icon
التغطية الحية

سوريون يعيدون فتح طريق "البلقان"

2018.08.27 | 17:08 دمشق

لاجئون في الطريق إلى أوروبا عبر البلقان(إنترنت)
زياد الحلبي-تلفزيون سوريا-اليونان
+A
حجم الخط
-A

انخفض عدد السوريين القادمين إلى أوروبا في العامين الماضيين بشكل ملحوظ، بعد قيام الاتحاد الأوروبي بإغلاق طريق البلقان أواخر عام 2016، وفرض تشديدات على كافة حدوده مع ألبانيا والبوسنة ومقدونيا وصربيا، وحاول السوريون كما باقي الجنسيات الأخرى، إيجاد طرق بديلة للوصول إلى أوروبا ، وكانت إما عن طريق اليونان أو تركيا. 

 

استحالة الخروج من المطارات التركية واليونانية

مع انتشار خبر إغلاق طريق البلقان منذ عامين، قرر مئات السوريين الموجودين في تركيا عدم إكمال مسيرتهم باتجاه اليونان، والتوجه لواحد من مطارات إسطنبول ( مطار أتاتورك-مطار صبيحة ) ومحاولة الخروج من أحدهما باتجاه إحدى دول الاتحاد الأوروبي، إما عن طريق جوازات سفر أوربية مزورة أو نظامية تشبه حاملها، أو وثائق سفر حصل أصحابها على حق اللجوء، وبعدها قاموا ببيع تلك الوثائق أو أرسلوها لأحد أقاربهم ليستطيع السفر فيها.

نجح عدد من السوريين بالسفر عن طريق  المطارات التركية، حتى أصبح الأمر مكشوفاً للشرطة هناك ما أدى لفرض إجراءات مشددة على جميع الرحلات إلى أوروبا، وذلك عبر فحص جميع الوثائق بجهاز مخصص لفحص الثبوتيات، والتأكد من ملامح الشخص المسافر فيما إذا كانت مطابقة للصورة الموجودة في الجواز، ومن يثبت امتلاكه لوثيقة سفر مزورة أو ليست ملكه يلقى عقوبة مالية وسجن لمدة معينة، الأمر الذي أثار خوف كثيرين، من تطور العقوبات لتصل حد الترحيل إلى سوريا، فأصبحت الفكرة مستبعدة بشكل كامل.

اختصر السوريون الأمر بقطع الحدود اليونانية والوصول للعاصمة " أثينا "، بهدف الخروج من مطارها، ظناً أن التدقيق الأمني سيكون أضعف من المطارات التركية، حيث تعتبر أثينا بوابة التهريب للدخول إلى أوروبا، والمدينة الأولى عالمياً في تزوير الوثائق، وعدد "المهربين"، فيها أصبح مساوياً لعدد "النفرات " وتعني "المهاجرين غير شرعيين " وهي تسمية أطلقت عليهم من قبل المهربين كنوع من التمويه. 

يتفاجأ عشرات الآلاف العالقين اليوم في" أثينا "بالتشديدات التي تفرضها الشرطة اليونانية في المطارات، وذلك بمساعدة الشرطتين الإيطالية والألمانية، بلال أوسو شاب يبلغ من العمر 23 عاما من مدينة درعا قال لموقع تلفزيون سوريا؛ وصلت لليونان في شهر 10 من العام الماضي، بهدف الوصول إلى النرويج حيث تقيم عائلتي. 

ويتابع "حاولت الخروج من مطار  أثينا  17 مرة، وفي كل مرة تلقي شرطة المطار القبض علي ويطلب عناصرها المحاولة مجدداً ، لعلّ المحاولة القادمة لا يروني وأستطيع الصعود للطائرة والوصول لأهلي وأكد لم أفقد الأمل، وسأبقى أحاول إلى أن أركب الطائرة وأحُطّ في " أوسلو " العاصمة النرويجية". 

