icon
التغطية الحية

سوريون أم أتراك؟ لمن ينتمي اللاجئون السوريون في تركيا

2021.09.19 | 06:11 دمشق

156206653386534721.jpg
محال للسوريين في منطقة الفاتح بإسطنبول ـ إنترنت
إسطنبول ـ يامن مغربي
+A
حجم الخط
-A

يواجه اللاجئون السوريون في أوروبا وتركيا عشرات التحديات أثناء بناء حياتهم الجديدة، وإحدى أهم هذه التحديات هي الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها، وتأثيره على انتماء أطفالهم لوطنهم الأم سوريا. ويأتي تحدي الانتماء إلى جانب عشرات التحديات الأخرى، منها العنصرية والتنمر وسوء المعاملة.

"تأثرت لغتي العربية بسبب دراستي الكاملة باللغة التركية، لكنني لا أهتم كثيراً بمقاومة هذا التأثير، إذ أن مستقبلي هنا، وبالتالي أهتم باللغة التركية أكثر ولهجتي العامية كافية بالنسبة لي"، هذا ما قالته جودي، الطالبة الجامعية في إحدى جامعات إسطنبول الخاصة لموقع تلفزيون سوريا.

وصلت جودي (19 عاماً) إلى تركيا في صيف عام 2014، وعمرها لم يتجاوز حينها 12 عاماً، وسرعان ما دخلت إلى المدارس التركية ونجحت بتكوين صداقات جديدة وتعلم اللغة التركية، قبل أن تبدأ دراستها الجامعية خلال شهر أيلول الحالي، ووفقاً لتصريحاتها لموقع تلفزيون سوريا، فإن انتماءها لوطنها الأم تأثر بشكل كبير نتيجة سنين اللجوء الطويلة.

وأضافت جودي "تأثر انتمائي لسوريا، صحيح هي وطني الأم لكنني عشت هنا في إسطنبول لفترة طويلة، وخاصةً في مرحلة المراهقة والآن في مرحلة الشباب، أصبح لدي الكثير من الأصدقاء وتشكلت لدي بالتالي الكثير من الذكريات، لذا أصبح لديّ انتماء أيضاً لتركيا والأماكن والناس، لم أعش في سوريا ولم يقدم لي هناك ما يحافظ لي على انتمائي، بعكس هنا".

وسبق أن قال رئيس تجمع الطلبة الأجانب في تركيا، عبد الله إرين، إن عدد الطلاب السوريين الذي يدرسون في الجامعات التركية وفقاً لأرقام مجلس التعليم العالي التركي (YÖK) بلغ 37 ألفاً و326.

وأوضح إرين لصحيفة (ملييت) التركية في 14 من حزيران الماضي، أنَّ 1611 طالباً سورياً فقط استفادوا من المنح الدراسية التي تقدمها الحكومة.

وفي الوقت الذي تتمنى فيه جودي الحصول على الجنسية التركية في أقرب وقت ممكن، خاصةً مع عدم رغبتها بالعودة إلى سوريا مطلقاً، لا ينسى مجد (16 عاماً) أيامه في سوريا ويعتقد أنه ما يزال برغم سنين غربته الطويلة عنها (وصل إلى تركيا في منتصف عام 2013) ينتمي إلى سوريا، معتبراً أنه سيبقى سورياً إلى الأبد "سوريا هي بلدي الأصلي وأبقى سورياً مهما حدث".

ويشير مجد، الطالب في المرحلة الثانوية إلى تأثر لغته العربية الأم من ناحية القراءة والكتابة كما بدأ بنسيان بعض المصطلحات التي لا يستخدمها كثيراً، مع عدم رغبته بإقامة علاقات مع شباب من الجالية العربية.

وتعد اللغة والعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية، من أبرز الأمور التي تتأثر لدى الاندماج في مجتمعات جديدة، ويزيد هذا التأثير تحديداً لدى طلاب المدارس من الأطفال والمراهقين، بسبب اختلاطهم لوقت أكبر مع أطفال ومراهقين من أعمارهم.

وكانت وزارة التربية والتعليم التركية قد أدرجت خلال العام الدراسي الحالي 2021- 2022، نصوصاً جديدة في مناهج المرحلة الابتدائية، تتحدث عن وصول طلاب سوريين إلى المدرسة والترحيب بهم من قبل المدرسين والطلاب على حد سواء، في خطوة من قبل الحكومة التركية لزيادة الاندماج بين الطلاب الأتراك والسوريين، ومحاولة للتخفيف من الحملات العنصرية الأخيرة.

أطفال الثقافة الثالثة

يصنف الأطفال أبناء اللاجئين المنتقلين إلى مجتمعات جديدة، كأطفال لثقافة ثالثة، يواجهون من خلالها صعوبات كثيرة في الاندماج مع الأطفال من سنهم، وربما يواجهون التنمر وسوء المعاملة ومواقف عنصرية.

