سيرحلون وتبقى سوريا

2018.09.24 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عندما تكون وسط الغابة، لا تسمح لك كثافة الأشجار أن ترى إلا لمسافة قريبة؛ فتغيب تلك الرؤية الشاملة المعمقة الفاعلة؛ فمهما أوتيت من مقدرة على تحليل الواقع المباشر أمام عينك، ومهما كانت قدرة أدوات الرؤية فاعلة، ومهما تعمقت بالمعطيات المتوفرة أمامك؛ إلا أن الكثير من الأمور تغيب عنك، فتعجز عن الإلمام بحقيقتها ومآلاتها المحتملة. ما إن تخرج من الغابة وما إن تترك العنان لقدراتك العقلية مستخدماً أدوات الاستنتاج والربط والاستقراء، معززاً ذلك بفهم معمق لديناميكيات تطور الأحداث وتفاعلاتها، رابطاً الأسباب بالنتائج بالمتغيرات بالظروف؛ حتى تتمكن من الوصول إلى بعض الاستخلاصات والنتائج التي تلامس شغاف الحقيقة وربما تقترب كثيرا من كبدها. فلو قفزت بالزمن إلى قادم الأيام؛ وحاولت قراءة ما ستؤول إليه الأمور بالنسبة للسوري، فأي خريطة بشرية جغرافية سياسية سترى؟

* لن يتمكن أحد من حَمْل سوريا الجغرافيا على ظهره ويهرب بها؛ ولن تتمكن قدرة في الكون من إزالة الهوية السورية عن السوري، لو أصبح ملايين السوريين مبعثرين في أربع أصقاع الكرة الأرضية؛ ولن يتمكن أحد من أن يمحي ما تبرمجت به عقول ملايين السوريين.

* بداية كان أخطر ما واجهه السوري هو شعار/ إما رضوخه لحاكمه أو نهايته، كإنسان/. السوري- ورغم كل ما حل به-  تجاوز هذا التوجه المجرم، وأضحى مَن رفع ذلك الشعار يعتمد في بقائه على قوة احتلال إيرانية-روسية أخذته رهينة وتبيعه متى شاءت. بعد سنين سيتذكر السوري تغلّبه على ذلك الحقد؛ وتجاوزه سيجعله من بين الأقوى عالميا. فكما روما تقول اليوم لنيرون:” خسئت“، سيقول السوري لمن رفع شعار الجريمة هذا:” خسئت ألف مرة".

حرية السوري حافز ومحرض على العدل في كل الجعرافيا المحيطة

* قريبا سيعود العرب ليكتشفوا كم أخطؤوا بحق أخيهم السوري؛ وكم كان حصوله على حريته درساً لهم، ليصححوا المسار. لا أحد مغرم برمي حاكم عادل في مزبلة التاريخ. حرية السوري حافز ومحرض على العدل في كل الجعرافيا المحيطة.

* لن تكون بعيدة تلك اللحظة التي ستكتشف فيها إسرائيل كم كان جشعها لسفك دم السوري ودمار بلده وبالاً عليها؛ وكم كان إغلاق أبواب الفرج على السوري، خلع لأي باب أمان تطمح إليه؛ وكم كان كسبها المؤقت خسارة استراتيجية جددت أبواب الكره والحقد تجاه كيان سرطاني عمل متعهدا وراعياً لقتلة شعوبهم.

* ستبقى أمريكا قوة على حساب مرار شعوب الأرض، ولكنها ستكتشف كم هي بحاجة لأخلاق البقاء الصحي ؛ وكم هي هشة قيمياً، وكم ستكون عرضة لاهتزازات لن تنتهي إلا بتحولها إلى جزر روباتات منفصمة ومنفصلة عن كوكبنا تقتل لتعيش أو تقتل ذاتها. مرة أخرى، لن تكون 11 من أيلول إلا دعابة عابرة لا تُذكر مقارنة بالقادم الأعظم… وبيدها لا بيد عمر.

