icon
التغطية الحية

سيناريوهات الربيع الروسي.. كيف قرأت الصحف الروسية مظاهرات موسكو؟

2019.08.13 | 17:08 دمشق

معارضون لبوتين يتظاهرون في العاصمة موسكو (رويترز)
تلفزيون سوريا - عمر الخطيب
+A
حجم الخط
-A

كان فلاديمير بوتين يأمل بالتأكيد في أن لا يتصدر خبر المظاهرات في موسكو الشاشات والإنترنت، والمؤكد أيضاً أن أمله خاب، لأنه وللأسبوع الرابع على التوالي احتشد يوم السبت الماضي عشرات الآلاف في موسكو للمطالبة بانتخابات نزيهة وحرة، ووصف المراقبون المظاهرات المعارضة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها الأكبر منذ إعادة توليه السلطة في عام 2012، واكتفت موسكو مع بداية المظاهرات قبل أسابيع أربعة بعدم التعليق مراهنة على ما يبدو على أن الإجراءات التي اتخذتها ستكون كافية لخنق المتظاهرين وإبعادهم عن الشارع، ولكن مظاهرة السبت أثبتت عقم هذا الطرح، وأن ما يحدث في موسكو أشبه ما يكون بكرة الثلج، وظهر صدى ذلك في تحليلات بعض الصحف الروسية بين تلك التابعة للكرملين والمعارضة له، حيث يبدو من خلال هذه التحليلات استشعار حالة الغضب المتزايد بين أبناء الشعب الروسي والتي تنذر بمزيد من المواجهات مع نظام بوتين.

 

سيناريوهات أربعة

يطرح السياسي الروسي المعارض "ليونيد غوزمان"في صحيفة "نوفايا غازيتا"المستقلة والمعارضة لبوتين أربعة سيناريوهات لمستقبل المظاهرات في روسيا، ويقول إن السيناريو الأول هو أن تدرك السلطة في موسكو حجم الهاوية التي قادت البلاد إليها وتقوم بناءً على ذلك بالانسحاب وتسليم السلطة "وهذا خيار جيد ولكن فيه عيب واحد أنه مستحيل"يضيف غوزمان ساخراً، والسيناريو الثاني هو أن تقوم السلطة بالتفاوض مع قادة المظاهرات لتطويعهم إما بموافقتهم أو عبر ترهيبهم، ولكن هذا الخيار أو المسعى لن ينجح هذه المرة برأي غوزمان فخيار التراجع غير وارد هذه المرة عند قادة المظاهرات، وحتى لو قام الكرملين بالاعتداء عليهم أو حتى قتلهم فإن هناك دائماً من سيكمل، ولكن سادة الكرملين أصحاب "الرؤوس الغبية"، بحسب غوزمان، يعتقدون أن هذه المظاهرات تأتي فقط تلبية لطلبات قادة المعارضة ولا يدركون أن الناس هنا توحدوا طلباً للحرية والعدالة.

كان فلاديمير بوتين يأمل بالتأكيد في أن لا يتصدر خبر المظاهرات في موسكو الشاشات والإنترنت، والمؤكد أيضاً أن أمله خاب

هل ستعلن موسكو حالة الطوارئ؟

أما السيناريو الثالث فهو أن تتبع السلطات الروسية سياسة النفس الطويل، السيناريو المعتاد، وترك المظاهرات مع استمرار قوات الأمن والشرطة بالقمع والاعتقالات والمحاكمات الصورية إلى أن يبدأ الناس بالتعب والشعور بخيبة الأمل وتخلخل الإيمان بجدوى المظاهرات، فينصرف عنها كثير من الناس ليعودوا إلى حالة اليأس والانصراف للشرب والمخدرات، كما قد يهاجر شخص ما وتزداد حالات الانتحار، وتعتبر هذه الحالة المثالية التي تفضلها السلطة في موسكو، لكن هناك "أخبار سيئة"للسلطة الحاكمة فهذه المرة هناك فئة معينة لن تلجأ إلى السكر والروحانيات هذه المرة بل هم سينتقلون للعمل "كنا مررنا بوضع مشابه منذ مئة عام"ويشير غوزمان هنا، على ما يبدو، إلى الثورة البلشفية ضد حكم القيصر عام 1917.