" أوسو" ليس الوحيد العالق في اليونان، حيث يتواجد في " أثينا " و " سالونيك " عشرات الآلاف من الجنسية السورية وحدها، إضافة لعدد مساوٍ متواجدين في الجزر اليونانية مقابل السواحل التركية لا يستطيعون المغادرة، والسبب التشديدات التي تفرضها قوات الشرطة والكوماندوس على كونترولات البواخر، بحجة وجوب انتهاء إجراءات اللجوء الأولية التي تصل مدتها ل 6 أشهر ، ومرات لـ 9 أشهر، ومن يحصل على الرفض من الممكن أن تكون المدة سنة أو سنتين، حيث يسكن اللاجئون بمخيمات أسوأ من مخيمات الزعتري الأردنية . 

 

مرة أخرى المئات يقررون فتح طريق البلقان 

مع زيادة التشديدات في مطارات تركيا واليونان واستحالة السفر منها لإحدى دول أوروبا، قامت مجموعات من السوريين بالمغامرة وبدؤوا رحلة اللجوء سيراً على الأقدام عبر طريق البلقان انطلاقا من اليونان ومرورا بألبانيا  والجبل الأسود والبوسنة  وكرواتيا وصولاً لإيطاليا.  

عمر عرابي شاب من مدينة حلب يبلغ من العمر 25 عاما، وصل هولندا منذ شهرين، سالكاً دول البلقان مع أربعة من أصدقائه وصف معاناته لموقع تلفزيون سوريا بالقول" أصابني اليأس بعد أربعة شهور ونصف من المحاولات المتكررة في مطار أثينا دون جدوى ، قمت بدفع 5 آلاف يورو للمهربين حتى أستطيع السفر ولم أنجح، فقررت السفر براً مع أصدقائي الأربعة عبر طريق البلقان المعروف  بطريق الموت متجاهلاً ما سيواجهني وأصدقائي من خوف وتعب وإهانة".

وأوضح"بدأت رحلتنا من العاصمة اليونانية  أثينا  للحدود مع ألبانيا لمنطقة تسمى " كاكافيا " مع وصولنا للحدود شاهدنا عددا من الخيام تسكنها عائلات تحاول يومياً الدخول لألبانيا دون جدوى، ومن الجهة الأخرى عدداً من الشباب قادمين من أعلى قمة جبل ، وهم يرددون " عودوا فمن سابع المستحيلات الوصول للطرف الآخر " هي المرة الثالثة نحاول الدخول ويلقى القبض علينا ونتعرض للضرب والإهانة. 

وتابع عرابي"أصابنا اليأس ومع ذلك بدأت وأصدقائي المسير حتى وصلنا للحدود بعد ساعات من السير في الغابات، دخلنا الأراضي الألبانية حتى وصلنا قبالة نهر جارف لم نستطع عبوره، اتصلنا بالمفوضية السامية لحقوق اللاجئين وطلبنا المساعدة، وصلوا بعد ساعة لأخذنا للعاصمة " تيرانا " إلا أن شرطة الحدود حاولت بكافة الوسائل إرجاعنا لليونان، فحدثت مشكلة بين الطرفين، مؤكدين أننا لسنا بحاجة المساعدة ويجب إرجاعنا مثل البقية لم تسمع الأمم لكلامهم وقامت بنقلنا للعاصمة، ومن هناك أكملنا طريقنا لنصل لحدود الجبل الأسود". 

 

لاجئون يختفون في الجبل الأسود

يتابع عرابي" بعد ساعات من السير في الجبال  وعلى سكة الحديد المعروفة في عام 2015 وصلنا لأراضي " الجبل الأسود " وجلسنا بالفندق عبر الحجز بجوازات السفر السورية ، لم ندرك بأن الشرطة تراقبنا حتى قبض علينا في اليوم التالي عن طريق دورية الشرطة كانت تنتظرنا على الطريق باتجاهنا للعاصمة " بوردغيتشا " ، أخُذنا للمخفر ونقلنا للعاصمة وبعدها للمحكمة، أُدخلنا للقاضي والمترجم والمحقق بجانبه، أُجريت محكمة فعلية وحكم علينا إما بدفع غرامة مالية أو السجن لمدة تتراوح بين 10 حتى 30 يوم في سجن مخصص للمجرمين الأجانب وعلى رأسهم مجرمو صربيا، اخترنا دفع الغرامة ومع ذلك قامت الشرطة بسجننا 5 أيام تم تجريدنا من كل ممتلكاتنا حتى أربطة أحذيتنا."

