icon
التغطية الحية

سيرغي لافروف بين خان شيخون السورية وبوتشا الأوكرانية

2022.04.10 | 06:42 دمشق

277785576_4941608285938188_246734959373107543_n.jpg
أطفال أصيبوا بالكيماوي في مجزرة خان شيخون (الدفاع المدني)
إسطنبول - عمر الخطيب / عبد الله سكّر
+A
حجم الخط
-A

في كل جريمة هناك قاتل وضحية ولكن في سوريا وأوكرانيا هناك أيضاً سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، وبالرغم من آلاف الكيلومترات التي تفصل بين سوريا وأوكرانيا يجد الشعبان نفسيهما في مواجهة نفس الرجل الذي لا يمل من استفزاز الشعبين وإطلاق الأكاذيب، فهو لا يحاول حتى الدفاع بل ينكر الجريمة برمتها ويكيل التهم للضحايا بأنهم قتلوا أنفسهم.

في مدينة بوتشا الأوكرانية خرجت صور ومقاطع فيديو توثق مجزرة ارتكبتها القوات الروسية في المدينة قبل انسحابها، وفي مواجهة التنديد العالمي والذهول أمام هذه الجريمة خرج لافروف، الاثنين 4 نيسان/أبريل، ليقول حسناً ليس هناك مجزرة وكل ما رأيتموه هو دعاية مضللة "لقد تم تنفيذ هجوم وهمي جديد في مدينة بوتشا في منطقة كييف بعد انسحاب الجنود الروس من المدينة وفقاً للاتفاقيات التي تم الوصول إليها، تم تنفيذ هذا الهجوم بعد الانسحاب الروسي بعدة أيام، وتم التحريض عليه عبر جميع القنوات التلفزيونية ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المسؤولين الأوكرانيين وداعميهم الغربيين".

كلمات لافروف بدت للعديدين مألوفة بل ومستنسخة، فالرجل قالها مرات عدة عقب جرائم ومجازر ارتكبتها القوات الروسية ولكن في سوريا.

في 4 نيسان/أبريل 2017 قام النظام السوري بتنفيذ هجوم كيماوي على مدينة خان شيخون في ريف إدلب مما خلف أكثر من 100 قتيل ومئات المصابين، وبوجه الصور والفيديوهات التي وثقت المجزرة الرهيبة خرج لافروف بعد أيام ليقول إنه ليس هناك مجزرة وليس هناك استخدام للسلاح الكيماوي، والأمر برمته مجرد تضليل إعلامي، فقال في 14 نيسان 2017 "هناك دلائل متزايدة على أنه كان مفتعلاً، أعني حادثة استخدام أسلحة كيماوية في محافظة إدلب."

 

 

واعتبر لافروف في الحادثتين أن الهدف من المجزرتين هو استفزاز روسيا وعرقلة "عملية السلام" فقال في رسالة بالفيديو بثت عبر التلفزيون الروسي يوم الثلاثاء 5 نيسان الجاري "سؤال يطرح نفسه: ما فائدة هذا الاستفزاز الصارخ والكاذب (...) يقودنا إلى الاعتقاد بأنه يستخدم لإيجاد ذريعة لنسف المفاوضات الجارية"، وفي 19  نيسان 2017 قال لافروف عن هجوم خان شيخون إن "موسكو تشعر بمحاولات الاستفزاز مثل تلك التي جرت في 4 نيسان/ أبريل الجاري واستخدام الأسلحة الكيميائية في إدلب"، وفي كلا الحالتين دعا لافروف لتحقيق دولي لكسب الوقت وتمييع القضية، ونعلم ما كان مصير التحقيق في سوريا حيث عادت روسيا ورفضت نتائجه واعتبرته منحازاً ويخدم الغرب.

وإكمالاً لسلسلة التشابه المثير بين الجريمتين تصدت صحيفة نيويورك تايمز لروسيا في الحالتين وقامت بتفنيد كذبات روسيا وادعاءاتها عبر الاعتماد على المصادر المفتوحة وتناقض التصريحات الروسية نفسها.

ففي مجزرة خان شيخون أجرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقاً استقصائياً، تم نشره في 26 نيسان 2017، يُظهر كيف قام النظام السوري وحليفه الرئيسي روسيا، بتشويه الحقائق المحيطة بالهجوم الكيماوي على خان شيخون.