ويختم غوزمان سيناريوهاته بالسيناريو الرابع الذي يرى فيه أن النظام البوتيني ربما سيعلن حالة الطوارئ لمواجهة المظاهرات المتصاعدة، إن لم يكن الآن فربما بعد بضعة أسابيع، فبوتين وعلى مدار العشرين عاماً الفائتة سمح بمستوى متدني من الحريات المدنية والسياسية وهو الآن يرى أن هذا المستوى، على تواضعه، بات يشكل خطراً على نظامه المسكون بكابوس ما حدث في التسعينيات من القرن الماضي عند انهيار الاتحاد السوفييتي وما تبعه من ثورات في جمهوريات الاتحاد، سُمّيت وقتها بالثورات الملونة، وعليه فبوتين الآن بات يشعر بالخطر مع انخفاض شعبيته وشعبية من يدعمهم في الانتخابات وبالتالي هناك تهديد جدي لشرعيته من خلال صيحات الرفض والاحتجاج المتعالية ضد السرقة والفساد والفيضانات والحرائق.

 

سيناريو الربيع العربي

وبالعودة إلى الصحف الروسية تتحدث صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس"عن اعتقال "ديمتري فاسيلييف"، وهو مخرج تلفزيوني، حيث منع عنه معتقلوه تناول "الأنسولين"مما أدى إلى تدهور صحته، قبل نقله للمشفى، وتقول الصحيفة إن ذلك ربما كان سيقود إلى موته، وتشير الصحيفة إلى أن ذلك يذكِّر بما حدث في ثورات الربيع العربي حيث أدت وفاة مواطن تونسي "محمد البوعزيزي"إلى اندلاع ثورات الربيع العربي وانتقاله من دولة إلى أخرى، وأدى عنف السلطات في مواجهة المحتجين إلى مقتل آخرين وهو ما دفع إلى ارتفاع وتيرة المظاهرات والغضب الشعبي الذي أدى في النهاية إلى انهيار عدة أنظمة عربية.

من جهته تجاهل الإعلام الروسي الموالي للكرملين ما يحدث عبر حجب العديد من الصور والفيديوهات والتعامل معها على أنها مظاهرات متفرقة قليلة العدد ومدفوعة من قبل الغرب، وكان لافتاً يوم السبت الماضي وإبان المظاهرات التي شغلت الإعلام العالمي ومواقع التواصل الاجتماعي، انشغال الإعلام الروسي الرسمي بتغطية زيارة بوتين إلى شبه جزيرة القرم الأوكرانية، التي تحتلها موسكو، وقيامه بمشاركة نادي "الذئاب الليلية"رحلة على الدراجات النارية وملأت صور بوتين وهو يقود الدراجة الصفحات الأولى، بينما كانت قواته تواجه عشرات آلاف المتظاهرين في موسكو.

من جهته تجاهل الإعلام الروسي الموالي للكرملين ما يحدث عبر حجب العديد من الصور والفيديوهات والتعامل معها على أنها مظاهرات متفرقة قليلة العدد ومدفوعة من قبل الغرب

لا تفاوض!

ومن جهتها قالت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا"التابعة للكرملين التي كانت صريحة في اتهامها للمتظاهرين بالتبعية للغرب والتشكيك بوطنيتهم، وتهديدهم بأن لا نتيجة لهذه المظاهرات حيث لن يكون هناك مفاوضات "فلو قدمنا لكم إصبعاً فستقومون بقضم يدنا بالكامل".