وأضاف قبل الخروج من المحكمة همس لنا المترجم  بالعربية، "لاجئون كثيرون اختفوا لمدة وانقطعت أخبارهم والسبب أنهم يسجنون لمدة قصيرة لرفضهم دفع الغرامة".

وأكد أن دولة الجبل الأسود دولة عسكرية وهم معذورون على الإجراءات المتبعة بحقنا كأجانب دخلنا بطريقة غير شرعية، ومع ذلك فإن الإجراءات جديدة وربما ستكون أشد في المرات القادمة.

 

تساهل مع اللاجئين في البوسنة

يبدو أن الحرب بين البوسنة وصربيا أواخر القرن الماضي  ما زالت في ذاكرة الشعب البوسني ، حيث يؤكدون للاجئين السوريين بأن مصابكم ومصابنا واحد ، فما حدث معكم اليوم حدث معنا في الأمس. 

بلال خاروف شاب من مدينة حلب يبلغ من العمر 33 عاما متحدثاً لتلفزيون سوريا : وصلت للبوسنة بعد مسير 9 ساعات ، استلمت ورقة لجوء من الشرطة البوسنية وذهبت للحدود مع كرواتيا لمنطقة تسمى " فليكا كلادوشا " ، لم أنجح وأصدقائي في عبور الحدود بسبب التشديدات الكبيرة من قبل شرطة الحدود.

قامت الحكومة البوسنية بإنشاء مخيم على الحدود مع كرواتيا ، بسبب الضغط الهائل في أعداد اللاجئين الذين وصل عددهم الآلاف بينهم المئات من الجنسية السورية.

 

رعب على الحدود الكرواتية

تفرض الحكومة الكرواتية تشديدات مضاعفة على حدودها مع صربيا والبوسنة على عكس بقية دول البلقان الأخرى، فعند الوصول لحدودها لا بد من سماع أصوات الطائرات المروحية والحربية وطائرات الاستطلاع، إضافة لوجود عدد كبير من سيارات شرطة الحدود المنتشرة في كل زاوية ، ومن سيقبض عليه سيتلقى من الضرب ما يشبعه بالتزامن مع مصادرة جميع الممتلكات الشخصية والأوراق الثبوتية، دون التمييز بين كبير وصغير، رجل أو إمرأة، طفل أو شيخ .

من مدينة حلب خرج الشاب مصطفى ناصيف( 22 عاما) في رحلته إلى أوروبا ويقول لموقع تلفزيون سوريا"مع وصولنا للحدود البوسنية الكرواتية لم نكن نعلم بأن الطائرات المروحية المحلقة بالسماء قد رصدتنا على الأرض، وأعطت إشارة لسيارات الشرطة المنتشرة على الحدود، التي ردت بدورها بإطفاء وإشغال الإنارة عدة مرات، كنوع من التنسيق فيما بينهما".

وتابع" كنا أربعة أصدقاء من سوريا ومعنا إمرأة تحمل طفلة من جنسية أخرى  تريد عبور الحدود معنا، بدأنا السير حتى وصلنا مسافة 1 كم وفجأة  أصبحت الطائرة المروحية فوقنا وقامت بإشعال الأضواء علينا وهي تحلق على ارتفاع منخفض، ما هي إلا لحظات حتى وصلت سيارات الشرطة، وألقي القبض علينا، تم مصادرة جميع هواتفنا وأوراقنا الثبوتية من ضمنها جوازات السفر السورية ، كما قاموا بمصادرة ممتلكات المرأة التي كانت معنا ، وعندما سألت لماذا تفعلون هذا باللغة الإنجليزية، قام أحد عناصر الشرطة بضربها وإسكاتها".

اضطررنا للعودة والمحاولة مجددا بعد عدة أيام، بسبب العواصف والأمطار في المنطقة، ولكن هذه المرة من مكان مختلف دون اصطحاب المرأة وطفلتها معنا لخطورة الطريق الذي سنسلكه، عبرنا من منطقة حدودية مغايرة للمنطقة الماضية، ودخلنا لغابات لم يسبق لبشري أن دخلها، فقد كانت الغابة تحوي وحوش برية، ومنازل وكنيسة مهجورة، وصل بنا الحال لم نعد رؤوية بعضنا البعض بسبب الظلام الدامس، استطعنا الوصول بأعجوبة بعد كل ما رأيناه في الغابة، يتوقف ناصيف عن الحديث ثم يقول "لا أريد الحديث بالأمر، فمجرد التذكر يخيفني".