 وباستخدام الصور والفيديوهات التي نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي للهجوم، ومن خلال فحص الفيديوهات المصورة من داخل المشفى وتقارير الطب الشرعي وشهادات الشهود بالإضافة إلى آراء خبراء الأسلحة والمحققين وعبر استعمال صور الأقمار الصناعية وبرامج الخرائط، تم بدايةً تحديد أماكن سقوط القذائف (منازل المدنيين) الأمر الذي نفى رواية روسيا والنظام السوري بأن القصف استهدف مستودعاً كبيراً للأسلحة على الأطراف الشرقية للبلدة، حيث زعم لافروف أن قوات المعارضة يصنعون فيها أسلحة كيميائية، كما أورد التحقيق آراء منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حيث قالت إن الاختبارات التي أجريت على الضحايا والناجين وجدت "أدلة لا جدال فيها" على استخدام العامل الكيميائي السارين.

 

نيويورك تايمز خان شيخون.png
(نيويورك تايمز خان شيخون)

 

وفي مجزرة بوتشا اعتمدت نيويورك تايمز في تحقيقها، الذي تم نشره في 4 نيسان 2022، على مطابقة صور أقمار صناعية وفيديو صوّره أحد أعضاء المجلس المحلي لمدينة بوتشا في 1 أبريل\نيسان، حيث تمكنت نيويورك تايمز من إثبات وجود 11 جثة على الأقل من ضحايا المجزرة كانوا مرميين في الشوارع منذ الحادي عشر من مارس\آذار الماضي، أي حينما كانت القوات الروسية لا تزال في المدينة، حيث اعتمد لافروف في روايته على القول إن الروس خرجوا في 30 آذار ولم يكن هناك جثث وإنما تم وضعها أو "التمثيل" بعد خروج روسيا.

 

نيويورك تايمز بوتشا.png
(نيويورك تايمز بوتشا)

 

التشابه في الأساليب الروسية المستخدمة في غزوها لأوكرانيا مع حربها على سوريا لفت الانتباه منذ انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا، ووجد كثيرون تشابهاً صارخاً بين الأسلوب الوحشي الذي تتبعه موسكو في حصار مدينة ماريوبول الأوكرانية وحصار حلب السورية، من قطع الاتصالات والغاز والمياه والكهرباء، ومنع دخول قوافل الإغاثة إليها واستهداف المنشآت الصحية ومنع الدواء وطعام الأطفال من الدخول إمعاناً في التضييق على الأهالي والمقاتلين المدافعين عن المدينة بالإضافة إلى القصف الذي لا يتوقف ويستهدف بشكل أساسي البنى التحتية والأسواق والأفران والأماكن التي لجأ إليها المدنيون.

هذا التشابه تناولته صحيفة واشنطن بوست في مقالها بتاريخ 30 آذار الماضي، وقالت إنه وبالرغم من الاختلاف بين شكل الحرب الروسية بين أوكرانيا، التي تستخدم فيها قواتها البرية والجوية والبحرية، وسوريا، التي استخدمت فيها قواتها الجوية والبرية، فإن التشابه بين المدينتين يبدو كبيراً وما يرويه الأوكرانيون في ماريوبول يتطابق مع ما رواه السوريون عن حلب.

أما الإعلام الروسي فجاء تناوله للمجزرتين من خلال نسج روايات غرائبية حولهما فما حدث في خان شيخون بحسب تقرير عرضته قناة "روسيا اليوم" الحكومية في 5 نيسان 2017، هو أن النظام السوري قصف "مستودعاً للذخيرة تابعاً للإرهابيين في خان شيخون بريف إدلب، يحتوي على أسلحة كيميائية وصلت من العراق".

 

روسيا اليوم.JPG

 

ويسرد حساب المعارض الروسي المعتقل "ألكسي نافالني" على تويتر في سلسلة تغريدات أن المواطن الروسي المتابع لأخبار الحرب على القنوات الروسية الحكومية سيرى أن "روسيا كانت تعقد اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن المذبحة التي ارتكبها النازيون الأوكرانيون في بوتشا" ومن المعروف أن روسيا تستخدم تعبير النازيين في أوكرانيا كما استخدمت داعش في سوريا لتبرير حربها والجرائم التي ارتكبتها.

ويتابع نافالني كيف أن القنوات الروسية نسجت رواية غرائبية عن قيام حلف الناتو بنسج هذه الرواية عن بوتشا لاستفزاز روسيا، ويقول نافالني في تغريدة أخرى "إن وحشية الأكاذيب على القنوات الفيدرالية (الروسية) لا يمكن تصورها، ولسوء الحظ يصدق أولئك الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات البديلة".