وبالرغم من تظاهر الكرملين باللامبالاة تجاه المظاهرات فإن أكثر من خمسين ألف متظاهر يوم السبت دفعت الكرملين على ما يبدو لاتخاذ موقف علني يظهر الذعر بين رجالاته، حيث قامت ما تسمى ”هيئة تنظيم الاتصالات”في روسيا بمطالبة غوغل بالتوقف عن بث المظاهرات على موقع يوتيوب، وأشارت إلى أن تقاعس غوغل عن الرد على هذا الطلب ستعتبره روسيا "تدخلا في شؤونها السيادية"و"تأثيرا معاديا وعرقلة للانتخابات الديمقراطية في روسيا"على حد تعبير الهيئة التي هددت بأن روسيا تحتفظ بحق الرد في حال عدم تلبية غوغل لطلباتها.

 

كفاكم كذباً!

وكانت المظاهرات اندلعت في روسيا بعد استبعاد السلطات مرشحي المعارضة والمستقلين من الانتخابات المحلية، لا سيما بعدما أظهرت استطلاعات الرأي غضباً شعبياً على مرشحي الحكومة، وبالتالي قرأ الروس استبعاد المعارضة والمستقلين من الاستحقاق الانتخابي كخطوة استباقية من بوتين لضمان نجاح مرشحيه. وقامت السلطات الروسية مع بدء المظاهرات باعتقال قيادات المعارضة من أبرزهم  أليكسي نافالني، أبرز معارضي بوتين، كما قامت السلطات بالتصدي لهذه المظاهرات عبر ضخ آلاف عناصر الشرطة والقوات الأمنية إلى الشوارع لمواجهة المظاهرات، في كثير من الأحيان كانت أعدادهم تقترب ربما من أعداد المتظاهرين، حيث تم قمعها بالعنف كما أظهرت مئات الصور ومقاطع الفيديو، بالإضافة لاعتقال ما يزيد على ألفي متظاهر الذين كان من أبرز شعاراتهم "نريد انتخابات حرة"و"ياللعار"و"كفاكم كذباً".

وتستخدم موسكو في مواجهة المظاهرات سيناريو يرى كثيرون أنه يشبه ما حدث في ثورات الربيع العربي من حيث عدم اعتراف السلطة بحجم المظاهرات الحقيقي وترديدها لرواية المؤامرة، فالإعلام الروسي التابع للكرملين يربط هذه المظاهرات بمؤامرة من قبل الناتو، وانتشار مقاطع الفيديو التي تظهر وحشية القمع وضرب المتظاهرين يذكر بالمقاطع التي كانت تخرج من مظاهرات الربيع العربي، وكيفية تصدي قوات الأمن للمتظاهرين حيث تنشد السلطة من وراء هذه الفيديوهات بث الرعب والخوف في صدور المواطنين، ولكن حتى الآن فشل الرئيس الروسي، الذي يتجاهل وحكوماته هذه المظاهرات، في قمع المواطنين الروس

 

عشرون عاماً

بالرغم من أن هذه المظاهرات ليست الأولى التي تشهدها روسيا في عهد بوتين، فإنها وبحسب المحللين الروس مرشحة على ما يبدو للاستمرار والتصاعد فالأعداد تتزايد من أسبوع لآخر، ويعلم الرئيس الروسي أن استطلاعات الرأي في الفترة الأخيرة أظهرت تراجعاً واضحاً في شعبيته، وأبدى الشعب الروسي في أكثر من مناسبة تبرمه واحتجاجه على الأوضاع الاقتصصادية، التي تزداد تدهوراً مع فشل بوتين في تحقيق وعده بتحقيق النمو الاقتصادي، وعلى الدولة البوليسية التي أنشأها بوتين حيث قام بملاحقة المعارضة التي انتهى اكثير من قاداتها مابين قتيل أو منفي أو داخل المعتقلات عدا  اغتيال الصحفيين وترهيبهم.