وأطفال الثقافة الثالثة هم الأطفال الذين لا ينتمون لثقافة أو مجتمعات أهلهم، ولديهم صعوبة بالاندماج مع المجتمعات الجديدة، وخاصة المراهقين الذين يمرون بفترة حرجة تتشكل خلالها الشخصية وبناء الهوية والتوجهات والانتماء، بالتالي يعيشون تحديات كبيرة.

وأشارت الباحثة في علم الاجتماع، كبرياء الساعور في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن الأطفال والمراهقين من أبناء اللاجئين ممن عاشوا لفترات طويلة خارج بلادهم يواجهون تأثيرات كبيرة مع اندماجهم في المجتمعات الجديدة، وعدم قدرتهم على زيارة بلادهم مرة أخرى، حتى مع قدرتهم على الاندماج بالمجتمعات الجديدة أكثر من الكبار.

وأضافت الساعور أنه من أبرز التحديات، هي الصراع بين الأهل والمراهقين حول القيم، مع تغير سلطة الأهل ودورها ولأي مرحلة لهم الحق بتقييم قيمهم الجديدة واتجاهاتهم.

من جهتها قالت ربى وهي أم لثلاثة أطفال والتي وصلت إلى مدينة إسطنبول في عام 2013 وتقيم فيها منذ ذلك الحين، لموقع تلفزيون سوريا، إنها تلاحظ بشكل كبير تأثر اللغة العربية لأطفالها رغم محاولاتها الكثيرة ودفعها لحفاظهم عليها.

وأضافت ربى أنها تعتقد أن أطفالها فقدوا جزءا كبيراً من مفردات اللغة العربية الأقل استعمالاً في الحياة اليومية لكن ليس بالشكل الذي لا يمكن تلافيه أو تداركه حتى الآن، مشيرةً إلى أنهم سيحتاجون جهداً كبيراً للمحافظة على لغتهم الأم في المستقبل.

وبرأي ربى، فانتماء أطفالها إلى سوريا لن يتأثر حتى لو لم يعيشوا ويكبروا على أرضها، وحتى لو خانتهم ذاكرة الطفولة المبكرة في استحضار تفاصيلها لأن "الانتماء قضية أعمق من تفاصيل مكان في ذاكرتهم" بحسب رأيها.

وترى ربى أن الانتماء "مجموعة من المشاعر التي ستكبر في دواخلهم الصغيرة يوماً بعد يوم من خلال أحاديثنا نحن (الأبوين) وذكرياتنا وحنيننا وربما من خلال كلمات أغنية أو صورة قديمة من خلال كل ما يستطيع عقل الطفل تصوره وتبنيه".

ويشير نور (40 عاماً)، ويقيم في إسطنبول منذ عام 2015، إلى أن ابنه الذي يدرس في الصف الثاني الثانوي، لا يعاني من ضعف اللغة العربية على صعيد القراءة والكتابة، لكنه أصبح سيئاً بشكل كبير من ناحية النحو والإعراب، أما طفله الثاني في الصف الثامن فقد تأثر بشكل كبير على كل الصعد الخاصة باللغة العربية والانتماء إلى وطنه الأم، فيما يملك ابنه الأول انتماء أكبر مع امتلاكه لذكريات أكثر في سوريا.

وعن مواجهة هذا الأمر، قال نور إنه يحاول بكل الطرق مقاومة هذا التأثير دون أن يلمس نجاحاً كبيراً حتى الآن، وازداد الأمر سوءاً مع انتشار فيروس كورونا وإغلاق التعليم وجهاً لوجه في تركيا، ما منعه من تسجيل أولاده في دورات خاصة باللغة العربية الفصحى.

ماذا يقول علم الاجتماع؟

الباحثة في علم الاجتماع كبرياء الساعور أشارت لموقع تلفزيون سوريا إلى وجوه إيجابية في المجتمعات الجديدة، وأهمها الانفتاح على ثقافات جديدة وتعليم جيد والحصول على فرص مهمة، ما يجعل شخصياتهم أكثر مرونة ورؤيتهم للأمور أوسع وأشمل من الرؤية الضيقة بحسب رأيها.

وحول دور الأهل، أشارت الساعور إلى وجود دور كبير للأهل لتعزيز الانتماء لدى أطفالهم وأولادهم، والنظر بتقدير لثقافتهم الأصلية، على أن يكون الأهل منفتحين على المجتمع الجديد والابتعاد عن فرض ثقافتهم الأصلية ما يؤدي إلى رفض الانتماء لدى الأطفال والمراهقين لثقافتهم وبلادهم الأصلية، وبالتالي انقطاع التواصل بين الطرفين، في الوقت الذي يكون فيه المراهق في هذا السن بحاجة ماسة إلى أهله.

ويشكل اللاجئون السوريون ما نسبته 8.25% من اللاجئين حول العالم، وفق تقرير "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" الصادر في حزيران من عام 2020، والذي قال بدوره إن عدد اللاجئين السوريين تجاوز ستة ملايين موزعين على 126 دولة.