* أما الروسي الصبور فسيستشعر طفح الكيل ويفقد كل ما خزنه في سباته الشتوي المذل على يد مافيا بوتين التي قارب عمرها العقدين. لن يجد بوتين ومافياته ملاذا آمناً للاختباء من غضبة من أذلوا لسنوات. السؤال القاتل الذي يقض مضاجع بوتين من الداخل الروسي: "ماذا تفعل في سورية غير خدمة دكتاتورية تقتل شعبها؟!" لن يكرر الروس عام 1917 ولكن سيبعثروا أرواح من خنقهم على الطريقة الروسية التاريخية القيصرية، وسيحدث التفكك الجغرافي حسب ملامح الوجه وليس فقط حسب اللغة والصلاة.

* بأسرع ربما مما نتصوّر، سيعود الملالي إلى غليان الساحة الإيرانية التي اشتاقت للخلاص من الكذب والدجل وادعاء مقاومة الشيطان الأكبر، بعد أن استخدمهم هذا الشيطان الأكبر وباعهم وهم اتفاق نووي، ليعود ويدعسه؛ يعودوا ليقدموا لهم ذراعا خشبية تدور في فراغ التقية وعداوة مع شعوب عربية إسلامية كانت قابلة أن تكون صديقة، فتحوّلت إلى أهل دم. سيتجرع الملالي السموم التي يطبخون وتشتعل أياديهم وعماماتهم بالنار التي أرادوا إضرامها بمحيطهم ليهربوا من احتمال تفكك ما أرادوه إمبراطورية، وسيكون التفكك بألوان وأشكال تتجاوز قوس قزح وكل المواشير. تلك التي تشبه شكل القارة (إيران) ستكون أمما لا متحدة تأكل لحم بعضها البعض ثمن خيبتها.

سيعود السوري إلى أرض يباب ذبحتها براميل الحقد، إلى جراح عمقها فجور الذين استرخصوا الأرواح لرخصهم

* سيعود السوري إلى أرض يباب ذبحتها براميل الحقد، إلى جراح عمقها فجور الذين استرخصوا الأرواح لرخصهم. سيعود إلى بقايا أدوات بناء تركتها الطائرات ويرفع جدرانها عبر رفع جدران روحه حتى ولو كانت بلا غطاء؛ فما عاد السوري يحتمل السقوف. سيكون سقفه سماء الله بارتفاعها وإرادته تلك التي حملها سيزيف.

أيها السوريون؛ منكم من باع روحه لمن تلوّث بالدم فأضحى حمّال دم باختياره أو بحكم عجزه الأخلاقي أو بحكم استزلامه أو بحكم الاضطرار. لا أمل بهؤلاء. أما من بقي على الحياد أو من لا حول ولا قوة له؛ وما من مكان آخر له إلا سوريا؛ فلهؤلاء ولكل من خرج على الظلم ودوّى صوته وفعله من أجل الحرية ودولة كل مواطنيها المدنية السيدة المحترمة فأقول: أيها الأهل… أيها السوريون العظماء؛ كيفما كانت مشاربكم؛ إيران ستعود إلى داخلها المهشم في بلاد فارس وتنشغل بنفسها؛ حزب الله أداة كعلبة كبريت سيرميها مستخدمها بعد تحقيق أغراضه، وألوية أبو فضل العباس أمامها مجازر لا حصر لها في العراق وغيره، وستغادر، تماماً كما "داعش" الوباء القاتل الزائل بإرادة مستخدميه متى أشبعوا ما بهم من شيطنة. أما إمارة الحرب في المهاجرين، التي لم ترَ يوماً حتى بمن والاها إلا وقودا لاستمرار سيادتها، فمصيرها النفوق أو "لاهاي". الكل سيذهب، ولن يبقى للغد في أرض الشام إلا من زج بهم هؤلاء بهذه الضفة أو تلك؛ فلا يبصق واحدكم على الآخر … إنكم ستتقابلون غداً. اتركوا مكاناً للصلح والعيش المشترك؛ سوريا عائدة سيدة حرة مستقلة.