يري ناصيف أن القدرة الإلهية أنقذتهم في ذلك اليوم، وبفضلها وصلوا لأول مدينة في الساعة 6 صباحاً، وعاودوا المسير في الساعة 7 بعد غروب الشمس، متجهين بالحافلة إلى العاصمة زغرب.  

 

نهر " دراغونيا " يبتلع العشرات شهرياً

يحاول العشرات من المهاجرين الوصول إلى "سلوفينيا " باحثين عن أضعف وأقصر منطقة من الحدود الكرواتية السلوفينية ألا وهي نقطة نهر "دراغونيا" الواقعة شمال غرب كرواتيا، حيث يحاول المهاجرين الوصول إلى الضفة الأخرى من النهر عن طريق السباحة غير معتمدين على وسائل أخرى للمساعدة، رغم أن النهر جارف وعميق وغرق العشرات في الأشهر الماضية، إلا أن الكثيرين يفضلون تلك النقطة للعبور.

ويختصر مصطفى ناصيف وضع المنطقة هناك بالقول (الداخل مفقود والخارج مولود )، ويتابع" بينما كنت وأصدقائي في العاصمة الكرواتية زغرب تعرفت على أربعة شباب من الجزائر، كانوا قد وصلوا بنفس الطريق الذي عبرته، واتفقنا أن يذهبوا أمامي لنهر "دراغونيا" لعبوره ويخبرونني عن الطريق عند وصولهم سلوفينيا.

ويضيف"بعد يومين اتصل أحدهم ليخبرني بأنهم فقدو أحد أصدقائهم في النهر بينما كانوا يعبرو للضفة الأخرى، قائلا لي  دخلنا النهر أربعة وخرجنا ثلاثة فقط ، جرفته المياه معها ، وتم إلقاء القبض علينا من قبل الشرطة السلوفينية ولم يقدموا لنا المساعدة في البحث عنه ، وأكمل لي أخذتنا الشرطة باتجاه مركز اللجوء وقاموا بإجبارنا على تقديم بصماتنا وإلا سنبقى في السجن أو يتم إعادتنا إلى كرواتيا وبدورها كرواتيا التي ترفض وجود لاجئين على أراضيها مهما كان السبب ستقوم بإرجاعنا للبوسنة".

وطلب مني أن أبحث عن طريق آخر لأتجنب النهر وإلقاء القبض علينا حتى لا نجبر على البصمة أو العودة، فالبصمة في سلوفينيا معترف بها في دول الاتحاد الأوربي، ويؤخذ بها على أنها دولة جيدة للجوء على عكس اليونان.

 عام 2015 كان اللاجئون يقومون بتقديم بصماتهم في أي دولة يمرون بها دون أن تسبب لهم الدولة التي سيقيمون بها أي مشاكل أو يعيدوهم  "لدولة البصمة"، إلا أن كل شيء تغير الآن والجميع سيعود إلى البلدان التي قدم بصماته فيها.

ويشير ناصيف إلى أن " نهر دراغونيا " يبتلع العشرات من جنسيات مختلفة شهرياً تحاول العبور منه للضفة الأخرى، ورغم ذلك ما زال طريقا معتمدا من قبل اللاجئين.

ويختم ناصيف بالقول" اخترت نقطة أخرى تحوي أسلاك شائكة مرتفعة، بطريقة ما استطعت وأصدقائي اجتيازها وعبرنا الحدود ، وبعد مسير ست ساعات ونصف في الغابات استطعت قطع الحدود الكرواتية السلوفينية الإيطالية مع بعضهم البعض والوصول لإيطاليا، وهنا انتهت رحلتي بعد شهر ونصف من المعاناة على طريق البلقان".

ورغم جميع الصعوبات الموجودة على طريق البلقان إلا أن هناك مجموعات تصل أعدادها المئات تقوم بالتحضير لدخول الحدود من اليونان واجتياز تلك الدول والوصول لأوروبا، ولكن في المقابل يوماً بعد يوم يزداد التشديد على الحدود من قبل دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها اليونان وكرواتيا.